خواطر

الصمت سرّ النجاح بقلم أ.د. عبد الحفيظ الندوي

النجاح في الحياة مطلبٌ إنسانيّ تتشوّف إليه النفوس وتطمح إليه القلوب، غير أنّه ليس طريقًا معبّدًا بالثرثرة ولا مسلكًا مفروشًا بكثرة الادعاءات، بل هو ثمرة الانضباط وضبط النفس، والسيطرة على الحواس، وفي مقدّمتها السمع واللسان. فهما منفذان عظيمان إمّا أن يقودا المرء إلى الفلاح والرقي، وإمّا أن يجرّاه إلى الفشل والخسران.

أولًا: صون السمع

لقد أرشد الإسلام إلى تنقية السمع ممّا لا ينفع، بل نهى عن الإصغاء إلى الباطل واللغو. قال الله تعالى:
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾ [النساء: 140].
فإغلاق الأذن عن كلّ ما يشوّش الصفاء الذهني ويُثقل الروح من غيبة ونميمة وشبهات هو من أعظم وسائل النجاح. ومن حكم السلف: من أطلق سمعه لكلّ قائل، ضاع قلبه بين الحق والباطل.

ثانيًا: ضبط اللسان

الكلمة سهم نافذ، إمّا أن تُصيب به خيرًا أو تُوقِع به شرًّا. لذلك جاء التوجيه النبوي الحكيم:
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (رواه البخاري ومسلم).
إنّ ضبط اللسان باب عظيم من أبواب الفلاح؛ فبكلمة قد يُبنى بيت، وبكلمة قد تُهدم أمة. وقد قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا تمّ العقل نقص الكلام. وجعل لقمان الحكيم الصمت أثمن من الكلام فقال: يا بنيّ، إن كنتَ زعمتَ أنّ الكلام من فضة، فإنّ الصمت من ذهب.

ثالثًا: الصمت قوّة لا ضعف

يُخطئ من يظنّ أنّ الصمت علامة عجز، فإنّه في كثير من الأحيان مظهر من مظاهر القوة والسيطرة على النفس. قال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا أراد الكلام فليُفكّر، فإن ظهر أنّ فيه مصلحة تكلّم، وإن شكّ أمسك حتى يتبيّن. فالعاقل من يزن كلماته بميزان الحكمة، ويجعل الصمت درعًا يقيه من الزلل.

رابعًا: البعد الفلسفي والإسلامي للصمت

لقد أدرك الحكماء والفلاسفة عبر العصور قيمة الصمت، حتى قال أرسطو: الصمت زينة للعاقل وستْر للجاهل. وهذا المعنى يلتقي مع ما جاء في الهدي الإسلامي من الدعوة إلى الصمت إلّا فيما ينفع. فالمسلم الناجح لا يجعل سمعه مزبلة لأقاويل الناس، ولا يترك لسانه مطيّة للغضب والفضول، بل يختار كلماته كما يختار الجواهر الثمينة.

إنّ سرّ النجاح أن يعرف المرء متى يسمع ومتى يصمت، وأن يوجّه طاقاته لما يرفعه في الدنيا والآخرة. قال رسول الله ﷺ:
«وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم – أو على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟» (رواه الترمذي).
فالصمت عبادة وحكمة، وهو قوّة تُظهر شخصية الإنسان وتزيد من هيبته، وهو باب من أبواب التوفيق والفلاح. ومن ملك سمعه ولسانه، ملك زمام نفسه، ومن ملك نفسه فقد بلغ أرقى مراتب النجاح.

إغلاق