مكتبة الأدب العربي و العالمي

#حارس_المقبرة_والشبح_الأسود جزء ١

كان جابر يستعد للذهاب إلى عمله في المقبرة التي تقع في أطراف القرية ،هو رجل في الثلاثين من عمره ،ومنذ سنة عينته البلدية حارسا ،بعد أن كان هذا العمل شاغرا لمدة طويلة ، وكل من يأتون به يهرب بعد مدة قصيرة ، وما أن كاد يدخل في الصباح حتى نادته زوجته : هيا يا جابر فطورك فوق المائدة تعال بسرعة قبل ان يبرد
جلس جابر ،ورمى معطفه الثقيل و مصباحه اليدوي على كرسي ،في حين تمدد الكلب تحت قدميه ،وبدأ يأكل وهو يستمع للمذياع الصغير ،وقد إحمرت عيناه من قلة النوم خاطبته زوجته قائلة :إلى متى تبقى على هذا الحال يارجل ،تسهر بالليل في البرد والصقيع وتنام في النهار ألم تجد لك عمل أخر غير حارس المقبرة ؟
توقف جابر عن الاكل وإلتفت إلى زوجته وقال ساخرا : لا عليك بعد شهر من الان سأفتتح عيادتي الخاصة وأعالج فيها مرضى وتنتهى الازمة او ربما قريبا سأقوم بتدشين مصنعي الخاص
يكفي من هذا النقاش يا سعاد ،ثم ما به حارس المقبرة؟ اليست افضل من لا شيء على الاقل نحن نعيش مستورين،هل أعجبك حالنا لما كنت عاطلا عن العمل ولا نجد حتى قوت يومنا ؟ فردت عليه سعاد : الحمد لله، ولكنك تخرج كلّ ليلة من المنزل ولا تأتي إلا مع الصباح وتتركني وحدي مع اطفالنا الصغار ثم أن المصروف لا يكاد يكفي الى اخر الشهر ولولا مساعدة المحسنين لكانت حالتنا صعبة
أكمل جابر تناول إفطاره في صمت ثم قال :بحثت كثيرا ولم أجد غير هذا العمل ثم انّي أحاول أن أجد عملا إضافيا في النهار ، ولكن أنت تعرفين أحوال القرية بالكاد يستطيع المرء ان يعثر هنا على شغل !!! لم يعجب سعاد ماقاله زوجها فأجابته ممتعضة : منذ سنوات وأنت تكرر نفس الحكاية كل أصحابك الذين كانوا هنا سافرو إلى المدينة وعثروا على مهن أفضل سوى انت بقيت هنا تحرس الاموات ،هل قدّرت موقفي أمام أهلى وصديقاتي ؟
انتفض جابر في غضب وصاح : لا حول ولا قوة إلا بالله كم أتمنى أن آكل لقمة في هذا البيت بهدوء، ولكن تفسدين شهيتي،وتعكرين مزاجي ثم قلب شفتيه ،وقال : المرة القادمة سأخذ الإفطار معي إلى المقبرة و أتناوله هناك مع الأموات على الأقل لن أسمع منهم ما أكره .
خرج جابر إلى فناء المنزل فوجد كلبه قد سبقه،فأعطاه طعاما ليأكل ،ثم فك رباطه وساقه امامه دون هدى حتى وجد شجرة إستلقى تحتها ونام ،وحيناستيقظ وجد أن أكثر النهار قد مضى ،فرجع إلى الدار وأعد سندويتشا، وملأ الترمس بالشاي الساخن أما سعاد فرمقته بطرف عينها ولم تكلّمه ثم لبس معطفه وغطى رأسه بقبعة من الصوف ثم إتجه الى المقبرة التي تبعد مسافة كيلو متر عن القرية وكان الكلب يجري ثم يعود إليه كأنه متلهف للذهاب إلى هناك كان الوقت لا يزال مبكرا لكنه لم يعد يطيق سعاد ،فهي دائمة التذمر لا يعجبها شيئ ،ثم أن هذا العمل يعجبه ،فكل ليلة يسهر على صوت المذياع يتأمل السماء ويسرح بخياله في عام بعيد
وما انوصل إلى المقبرة حتى يتوجه مباشرة إلى غرفة صغيرة ثم أوقد النار وسخّن الشاي ، وبعدها أخرج مذياعه الصغير من جيب معطفه ووضعه بالقرب منه ،وبدأ يترشف فنجانه بهدوء ،نزل الليل بسرعة ،كان الصمت مطبقا على أرجاء المقبرة ولا يكاد يسمع اي صوت سوى نعيق البوم بين فينة والاخرى وعواء بعض الذئاب التي تحوم حول أرجاء المقبرة ،فقد اعتاد جابر على هذه الأصوات وأصبح الامر٢ بالنسبة معتادا
فطوال سنة مرت عليه لم يشاهد اي شيء غير طبيعي يحصل في المقبرة رغم ان الناس كانت تقول بأن من قبله قد هرب من هذا العمل بسبب حادثة غريبة وقعت له لكنه لا يهتم بهذه الحكايات
بقي الرجل يقلب بين محطات المذياع حتى يكسر الصمت المخيم في الأجواء كانت الساعة تشير لمنتصف الليل ،وجابر غارق في خياله وينظر للأفق العيد ،وفجأة نهض الكلب من مكانه، و بدأ ينبح وكأنه أحس بشيء غير طبيعي في الخارج
لم يبال جابر بذلك فقد كان يعتقد بأن الكلب قد أحس بحركة حيوان يحوم حول المقبرة لكن الكلب زاذ في النباح وكشر عن أنيابه ثم فجأة جرى ناحية الباب وخرج
إستغرب جابر من تصرفات الكلب ،فهو لم يتعود على ذلك ،ثم أين إختفى ؟أطل الرجل برأسه ونادى الكلب لكنه لم يجبه ، وفجأة سمع صوت أقدام ثقيلة تسير نحوه فأمسك عصاه ،وقلبه يدق بشدة فاذا بشبح بمعطف أسود طويل يدخل عليه، ويقف قدامه بقامته المديدة، فارتعب جابر من منظر ذلك الشبح الذي دخل عليه فجأة من دون سابق إنذار،وانزوى في ركن وهو مرعوب من منظره المخيف …

.ارتعب جابر من ذلك الشّبح الأسود الذي وقف أمام الباب فجأة من دون سابق إنذار، وبقي يتأمله وهو يرتعد من منظره، لكن ذلك الشبح دخل الغرفة دون إستئذان،و ألقى عليه التحية بصوت أجشّ : ولما لاحظ الشخص الواقف خوف جابر منه قال آسف إن أخفتك، ثم رفع القبّعة التّي تخفي وجهه ، فاذا هو شاب في بداية الثلاثينيات شاحب الوجه وشكله غريب، ثمّ تقدّم منه قليلا، و خاطبه قائلا : مابك يا سيّد جابر ألا ترد السلام ؟ صدم جابر لما سمعه يناديه بإسمه ايضا ،ويتحدث معه بثقة كاملة كأنه يعرفه منذ زمن فقال : وتعرف أسمي ايضا من تكون انت؟ وماذا تفعل في هذا الوقت المتأخر ؟إبتسم الشاب وجلس بالقرب منه وقال : الن تدعوني إلى كأس من الشاي ، فسهرتي معك طويلة وأريد ان احكي معك في موضوع مهم ،نظر إليه جابر بريبة ،لكنه كان مطمئنا فبما أنّه يعرف إسمه فلا شك أنّه من القرية ،أو من حولها ،لكن لا يتذكّر أنّه رآه .

أحضر جابر كأسا إضافيا ووضعه امام الشاب ثم صب له من إبريقه النحاسي وظل يتأمله في دهشة فقد كان يلبس ثيابا من موضة قديمة تحت المعطف لكنّها أنيقةوفي جيب السترة هناك ساعة ذهبية،وانتظر جابر ما سيقول ذلك الشخص الغريب، حمل الشاب كاس شاي بهدوء و أخذ منه رشفة عميقة ثم وضعه على الطاولة وقال : تعمدت أن أتي إليك في هذا الوقت حتى لا يرانا أحد فأنا اعرفك جيدا ،وأعرف الظروف التي تمر بها مع إمرأتك سعاد، وقد جئت إليك بمشروع سيخلصك من حالة الفقر التي تعيشها وبإمكان صغارك أن يدخلوا أحسن المدارس عوضا على جمع الخردوات التي تربح منها بضعة ملاليم
استغرب جابر من كلام الشاب، وابتلع ريقه وقال بصوت خافت : لم افهم بعد من أنت؟ هل أرسلتك البلدية ؟ضحك الشاب وردّ :وهل تعتقد أنهم سيهتمون بك ؟ أما أنا نعم ،والدليل أني أعرف أسرتك، وحتى جدّك إبراهيم ،إسمع ،سأدخل في صلب الموضوع ،عندي شغل لك ستأكل منه الشّهد، وستقبض ثمنه كل ليلة مائة ألف ليرة وتأخذها مني على الفور .
إندهش جابر من كلام الشاب وراح ينظر اليه وهو غير مصدّق ،لكنه ادرك ان الشغل الذي سيعرضه عليه مشبوه ،وغير قانوني فلا يعقل ان يجني مبلغا كبير مثل هذا بشكل شرعي فساله جابر حسنا لنفرض أني موافق: فما الذي يقدر شخص فقير وغير متعلم أن يقدمه لك ؟
سكت الشاب قليلا وراح يحدق في وجه جابر حتى يستوعب مدى صدمته مما سيسمع ،ثم قال بثقة : كل ما في الأمر اني سآتي كل ليلة وتفتح القبور التي أقول لك عليها وانت تنفذ ما أريد دون أن تسأل عن شيئ ،ومهمّتك تتوقّف عند هذا الحدّ ،هل فهمت ؟ فتح جابر فمه وعيناه من الدهشة وهو يسمع هذا الكلام وقال :اعوذ بالله ،هل تريد ان أخرج لك جثث أهل القرية هل جننت يا رجل؟ كيف تطلب مني ان اساعدك في نهب الموتى ؟
فقال الشاب محاولا إقناع جابر : تعال لنحسب الامر بالعقل والمنطق بعض الجثث التي تحرسها لم تعد تحتاج للأشياء التي معها، ماذا تستفيد من حراستها ؟ ثم من سيهتم بها ان كانت موجودة معها ام لا، وأنا لا اقصد جثث حديثة ولكن اقصد القديمة التي نسيها الناس من مدة طويلة ،سآخذ ما أستحقه وانت تقبض مني المبلغ ولا من شاف ولا من درى ما رأيك ؟
لم يقنع كلام الشاب جابر، واصر على موقفه وقال : يا بني آدم هذه حرمة الموتى حتى ولو كانت القبور قديمة فكيف تطلب مني ان اخرج الجثث من قبرها لتسلبها ،وهل نسيت أني أعرف معظم هؤلاء النّاس الذين دفنوا هنا ،ثم من أنت حتى تأتي عندي في مثل هذا الوقت وتطلب مني ان أساعدك في جريمة يعاقب عليها القانون مستحيل ان افعل ذلك فإنس هذا الموضوع وعد من حيث اتيت ،قبل أن أطردك من مكان عملي !!!
أدخل الشاب يديه في جيبه واخرج علبة سجائر واشعل واحدة ثم قال وهو ينفث دخان سجارته : تريد ان تعرف من اكون أنا عضو في منظمة تقوم بابحاث علميه والأشياء التي التي سنأخذها لها قيمة تاريخية ويستفيد منها لمعرفة العائلات التي كانت تسكن هنا منذ زمن طويل
وتذكر يا جابر ان الجثث التي هي عرضة للتعفن والدود،و العلم اولى بها وانت بمساعدتك لي ستقدم خدمة جليلة للعلم و في نفس الوقت تستفيد من تحسين وضعك المالي فبدلا من ان تعيش على هذا الراتب السخيف وعلى صدقات المحسنين…
خذ لك هذا المبلغ المحترم ،وفكّر في مصلحتك ،وأنا هنا لمساعدتك، وصدقني انها فرصة لا تعوض.لذلك سأتركك تفكر مع نفسك جيدا وفي ليلة الغد سأتي اليك وأسمع منك جوابك النهائي ،هيا مع السلامة وشكرا على كوب الشاي ..

يتبع

قصص وحكايا العالم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق