مقالات

هدَّهُ التعب .. رياض الصالح

يتململ على نفس الفراش دائماً .. بعينين شبه مغمضتين .. إما أن يغالب النوم جبراً .. أو يكابد التيقظ قهراً .. تخاطبه نفسه عبر حلم رشيق .. فإذا بجسد مثقل متربع كالجبال لا يتزحزح .. فتباً له من جسد .. أصبح لا يحتمل تلك الروح المفعمة بالحياة ..
ماذا سيفعل ركاب سفينة تحطمت .. سوى اللجوء لقارب صغير هاوٍ .. أو السباحة بيدين عاريتين في بحرٍ هائج .. ذلك خير لهم من التعلق في جبل عائم متهتك يوشك على الغرق .. فمن ذلك الذي يهوى التعلق بالحطام ..
و ماذا ستفعل بعض الأحلام السخيفة .. مع هذا الركام الهائل المنهك .. كالورد يوضع على شواهد القبور .. فلا يكون مآله إلا الذبول .. أمام قسوة الرضوخ للبقاء تحت التراب .. ليلقى لاحقاً في قمامة الأيام .. أو يكون غنيمة في أيدي السارقين ..
عبثاً تحاول .. لم يعد لهذا الممدد رغبة في شيء .. فقد رمى بشغفه منذ بدأت العاصفة .. كان يأمل أن يخفف الأحمال .. سعياً للنجاة .. فإذا به بعد التخلي عنه .. أول الغارقين في التعب ..
تعب .. تعب .. تعب .. ثقيلة جداً تلك الكلمة .. عندما تحاول الروحِ اختبار حماستها .. باردة جداً .. و هي تنظر لخيالاتٍ مليئةٍ بالحراك .. ذابلةٌ جداً كلما لاحت لها ذكرياتٌ نضرة .. جاهلة جداً .. عندما تتيقن أنه ليس للعقل فائدة .. إذا كانت الأضلاع مضربة عن الحركة .. و تحتضن قلباً مترنحاً .. يتسلى بضخ دماءٍ متجمدة ..
جهلٌ لا يهلك إلا أصحابه .. و سذاجة طفولية تتحكّم بتعجّلها في مِقوَدِ القراراتِ المصيريّة .. فتحثُّ على تقديم ما وجب تأخيره .. و تأخير ما وجب تقديمه .. و تسحَرُ بالأمنيات الضاحكة .. و تشحَنُ الهمم .. و لكن ليس في محِلِّها .. فيساقون بالأوهام نحو الهاوية .. و هم لا يدركون أن بعض القرارات قاتلة للحماسة .. لا ينفع فيها التعديل أو التحايل .. و لا يجدي بعدها التمثيل أو التظاهر .. لم يجربوا قبل ذلك معنى انكسار الروح .. و سحق الشغف .. فكيف للكسور أن تشفى في جسد شغفٍ ميّت ..
ليته يعود صغيراً ساذجاً تستهويه نغمات أحلامه الغبية .. و تغريه للقفز من سريره لتحضنه أرضية الحياة الواسعة .. ثم يتراقص فرحًا بيومه الحافل بالرغبات .. فيطيل طقوس استعداداته المميزة .. و التي تتناسب مع طموحه اللامتناهي .. ليستعرض أمام المرآة ابتسامته التي تليق بثيابه المتفتحة .. و جسده المتعطر .. و وجهه المفعم بالحيوية .. ليتنا نولد كباراً ثم نصغر .. بدلاً من امتلاكنا لما نحتاجه من خبرات و قدرات و حكمة .. في عمرٍ لا يخدمنا فيه الجسد المهترئ .. و لا الروح المنهكة .. ليتنا نمتلك القدرة لصناعة أرواحنا و تشكيلها كما نصنع الخزف .. ليتنا نتعلم كيف نتحكم بسرعة عجلة الفخار .. ليتنا نمتلك تلك اللمسة الفنية .. و الموهبة الإبداعية .. و معرفة المقادير اللازمة لدمج ماء الروح مع طين الجسد .. ليتنا .. و ليتنا .. و ليتنا ..تباً لنا مرة أخرى .. فلا زلنا نلوك الأمنيات ..
تهزه روحه بعنف شديد .. فقد فقدت رشدها منذ أن استهواها جنونها .. تريد أن تساعد بما تستطيع و مالا تستطيع .. لكنها .. لا تعرف كيف .. تطالبه بسرد المطالب .. و صياغة الكيف اللازمة .. تدفعه للجنون مثلها .. فلا يفتح باب الحقيقة إلا الجنون .. جنونٌ لا يعرف المخاوف .. و لا يلتزم بالقواعد .. و لا يمتلك الحدود ..
ما زال صاحبنا يتململ في فراشه الدافيء .. لقد رافق الغطاء .. تحت زخات الشتاء .. فما الداعي لحمل النفس على مقاومة شتاءات لا يزحزحها بكاء .. و لا يغيرها عناء .. و لا يحرك تعاطفها تبعثر الأوراق تحت دكِّ العواصف .. سوف تمضي لوحدها .. عندما يحين وقت الانكفاء .. فلا تحاولي معه .. فقد هدَّه التعب ..

# بقلم
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق