شعر وشعراءمقالات
أ. د. لطفي منصور شَيْئٌ مِنْ أَخْبارِ الْأَحْوَصِ وَشِعْرِهِ:
في مُطالَعاتِي في كُتُبِ النَّحْوُيِّينَ مَرَرْتُ بِبَعْضِ شِعْرِ الْأَحْوَصِ الَّذِي اتُّخِذَ شَواهِدَ نَحْوِيَّةً. وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصارِيُّ شاعِرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ غَزِلٌ هَجّاءٌ مِنْ طَبَقَةِ جَمِيل بُثَيْنَةَ. وَأَدْرَكَ جَرِيرًا وَالْفَرَزْدَقَ. لُقِّبَ بِالْأَحْوَصِ لِضيقٍ في مُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ.
عَشِقَ الْأَحْوَصُ فَتاةً مِنَ الْمَدِينَةِ تُدْعَى عاتِكَةَ، فَشَبَّبَ بِها، وَمِمّا قالَهُ فيها:مِنّ الْكامِل
– يا بَيْتَ عاتِكَةَ الَّذِي أَتَعَزَّلُ
حَذَرَ الْعِدَى وَبِهِ الْفُؤادُ مُوَكَّلُ
– إنِّي لَأَمْنَحُكَ الصُّدُودَ وَإنَّنِي
قَسَمًا إلَيْكَ مَعَ الصُّدُودِ لَأَمْيَلُ
وَكانَ الْأَحْوَصُ كُلَّما مَرَّ عَلَى بَيْتِ عاتِكَةَ يُنْشِدُ الْبَيْتَيْنِ
فَشَكاهُ والِدُها إلى أَمِيرِ الْمَدِينَة عَبْدِ الْعَزِيزِ بنِ مَرْوانَ،
فَاسْتَدْعاهُ الْوالي وَسَأَلَهُ لِماذا تُنْشِدُ الْبَيْتَيْنِ . فَقالَ: أَيُّها الْأَمِيرُ شِعْرٌ يَخْطُرُ لِي.
قَالَ الْأَمِيرُ: أَلا يَأْتِيكَ الْخاطِرُ إلّا عِنْدَ بَيْتِ عاتِكَةَ؟ فَأَقامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ.
وَكانَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ عِنْدَما يَمُرُّ عَلَى نارِ الْمَجُوسِ يَتَمَثَّلُ بِذَلِكُمُ الْبَيْتَيْنِ ، فَاتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ فَقَتَلَهُ الْمَنْصُور، وَهُناكَ رِواياتٌ أُخْرَى لِقَتْلِهِ.
وَعَشِقَ الْأََحْوَصُ امْرَأَةً أُخْرَى في البَصْرَةِ اسْمُها سَلْمَى، فَرَفَضَ أَبُوها تَزْويجَها مِنْهُ، وَتَزَوَّجَتْ عَلَى كُرْهٍ مِنْها رَجُلًا دَميمًا آخَرَ يُدْعَى مَطَرًا كانَ ذا مالٍ، فَقالَ الْأَحْوَصُ يَهْجُوهُ وَيَتَوَعَّدُهُ: مِنَ الْوافِرِ
– سَلامُ اللَّهِ يا مَطَرٌ عَلَيْها
وَلَيْسَ عَلَيْكَ يا مَطَرُ السَّلامُ
– كَأَنَّ الْمالِكِينَ نِكاحَ سَلْمَى
غَداةَ نِكاحِها مَطَرًا، نِيامُ
(نِيامُ: خَبَرُ كَأَنَّ. المَعْنَى هَلْ كانُوا نِيامًا عِنْدَما زَوَّجُوها دَميمًا؟)
– فَلَوْ لَمْ يُنْكِحُوا إلَّا كَفِيئًا
لَكانَ كَفيئَها الْمَلِكُ الْهُمامُ
(هَذا الزَّوجُ لَيْسَ كُفْئًا لَها، لِأَنَّ أَكْفاءَها الْمُلُوكُ)
– فَإنْ يَكُنِ النِّكاحُ أَحَلَّ شَيْئًا
فَإنَّ نِكاحَها مَطَرًا حَرَامْ
– فَطَلِّقْها فَلَسْتَ لَها بِكُفْءٍ
وَإلَّا يَعْلُ مَفْرِقَكَ الْحُسامُ
الْبَيْتُ الْأَوَّلُ مِنْ شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ، وَعَلَّلَ تَنْوَينَ الرَّفْعِ في الْعَلَمِ الْمُفْرَدِ “يا مَطَرٌ” ضَرورَةٌ شِعْرِيَّةٌ، وَكانَ حَقُّهُ الْبِناءَ عَلَى الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصْبِ لِأَنَّهُ مُنادى عَلَمٌ مُفٍْرَدٌ .
وَقَدْ عارَضَهُ آخَرُونَ وقالُوا إنَّ الرِّوايَةَ “يا مَطَرًا” تَعْنِي مَطَرَ السَّماءِ ولَيْسَ الْعَلَمَ، فَمَطَرٌ هُنا نَكِرَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مَنْصوبَةٍ.
وَفي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ شاهِدٌ عَلَى حَذْفِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ. فَالتَّقْدِيرُ
فَطَلِّقْها فَلَسْتَ لَها بِكُفْءٍ (وَإنْ لَمْ تُطَلِّقْها) يَعْلُ ..الخ.
———
مصدرٌ مُساعِدْ:
خِزانَةُ الْأَدَبِ لِعَبْدِ الْقادِرِ الْبَغْدادي ٢: ١٥٠- ١٥١.