هذه الحلقة مهمة جدا لأنها توظف معنى التراث ومعنى إعمال العقل فى التراث حتى لا نعبد التراث من أجل التراث ولا نعبد السلف واجتهاداتهم , فقد تصيب وقد تخطيء خاصة مع التقدم العلمي فى عصرنا , ولا يعنى ذلك عدم تبجيلهم , ولكن يعنى احترام اجتهادهم وعلينا اجتهادنا , فالكل غير معصوم ولا عصمة لغبر الأنبياء والرسل بل نأخذ منه ما يناسب العقل حسب المنهج الصحيح , ونوفق بين المنقول والمعقول لو حدث اختلاف بالتأويل الصحيح من أهل العلم . وهنا ضاعت فرق كثيرة بين استخدام العقل المطلق حتى عبدوا العقل , ومن عبد التراث وأوقف عمل العقل .
حتى قال الإمام محمد عبده لو اختلف العقل والنقل لاتبعت العقل , وغيره ممن عبدوا القديم والنقل , قالوا بالعكس نأخذ بالنقل ولا يهمنا العقل
ونقول نحن نوفق بين العقل والنقل لأنه لا اختلاف بينهما , فاذا وجد اختلاف فيجب التأويل للتوفيق أو الإيمان بأن العقل فى كثير من الأمور محدود ولا يقف على العلة فى الأمر كحديث الذبابة التى تغمر فى الشيء اذا وقعت فيه , فاعترض عليه البعض لعدم معرفة العلة وقالوا الحديث لايصح ,وأثبت العلم الحديث أن الحديث صحيح ففى إحدي جناحى الذباب داء وفى الجناح الآخر دواء , وكما قال البعض بكروية الأرض حتى جاء العلم وفسر أن الأرض ليست كروية بل بيضاوية وفسروا كلمة دحاها والمد والأخذ من الأطراف بالنقصان بأنها بيضاوية وقال بعض العلماء أن الأرض شكلها شكل الأرض أى الأرض أرضية
إذن علم النقل وعلم العقل وعلم التأويل كلها فى سلة واحدة لا مناص من العمل بكلها
القاهرة عدد 388 قال ابن تيمية الرسل أرسلت لتكميل الفطرة لا لتغييرها قال تعالى ” سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ” فصلت 53
فأخبر أنه سيريهم الآيات الآفاقية والنفسية لأن القرآن الذى أخبر به عباده حق فتتطابق الدلالة البرهانية القرآنية والبرهانية العيانية ويتصادق موجب الشرق المنقول والنظر المعقول
فالتأويل المقبول ما دل على مراد المتكلم فالمتأول اذا لم يكن مقصوده مراد المتكلم كان تأويله للفظ بما يحتمله من حيث الجملة فى كلام من تكلم بمثله من العرب هو من باب التحريف والإلحاد لا من باب التفسير وبيان المراد , أما تأويل ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فهو نفس الحقيقة التى أخبر عنها وذلك فى حق الله هوكنه ذاته وصفاته التى لا يعلمها غيره ولهذا قال السلف :إنا لانعلم كيفية ما أخبر الله عن نفسه وأن علمنا نفسيره ومعناه
وأما من قال إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد به لا يعلمه إلا الله فهذا ينازعه فيه عامة الصحابة والتابعين الذين فسروا القرن كله وقالوا إنهم يعلمون من معناه والآيات التى ذكر الله فيها أنها متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله إنما نفي عن غيره علم تأويلها لا علم تفسيرها ومعناها ..”
محمد عمارة القاهرةة عدد380,383عبد الرحمن الكواكبي : الحق أن النبي صلي الله عليه وسلم قال وفعل أشياء كثيرة على سبيل الإختصاص أو الحكاية أو العادة
محمد عبدالله السمان القاهرة عدد 383: ما زلت أكرر لا قداسة لما بين أيدينا من تراث . لقد كتبت أنتقد كتابا مشهورا للقاضي عياض عنوانه الشفاء لإن فيه أن الرسول أوتى قوة أربعين رجلا فى الجماع وأنه كان يأتي زوجاته جميعهن فى وقت يسير وكان الرد : أين أنت من القاضي عياض ؟ وكتبت أنتقد كلمات للإمام النووي ” كاد الإحياء يكون قرآنا ” يعنى إحياء علوم الدين للإمام الغزالي وكان الرد على : أين أنا من عالم كالشيخ النووي وأزمتنا اليوم مصدرها بعض المشايخ سماهم د. على البخاري الأستاذ بجامعة الأزهر : فقهاء بغير فقه ” وقد كانت فى نفس الإمام محمد عبده الكثير من أضرابهم وفى مرضه الأخير كان يردد :
ولست أبالي أن يقال محمد أبلي أم اكتظت عليه المآتم
ولكن دينا قد أردت صلاحه أحاذر أن تقضي عليه العمائم
محمد عمارة القاهرة عدد 384:ابن رشد : التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية الى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب فى التجوز أى أن للتأويل قواعد لغوية كما أن له قواعد عقدية تجعله متسقا مع النصوص المحكمة والقواعد الكلية للدين
فالمعتزلة والمشبهة والفرق كلهم مصدقون للرسول ولكنهم مخطئون فى التأويل فأمرهم محل الإجتهاد , ودليل المنع من تكفيرهم أن الثابت عندنا بالنص تكفير المكذب للرسول وهؤلاء ليسوا مكذبين أصلا ولم يثبت لنا أن الخطأ فى التأويل موجب للكفر فلابد من دليل عليه والعصمة مستفادة من قول لا إله إلا الله قطعا فلا يدفع ذلك إلا بقاطع ولا يلزم كفر المتأولين وما من فرقة من أهلا الإسلام إلا وهو مضطر اليه .
ومن الناس من يبادر الى التأويل بغلبات الظنون من غير برهان قاطع ولا ينبغى أن يبادر أيضا الى كفره فى كل مقام بل ينظر فيه فإن كان تأويله فى أمر لايتعلق بأصول العقائد ومهماتها فلا تكفره ”
وقواعده :
-جائز
–المواطن التى يكون فيها البرهان العقلي على استحالة دلالة ظاهر النص
-تحقيق شروط اللغة العربية فى المجاز
-فيما لا يثبت فيه إجماع يقينى على أن المراد هو ظاهر الألفاظ
-ترشيح دلالات ظواهر بعض النصوص على مواطن التأويل فى بعضها
-من أجل الجمع بين المعقول والمنقول لا المقابلة بينهما والإنحياز لأحدهما تجاوز الآخر أو نفيا له
-التأويل حقا للخاصة الراسخين فى العلم ولا يصرح به للعامة ولا يثبت فى كتب الجمهور حتى ولو كان تأويلا صحيحا
-الغيب والمعجزات ومباديء الشريعة وكل مالايستطيع العقل الإنساني الإستقلال بإدراك كنهه فالواجب أخذ نصوصه على ظواهرها دون تأويل فمن يفعل ذلك زنديق
-الإقتصاد فى التأويل فكثرته تقلل التقوي فى حق المشتغلين بالفكر الإسلامي
والتأويل علم ذكره القرآن فى حق يوسف عليه السلام ” وعلمناه من تأويل الأحاديث ” : فانظر كيف أول رؤيا الملك سبع بقرات سمان وسبع عجاف , وسبع سنبلات خضر وأخري يابسات , بأن البلاد سيصيبها رخاء سبع سنوات يعقبها سبع سنوات جدب , ولما تيقن الملك من تأويل يوسف عمل بالرؤيا وخرجت البلاد من المحنة , وكيف أول رؤيا صاحبيه فى السجن الذى يسقى ربه خمرا أن سيحدث له ذلك ويخدم الملك , والذي تأكل الطير من الخبز على رأسه سيصلب وقد حدث , حتى يوسف ليقينه من علم التأويل الرباني ” قال لأبيه يعقوب لما عاد الى مصر وإخوته وسجدوا له “هذا تأويل رؤياي من قبل ”
وكان الرسول يجمع الصحابة ويؤول رؤاهم فى الحديث الصحيح
وكثير من أهل العلم والصلاح يعطيهم الله ملكة التأويل , وقد شاهدناهم بأنفسنا , وكأنه إلهام من الله عز وجل , حتى كهنة مصر فى حلم الملك اعترفوا أن ليس لهم علم التأويل فقالوا على رؤاه أضغاث أحلام أى هذيان
لكن تأويل بعض الفرق بأن لووا عنق النصوص القرآنية والأحاديث كما عند الخوارج والشيعة فينسبون ظلما وعدوانا آيات قرآنية الى أنها تريد الإمام علي والإمامة وفاطمة الزهراء
وكذلك المعتزلة فى صفات الله وأسمائه
والرافضة التى ترفض كثير مما وصف الله به نفسه مع الفارق ” ليس كثله شيء وهو السميع البصير ” وكالمعطلة التى تعطل فعل صفات الله وأسمائه ..إلخ
والعبد لله لاحظ من يعرفه أن له فى هذا العلم بفضل الله , وكنت لاأعلم ذلك , مع أننى درست كل كتب العلم والتفسير لابن سيرين ولفرويد وغيرهم , فربما تلاقي فضل الله مع الدراسة والله أعلم . ولا أذكر ذلك على سبيل المدح والتزكية حاشا لله , وإنما على سبيل ضرب المثال , فالمتفضل هو الله وليس لنا من أمرنا شيء .