مقالات

” القدس مركز لمد الجسور وترسيخ الهوية العربية”

أ.د. حنا عيسى – أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات

الثقافة هي كلمة عريقة في العربية، تعني صقلالنفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس: وثقفنفسه، أي صار حاذقاً خفيفاً فطناً، ولطالمااستعملت الثقافة في عصرنا الحديث هذا للدلالةعلى الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفرادوالجماعات. فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكارفحسب، ولكنها نظرية في السلوك مما يساعد علىرسم طريق الحياة إجمالاً، وبما يتمثل فيه الطابعالعام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهيالوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عنغيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيمواللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانينوالتجارب. والثقافة هي مجموع العقائد والقيموالقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع. ذلكأن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع،تحدد لأفراده تصوراتهم عن أنفسهم والعالم منحولهم وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبونفيه ويرغبون عنه.

*فوائد الثقافة:

1- تكسب أفراد المجتمع شعور الوحدة وتهيئ لهمسبل العيش والعمل دون إعاقة واضطراب.

2- تمد الأفراد بمجموعة من الأنماط السلوكية فيمايتعلق بإشباع حاجاتهم البيولوجية من مأكلومشرب وملبس ليحافظوا على بقائهم واستمرارهم.

3- تمدهم بمجموعة القوانين والأنظمة التي تتيحلهم سبل التعاون والتكيف مع المواقف الحياتيةوتيسر سبل التفاعل الاجتماعي بدون أن يحدثهناك نوع من الصراع أو الاضطراب.

4- تجعل الفرد يقدر الدور التربوي الذي قامتوتقوم به ثقافته حق التقدير خاصة إذا اختبر ثقافةأخرى غير ثقافته من عادات وتقاليد تطغى علىوجوده.

5- تقدم للفرد مجموعة من المشكلات التي أوجدتلها الحلول المناسبة وبذلك توفر عليه الجهدوالوقت بالبحث عن حلول تلك المشكلات.

6- تقدم للفرد تفسيرات تقليدية مألوفة بالنسبةلثقافته يستطيع أن يحدد شكل سلوكه على ضوئهافهي توفر له المعاني والمعايير التي بها يميزون بينالأشياء والأحداث صحيحة كانت أم خاطئة عادية أوشاذة وهي أيضا تنمي لدى الفرد شعورا بالانتماءأو الولاء فتربطه بمجتمعه رابطه الشعور الواحد.

*الثقافة هوية شعب

يعتبر شعبنا الفلسطيني من أكثر الشعوب ثقافةوطنية، لأننا بثقافتنا الوطنية وبمعرفتنا الكاملةبموروثنا الثقافي نستطيع محاكاة الجميع،فالاحتلال الإسرائيلي سرق جزء كبير من موروثناالثقافي وعمل على تهويدها وتغيير أسماء الأماكنالمقدسة حتى يجد له مكاناً على هذه الأرض ويثبتللعالم أن هذه الأرض ملك أجداده منذ ألاف السنين،خاصة وأنه يمتلك وسائل إعلامية تعمل على تزويرالحقائق، فنحن لا نخشى من اندثار تراثنا الوطنيبقدر ما نخشى سرقته من قبل الاحتلالالإسرائيلي.

وتعتبر الثقافة الوطنية الفلسطينية جزء لا يتجزأمن هوية الشعب الفلسطيني على مر التاريخوالعصور، مما لابد من الإشارة إليه أن بدء ظهورالمجلات والملاحق الثقافية في فلسطين يعود إلىعام 1905، حيث الاهتمام بنشر كتابات المثقفينالفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي الشتات،إضافة إلى ما ينتجه الكثير من المثقفين وكبارالكتاب والشعراء والأدباء العرب المناصرين للقضيةالفلسطينية.

وقد شكلت الديانات السماوية التي ظهرت أوانتشرت منذ بداياتها على أرض فلسطين وكذلكالمساهمات الحضارية للشعب الفلسطيني فيالتجارة عبر البحار والزراعة المتطورة عناصر هامةفي نشر الثقافة الفلسطينية والعربية والإسلاميةوالمسيحية، وكذلك في امتزاجها بثقافات مختلفالشعوب في العالم. حيث كانت فلسطين محطأنظار المؤمنين من المسيحيين من شعوب العالم قبلألفي عام والقبلة الأولى للمسلمين قبل ألفوأربعمائة عام ونيف. وصارت فلسطين غذاء الروحوالعقل والفكر لأعداد هائلة من الكتاب والشعراءوالمفكرين والعلماء، وحطت الرحال بأعداد كبيرةمنهم في مدن فلسطين وقراها، في وديانها وقممجبالها وسهولها وشواطئها. وعلى مر العصورعانت فلسطين من الغزو والاحتلال والحروب،والتقت على أرضها في يوم واحد جيوش دولغريبة عن بعضها البعض، جمعتها أطماع وأحلام وطموحات، وتفرقت مهزومة امام صمود الشعبالفلسطيني والمؤمنين من حوله بعروبة فلسطين. حيث حدث هذا في التاريخ مراراً وتكررت الهزائموتكرر الفوز وبقيت فلسطين أرضاً ومهداً للدياناتوالحضارات والتقدم ومنهلا للفكر والعقيدة وقلباًمفتوحاً للتآخي والتسامح والسلام.

وكانت فلسطين بأرضها وشعبها ودياناتها وثقافتهاملهماً ومنهلا لكبار الكتاب والشعراء والرحالة،ومنهم الروس الذين وصل إليها منهم كثير، كتبوافيها قصائدهم الخالدة ومذكراتهم الشيقة المثيرةوكتب عنها غيرهم كثر ممن حلموا بها ولم تسعفهمالحياة بزيارتها. (بوشكين، ليرمونتوف، تولستويوراسبوتينالخ) وكتاب وأدباء من مختلف بلدانأوروبا ومن أسيا وأفريقيا. وفي ظل الثقافةالفلسطينية وفي حضنها نشأ أروع وأصدقالشعراء والكتاب من أبنائهامحمود درويشوسميح القاسم وإميل حبيبي وعبد الرحيم محمودوتوفيق زياد وغسان كنفاني وإبراهيم طوقانوغيرهم الكثير الكثير.. ومن المفكرين ايضا الكثيرالكثير وليس ادوارد سعيد اولهم او اخرهم..   وترجمت أعمالهم الشعرية والنثرية إلى العديد منلغات العالم فأغنوا بها ثقافات تلك الشعوب وعمقوا بها لغة الحوار والسلام.

*القدس مركز حضاري وثقافي وفكري:

عند الحديث عن الثقافة، تتربع القدس كمركز حضاري ثقافي، تضرب مثلاً عن اهمية الثقافة ودورها في تطوير ونمو الفكر الانساني، وكيف كانت ولا زالت مطمعاً للشعوب والثقافات المختلفة على مر العصور، لما تتمتع به من تاريخ وعناصر قوة.

ويمتد تاريخ البلدة القديمة في قلب مدينة القدسالمحتلة إلى آلاف السنين وفيها المسجد الأقصىوكنيسة القيامة، وهي تتعرض منذ احتلالها من قبلالإسرائيليين عام 1967 لحملات تهويد متعاقبةتأخذ أشكالا مختلفة وتستهدف كل معالمها بما فيهاالمقدسات.

وتبلغ مساحة البلدة القديمة نحو 900 دونم (الدونمألف متر)، أي ما نسبته 0.71% من المساحة الكليةللمدينة بشقيها الغربي المحتل عام 1948، والشرقيالمحتل عام 1967. وفي حال إتمام إسرائيل خطتهاالقاضية بتوسيع حدود القدس لتصبح 600 كيلومتر مربع، ستتقلص مساحة البلدة إلى أقل من0.15% من المساحة الكلية.

ويحيط بالبلدة القديمة سور ضخم بناه السلطانالعثماني سليمان القانونيالذي حكم المدينة مابين 1520 و1566 ميلاديةعلى أنقاض السورالروماني القديم. ويبلغ طول السور 3662 مترا، فيحين يتراوح ارتفاعه بين 11.6 و12.2 مترا. وعلىالسور 34 برجاً للمراقبة والدفاع عن المدينة، وبهأحد عشر باباً، سبعة منها مفتوحة وهي: بابالأسباط، وباب العامود، وباب الساهرة، والبابالجديد، وباب الخليل، وباب المغاربة، وباب النبيداود. وأربعة مغلقة.

وتضم البلدة القديمة مقدسات إسلامية ومسيحيةأبزرها المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامةوحائط البراق، وعددا من الحارات والأزقة والأسواقالمقدسية.

أدرجت اليونسكو عام 1981 القدس القديمةوأسوارها على قائمة التراث العالمي بناء على طلبالمملكة الأردنية الهاشمية، ثم أُدرجت عام 1982 علىقائمة التراث المهدد نظرا للتهديدات الجدية التيكانت قائمة على مستوى صون الموقع والوضعالسياسي. وعقدت اليونسكو عدة اجتماعات،وصدرت مجموعة قرارات أممية تندد بتهويد القدسوتطالب إسرائيل بعدم تغيير معالمها. لكن التهويدتواصل وبلغ أشده في العشرية الأولى من الألفيةالثالثة باحتلال منازل المقدسيين وبإقامة عشراتالبؤر الاستيطانية فيها.

وشكل الاستيطان في البلدة القديمة الركيزةالإسرائيلية للضغط على العرب، وبدأت مصادرةالأراضي والممتلكات وإقامة البؤر الاستيطانية منذمجيء الاحتلال عام1967. وغيّر الاحتلال كثيرا منمعالم البلدة القديمة بما في ذلك أسماء شوارعها،وشمل التغيير بنيتها الاجتماعية والاقتصاديةوالسياسية، بالتوازي مع الحفريات وشبكاتالأنفاق أسفلها. ويفرض الاحتلال على السكانالفلسطينيين في البلدة القديمة ضرائب باهظةويمنعهم من البناء، كما تعاني البلدة من الركودالتجاري وارتفاع البطالة والازدحام في السكن.

وللقدس اسماء عدة تغيرت بتغير من سيطر عليها وحكمها منها: مدينة السلام، أوروسالم، يبوس، إيليا، بيت المقدس، بيت أيل، ايفن، مدينة الأنهار،مدينة الوديان، راشاليم، يور شالم، يور سلمايا،يهوستك، شهر شلايم، نور مستك، يبوس جلعاد،نور السلام، نور الغسق، يارة، كيلة، إريانة، أوفل،يبوس، ميلو، أنتوخيا، إيليا، بيت المقدس، القدس.

*مقومات الارتقاء لنصرة القدس:

تحتاج المدينة المقدسة أكثر من أي وقت مضى دعماًكاملاً لكافة مناحي الحياة فيها، ويعتبر الدعمالمالي للمقدسيين أهم نقطة في مساعدتهم علىالصمود في وجه ترسانة التهويد والتهجير. وذلكلما يعانيه المقدسي اليوم من تضييق من قبلسلطات الاحتلال، وفرض غرامات مالية باهظة عليهلإجباره على الرحيل من القدس، مما يؤدي الىتناقص أعداد المرابطين بالقدس والمدافعين عنالمسجد الأقصى المبارك.

ولا بد من توفير دعم قطاع الاسكان ، فيعتبر السكنمن أبرز معاناة المقدسيين في أرضهم ، في ظل ماتفرضه حكومة الاحتلال وبلديتها في المدينةالمقدسة من قوانين صارمة تمنع المقدسيين من ترميممنازلهم ، أو البناء على أراضيهم ، ناهيك عنمصادرة الأراضي وهدم المنازل ، حيث باتالمقدسيون يعيشون في بيوت قديمة مهترئة تفتقرلأدنى درجات الصحة ، فتراها شديدة البرودة فيالشتاء تغمر المياه رؤوس أصحابها جراء الشقوق ،وشديدة الحر في الصيف مليئة بالحشرات ، لذلك لابد من وقفة حازمة لإعانة المقدسيين على الصمودوالتحدي من خلال المنح السكنية وإعادة الترميم.

وبنظرة سريعة على قطاعات الصحة والتعليم: فانالقدس تعاني من نقص في المشافي والعياداتالصحية، إضافة الى نقص حاد في المدارسومستلزماتها حيث بات ألاف الطلاب دون مقاعددراسية، والعديد من المرضى يستجدون علاجاً، لذايعتبر توفير المعدات الطبية والمراكز الصحيةومستلزماتها، اضافة لدعم قطاع التعليم في المدينةمن اولويات نصرة المقدسيين.

ولا بد من اعداد خطة توعوية إعلامية لاطلاع الرأيينالعربي والدولي على ما يدور داخل مدينة القدسمن عمليات تهويد وتهجير للسكان وسرقة للتراثالإسلامي، وهذا الأمر يكون من خلال نشر الخرائطالتي تخص مدينة القدس من خرائط السكانوخرائط التراث وخرائط الحفريات وغيرها، وكذلكنشر مقاطع الفيديو والدراسات والتقارير التيتوثق ما يدور داخل القدس وتحت المسجد الأقصىالمبارك. ولا بد من حفظ خريطة القدس لحفظ أسماءالمناطق والأحياء العربية في القدس للحيلولة دونتهويدها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق