خواطر
لبنان.. الكاتبة والشاعرة القديرة جورجينا عبود ….
لبنان.. الكاتبة والشاعرة القديرة جورجينا عبود ….
أين الربيع ؟
تأخر أمير الفصول والطبيعة في قلق وجنون.
تبرجت الكائنات ،وتعطرت الأزهار منتظرة عودة الفارس الأنيق.
الشمس تتراقص يمينا ويسارا وتتساءل أين هو؟ لم تأخر؟
رنت السماء إلى الأرض حائرة ؛ وأرسلت الغيوم رسلها بحثا عنه في كل مكان ، وما من خبر !
تسمرت العصافير على الأفنان ، ولم تنبث ببنت شفة.أما الحيوانات فقد ألصقت آذانها بالأرض ،علها تسمع وقع سنابك جواده.وطال الانتظار….
حل المساء ،وصدى صلوات الروابي، ودعاء الخمائل يملأ المكان.وفجأة !تبرقعت السماء، وأتت جماعة من الغربان تختال بأثوابها السوداء وتقول: ” لقد اختطفنا الربيع ؛ ولن نعيده اليكم.ورياح الغدر والحقد تحرسه .”
فصرخت الأرض:” هذا ربيعنا! لم اختطفتموه ؟ لقد انتظرناه طويلا ،وتحملنا كآبة الخريف و قساوة الشتاء،وها نحن ننتظره على أحر من الجمر،أعيدوه لنا ،أعيدوه !”
” أعيدوه لنا الحياة ! “
رحلت الغربان، واكفهر وجه الأفق ورزحت الطبيعة تحت أثقال الحزن والقهر .
وبين يقظة وهجعة، أطل الفجر متوكئا على التلال وأمائر القلق والحزن ترتسم على وجوه الكائنات ،وقد لف الطبيعة صمت رهيب.
عانق الندى الأزهار الكئيبة وربت على بتلاتها قائلا:” لا تخافي ! تأخر ربيعنا لكنه سيعود..
دعا النسيم إلى اجتماع طارئ لوضع خطة لإنقاذ الربيع وطلب أن يقدم كل ذي رأي رأيه.
تنهدت السواقي ودموعها تتدحرج على وجنتيها وقالت:” كيف لنا أن ننقذ نديمنا؛ ورياح الغدر والحقد تحرسه؟! “
” كيف السبيل الى ذلك ؟”
فقالت الأشجار:” حبذا لو تمسك الزهرة بيد الاقحوانة والفراشة بيد النحلة وليحتضن الجبل الروابي ،ونتكاتف جميعاً لنهزم الشر بالخير ،والحقد والمحبة.”
فصرخت السواقي: ” أجل ، أجل، إن السواقي الصغيرة تصنع الجداول الكبيرة ،واتحادنا يصنع المعجزات.”
فهتف النسيم:” أنت على حق ،فلنتحد؛ لنعيد ربيعنا المسلوب.وعليك أيها الجبل أن تعلمنا الصمود والعزة وأنت أيتها الأشجار، حافظي على ثبات تربتنا كي لا ينزلق اندفاعنا واتحادنا.”
أثنى الجبل على كلام النسيم وأكد أنه بالتعاون والمحبة والإرادة الصلبة تستطيع الكائنات أن تمتطي العاصفة جوادا وتمتشق البرق حساما.
وما إن أطلت ابنة الصباح ،حتى تجمعت الكائنات ، وحيت كل منها الأخرى بتحية قبيلتها بوجوه مرتفعة وعيون شاخصة إلى الانتصار..
ومنذ اللحظة ،تجمعت الطيور ورسمت أسرابها قلوبا في السماء وانطلقت لإنقاذ الربيع ترافقها نسائم الحب ومواكب الفراشات والنحل وتمكنت من استعادة ربيعها بهمتها ، وبصلوات سهولها ودعاء وديانها وحكمة جبالها.
وأنتم أيها اللبنانيون متى ستشرق شمس المحبة في نفوسكم ،وتزاح هذه الصخرة الغبراء عن صدوركم ؟!
متى ستتكاتفون ليتغلب الحق على الباطل؟!
كفانا ظلما وقهرا! كفانا اعتزازا بما صنعه أجدادنا!
متى ستتحدون؟ لنترك بصمة بيضاء في تاريخ الوطن ونعيد لبناننا درة الشرق ؟!!!
جورجينا عبود