عاشت المجتمعات العربية في الماضي السحيق بعيدا عن مراكز السلطة المركزية , وقسم منهم عاش في الصحراء دون قوانين وضعيه تضبط او تقيد تصرفاتهم , ووضعوا لأنفسهم قواعد سلوكية واستنبطوا منها قوانين تلائم ظروف معيشتهم مثل العادات والتقاليد والمعايير الاجتماعية الصارمة , وأقاموا قضاء عشائري يرتكز على قضاة من رؤساء القبائل وبطونها الذين عرفوا العادات والتقاليد وحكموا وعاقبوا كل انسان اقترف جريمة تتنافى مع هذه العادات والتقاليد والمعايير الاجتماعية , بغرامات مالية استبدلوها بالمواشي من جمال وشاه , وفي جرائم القتل او انتهاك العرض في الغالب يكون الحكم بالاضافة لما ذكر أعلاه الجلاء والإبعاد من المنطقة التي حدثت بها الجريمة عقابا للمجرم , والمتهم الذي يمثل امام القاضي العشائري يأت مع محام لم يتعلم بكلية الحقوق انما هو رجل يجيد التكلم ويعرف العادات والتقاليد , وكذلك يأت مع كفلاء لضمان تنفيذ قرار القاضي العشائري , ومن ضمن قرارات القاضي العشائري بعد اصدار الحكم على المتهم هو إجراء الصلح بين المتخاصمين والمملحة أي تقديم الطعام وشرب القهوة بشكل متبادل عند الطرفين لما للممالحة من أهمية عند العرب التي تعني عدم الخيانه , كدليل على إنهاء الخصام وعودة العلاقات طبيعية كما كانت قبل وقوع الجريمة .
هذه العادات والتقاليد لا زالت سارية المفعول الى يومنا هذا في مجتمعاتنا العربية من المحيط الى الخليج بتفاوت هنا وهناك , ولنأخذ على سبيل المثال مجتمعنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزه , فالقضاء العشائري هو المعمول به في كثير من القضايا وهو رادع لارتكاب الجرائم ولا زالت العادات والتقاليد والتعاليم الدينية تعطي للاب وكبير الحمولة مكانة مميزة واحترام , وكلامهم مسموع ومطاع , وفائدة القضاء العشائري أنه ينهي الخلاف بين المتخاصمين أسرع بكثير من الإجراءات المتبعة في المحاكم المدنية , وكذلك في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل , فقد عينت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الماضي لجنة الصلح قطريه للبت في الصراعات والجرائم التي تحدث في مجتمعنا العربي في البلاد حسب العادات والتقاليد المتبعة والموروثة من جيل الى جيل .وحسب المبنى القبلي والطائفي لمجتمعاتنا العربية على ما يبدو سيكون ساري المفعول والمعمول به لفترة طويلة من الزمن .
الدكتور صالح نجيدات