نشاطات

«ظلم» الطلاق في غزة: فتيات عشرينيات يحرمن من أمومتهن

غزة – نور السويركي : بدت ملامح الصدمة مرسومة بدقة على وجه تلك الشابة العشرينية، بعد أن عادت للتو من أول جلسة في قضية ضم، رفعتها والدة طليقها للحصول على حضانة حفيديها. قالت بصوت مرتعد: «طفلي الثاني ولد خلال فترة الخلاف بيني وبين زوجي، حينها كنت في بيت أهلي، ولم يفكر حتى بطلب رؤيته، يبلغ الآن خمس سنوات والأكبر يبلغ ست سنوات، لا يعرفان شكل والدهم، واليوم تدعي جدتهم أني أعاني من مرض نفسي يمنعني من رعايتهم».
وتتابع بحسرة أنه على الرغم من أن الطب النفسي نفى هذا الادعاء، إلا أن قلبي يخفق كلما فكرت أنه سيحين يومٌ قريب، و سيذهبان فيه إلى بيت والدهما، رغم كل تضحياتي، فقد منعت نفسي عن الزواج والتحقت بالجامعة لإكمال تعليمي لاحتفظ بحضانتهما».
في قطاع غزة بلغ عدد حالات الطلاق للعام 2015 (3281) بنسبة طلاق إلى زواج تُقدر بـ 15.8%، الأمهات منهن سيناضلن للحصول على ابنائهن بموجب قانون حقوق العائلة الصادر عن الإدارة المصرية الأمر رقم 303 الصادر في 15/7/1954، وهو يستند إلى مجموعة الأحكام التي تضمنها قانون الاحوال الشخصية العثماني.
هذا القانون يسقط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت بغير قريب، أو كانت مريضة مرضاً معدياً، أو مجنونة أومعتوهة، أو عاجزة عن رعاية الطفل والحفاظ عليه، فيما يحدد عمر الحضانة بسبع سنوات للذكور قابلة للتمديد إلى تسع سنوات بسلطة القاضي، وتسع سنوات للإناث قابلة للتمديد إلى إحدى عشرة سنة بسلطة القاضي.
أما هذه السيدة في بداية عقدها الثالث والتي روت محاميتها قصتها، طُلقت ومنعها أهلها من حضانة ومشاهدة ابنائها الثلاثة، فما كان منها إلا أن لجأت لرؤية ابنتها في الصف الأول الابتدائي داخل المدرسة، حيث تعاونت معها مديرة المدرسة لتراها بشكل سريّ وخاطف، ومع تعدد الزيارات أصبحت المعلمات يشتكين من سوء تحصيلها الدراسي.
سؤال السيدة لابنتها عن سبب إهمالها للدراسة فتح عليها باباً من جهنم. تخبرها بما تتعرض له من تعذيب وإهمال هي واخوتها، حيث كانت زوجة أبيهم تحرقهم باستخدام الشموع في مؤخراتهم وأفخاذهم، خاصة أصغرهم الذي لم يتجاوز ثلاث سنوات، فقد فشلت هذه الطفلة في تعليمه كيفية استخدام الحمام، وكلما قضى حاجته في ملابسه كانوا يتعرضون للحرق جميعاً.
في ذلك اليوم اصطحبت الأم طفلتها إلى مقر الشرطة لتبلغ عن هذه الجريمة. الشرطة أبلغتها أن كلام الأطفال لا يمكن أن يكون شهادة ذات ثقة. عندما حضر الأب قال مجاهراً: «حتى وإن أصابهم أكثر من ذلك، أنا مسؤول عنهم ولا أحد يستطيع التدخل حتى وإن كان القانون!».
أمومة تلك السيدة غالبت كرامتها فأرسلت لطليقها لجنة إصلاح ليطلبوا منه إعادتها إلى ذمته، لتتمكن من رعاية أبنائها، لكنه اشترط كي يعيدها أن تعيش مع ضرتها في البيت ذاته ، كخادمة لأطفالها وألا تطلب منه حقوقها الزوجية، وبحسب محاميتها فإنها اختفت وأغلقت هاتفها المحمول منذ ذلك اليوم.
لم تكن المدرسة ملجأ تلك السيدة وحدها، بل أن مطلقة أخرى حرمها أهلها من حضانة أبنها بداعي أنهم لا يربون ابن رجل غريب، لجأت إلى حقها في المشاهدة لمدة ساعتين أسبوعياً كما حددها القانون، وعندما بدأت بمشاهدة طفلها الذي كان يحضر برفقة والده امتعض أهلها من لقائها بطليقها، فحرموها ذلك الحق أيضاً، استعانت بمديرة المدرسة التي سمحت لها بزيارته، ولكن بعد ثلاث زيارات رفض الطفل ذو التسع سنوات لقاء أمه معللاً ذلك باستهزاء زملائه منه، الأم المفطور قلبها أكدت أن سعادته أثناء لقائها تنفي ذلك، وأن والده ربما هدده بالعقاب ليجبره على الامتناع عن رؤيتها.
أوضاع المطلقات الحاضنات ازدادت مأساوية في ظل الانقسام الفلسطيني، فنتيجة الخلافات السياسية وانقسام الجهاز القضائي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بقوة السلاح عام 2007م، فقد تم إلغاء العمل بالتعميم القاضي برفع سن الحضانة للجنسين إلى 15عاماً، في قطاع غزة، بينما يُعمل به حالياً في الضفة الغربية.
المحامية هديل أبو سعد في جمعية «عايشة» لحماية الأم والطفل، أبدت امتعاضها من تعامل القانون الفلسطيني مع قضية الحضانة، وأن هذا الأمر يضطر سيدات كثيرات لتحمل أوضاع مأساوية يعشن فيها مع أزواجهن، وقالت: « قانون الحضانة مجحف يحتاج إلي تعديل، ولكن تعديله مستحيل في ظل هذا الانقسام وتعطيل عمل المجلس التشريعي، فمثلاً سن الحضانة للبنت في حال التمديد ينتهي في عمر 11 عاماً وهو العمر الذي تبدأ فيه تغيراتها الجسمانية والفيزيولوجية، وتكون فيه في قمة احتياجها لأمها».
وبخيبة أمل أضافت: «في آخر تطور قانوني صدر عن مجلس القضاء الأعلى في قطاع غزة، فقد صدر التعميم رقم 4 /2016، القاضي بإسقاط الاستضافة للأم غير الحاضنة والتي تبلغ مدتها 24 ساعة كل أسبوعين، إذا كانت الأم تزوجت، وفي هذا حرمان للأم من حقها في الزواج وحقها في الاستضافة».

مقالات ذات صلة

إغلاق