مقالات
قراءة قانونية : الأثر القانوني لانضمام فلسطين الاتفاقيات الدولية (أ.د. حنا عيسى)
تعتبر الاتفاقية الدولية أو المعاهدة هي اتفاق مكتوب بين شخصين أو أكثر من الأشخاص الدولية من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة في ظل القانون الدولي العام، ويعبر عن إلتقاء إرادات موقعيها على أمر ما، فهي ذات صفة تعاقدية الغرض منها إنشاء علاقة قانونية بين الأطراف المتعاقدة.
وتعود أولى الاقتراحات لخطوات تعزيز وضع فلسطين دولياً وانضمامها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الى مايو/ أيار 1999، تزامناً مع انتهاء المرحلة الانتقالية، حسب جدولة اتفاقية “غزة أريحا ـ أولاً”، من دون الدخول في مفاوضات الحل النهائي، جراء تعنت الجانب الإسرائيلي على إعادة التفاوض على قضايا تم التفاوض عليها وتوقيع اتفاقيات بشأنها، ومطالبته بأن لا تكون هناك مرجعية للمفاوضات سوى المفاوضات نفسها، وإخراج ملف القدس الشرقية من إطار التفاوض، ومواصلة إجراءات تهويدها، وإسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقاً للقرار الدولي 194، ورفض وقف الاستيطان أو تفكيك المستوطنات القائمة في عمق الضفة الفلسطينية، وحرف مسار المفاوضات تحت سيف المطالب التوسعية الإسرائيلية، بزعم تلبية (المصالح الأمنية الإسرائيلية)، واشتراط اعتراف الجانب الفلسطيني بما يسمى (الطابع اليهودي لدولة إسرائيل)، فضلاً عن عشرات المطالب الفرعية التي كانت تطرحها الحكومات الإسرائيلية على طاولة المفاوضات، في كل جولة تفاوضية جديدة، لإغراقها في الجزئيات وإثقالها.
ومن الاقتراحات التي جاءت في سياق بلورة رؤية استراتيجية فلسطينية متكاملة حينها، رداً على تنكر إسرائيل لالتزاماتها في اتفاقيات أوسلو وانتهاء المرحلة الانتقالية وتمديدها من دون جدوى، إعلان منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عن قرار يقضي ببسط السيادة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، المحتلة عام 1967، والشروع في إجراءات رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة، والإنضمام إلى المنظمات الدولية المختصة، والتوقيع على المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وبما يفرض، ضمناً، إعادة ملف التسوية السياسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى عهدة الأمم المتحدة.
وقد حققت فلسطين مؤخراً إنجازاً دولياً بالانضمام للعديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن، وفي 11/4/2014م أعلن المجلس الفدرالي السويسري، الجهة الوديعة لاتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها، عن قبول فلسطين طرفاً سامياً في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الإضافي الأول، وذلك بناء على الطلب الذي تقدمت به فلسطين مؤخراً بعد توقيع الرئيس محمود عباس على طلبات بالانضمام إلى 15 اتفاقية دولية.
ورفع التمثيل سيمنح فلسطين الشخصية القانونية الكاملة كدولة بموجب القانون الدولي وسيسمح لها أن تكون طرفاً في غالبية المعاهدات الدولية بما في ذلك معاهدات جنيف الاربعة، نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولي، معاهدة القضاء على كافة التمييز ضد المرأة الخ…وحيث أن فلسطين حصلت على العضوية في اليونسكو تصبح بالتالي مؤهلة للأنضمام لهذه المعاهدات ومن بينها: الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
كما كان لانضمام فلسطين إلى اتفاقية روما وخاصة بعد حصولها على صفة دولة عضو مؤقت (غير دائم) بالأمم المتحدة بتاريخ 29/11/2012 الاثر الاكبر علي مستقبل القضية الفلسطينية والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية روما التي انشئت المحكمة الجنائية الدولية حيث كان انتصارا سياسيا وقانونيا وقضائيا وحقق انجازا كبيرا للقضية الفلسطينية علي مستوي الشرعية الدولية والإقليمية، وبهذا يكون لدولة فلسطين الحق في مناقشة جميع القضايا والرد على الادعاءات التي تثار بخصوص القضية الفلسطينية أو أي قضية أخرى من قبل أي عضو في الجمعية العمومية وخاصة دولة الاحتلال، ويحق لها الانضمام إلى جميع المؤسسات والمنظمات أو الهيئات المنبثقة عن الأمم المتحدة وأن من حقها الانضمام إلى جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية وبالذات الاتفاقيات الخاصة بالقضاء الدولي وأهمها اتفاقية روما التي أنشئت المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة وملاحقة مجرمي الحرب.
محكمة الجناية الدولية:
حمل انضمام فلسطين لمحكمة الجناية الدولية في طياته امال كبيرة معلقة على المحكمة من اجل الانتصار لحقوق الضحايا الابرياء بسقف متوقع يفوق قدرة المحكمة وقانونها الاساسي، وصلت لدرجة اعتقاد البعض ان انعقاد المحكمة سوف يشكل محاكمة العصر التي سوف تحاكم الوجود الغير شرعي لاحتلال وممارسته الاجرامية، والبعض الاخر يعبر عن مخاوفه بشكل معلن حيث يعتقدون ان هذا الانضمام للمحكمة يعطي الفرصة لسلطات الاحتلال برفع دعاوي قضائية ضد نشطاء المقاومة الفلسطينييه السياسيون منهم والعسكريين باعتبارهم مسئولين عن كافة العمليات الفدائية التي تشنها المقاومة في عمق الكيان ألاحتلالي، كذلك التخوف من طلب سلطات الاحتلال الاسرائيلية تعويضات عن خسائره المادية، وادراج اسماء الفلسطينيين من قيادات وأفراد مقاومة على لائحة المطلوبين للعدالة الدولية، باعتبارهم مجرمين حرب مما يؤدي لملاحقتهم من طرف الدول الاعضاء في نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لذلك تبرز أهمية فكرة العدالة الجنائية من ناحية تاريخية وصولا الى المحكمة الجنائية الدولية.
وبالنظر لتجارب المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة وقراءة الدوافع السياسية الناتجة عن تجربتها العملية نلاحظ انها كانت في بدايتها تهدف الى تحقيق قانون وعدالة المنتصر (نورمبرغ وطوكيو) من ثم كانت تخضع لمصالح الدول الاعضاء في مجلس الامن، الذي اصبح صاحب الصلاحية الوحيد الذي يملك الحق قانونا بإنشاء مثل هذه المحاكم (رواندا ويوغسلافيا) وكان الهدف من تناول هذه التجارب تسليط الضوء على العدالة الجنائية الدولية لكي يمكننا السير بشكل منطقي لمعرفة الاساس القانوني والأرضية الادارية والسياسية التي تم على اساسها توجه الارادة الدولية نحو انشاء نظام دائم للعدالة الجنائية الدولية، هذا الامر يمكننا من معرفة السقف الواقعي الذي يمكننا ان نبني علية عند الحديث عن العدالة الجنائية الدولية، الامر الذي ينتج اهداف حقيقة من الممكن تحقيقها من خلال انضمام دوله فلسطين المحتلة لهذه المحكمة ويساهم ايضا بإزالة بعض الهواجس من جراء هذا الانضمام .
وانضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية والتي يأتي على رأسها اتفاقيات جنيف الاربع، خاصة اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بالاسرى (اي اعتبار الاسرى الفلسطينيين اسرى حرب)، واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بالمدنيين، التي تعني امكانية ان يحاسب الفلسطينيون اسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الاسرى، وكذلك بناء المستوطنات، وقصف المدن الفلسطينية، وجرائم القتل، من خلال مقاضاة دولة الاحتلال على ذلك في محكمة الجنايات الدوليةن تضع الفلسطينيين امام التزامات وحقوق وواجبات، يتوجب احترامها والايفاء بها، مثل تغيير قوانين متعلقة بحقوق المرأة والعمال وحقوق الانسان، الموقعة.
وتضم الاتفاقيات التي وقعها الرئيس عباس اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963)، واللتين تعنيان توفير الحماية والحصانة للدبلوماسيين الفلسطينيين، ومنع تفتيشهم على الحدود، وامكانية محاسبة المنتهكين للاتفاقية من خلال محكمة العدل الدولية. وبانضمام فلسطين دولة غير عضو الى اتفاقيات حقوق الانسان، والمرأة، والطفل، يتوجب على اسرائيل الالتزام بها واحترامها، لكن هذا يلزم الفلسطينيين ايضا بتغيير سلسلة من القوانين التي لا تتماشى مع هذه الاتفاقيات، من بينها قوانين متعلقة بالزواج والطلاق وتعدد الزواجات، وقوانين القتل على خلفية ما يسمى “شرف العائلة” وقوانين العمل.
وبمجرد تسليم طلبات الانضمام للجهات المختصة تصبح فلسطين عضوا بها رسميا، ما يمكّن الفلسطينيين الاستفادة منها من عدة جوانب اولها القضائي المتمثل بمحكمة الجنايات الدولية والثاني محكمة العدل الدولية، اما الجانب الثالث فمن خلال الدول الاطراف بكل اتفاقية حيث يصبح واجبا عليها الزام الدولة المتعدية بوقف التعديات. كما انه بالانضمام لهذه الاتفاقيات، اصبح بامكان الافراد تقديم شكاوى لدى اللجان الخاصة بحقوق الطفل والمرأة في الامم المتحدة لادانة اسرائيل والضغط عليها، بالاضافة الى امكانية تقديم الافراد شكاوى ضد جهات ومسؤولين عن ارتكاب جرائم وملاحقتهم في اي محكمة تابعة للدول الاعضاء في حال الانضمام الى ميثاق روما.
فلسطين دولة غير عضو:
من المعلوم أن من عناصر الدولة وفقاً لأحكام القانون الدولي، سيادتها على الإقليم (البري والبحري والجوي) ووجود شعب وسيادة وطنية الأمر الذي يعزز من سيادة فلسطين على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية والتي تعتدي عليها إسرائيل حتى هذه اللحظة، كونها تخترق المجال الجوي الفلسطيني بمناسبة وبدون مناسبة وبالمحصلة فإن هذا القرار يضع اللبنات الأولى للاستقلال التام وفق أحكام القانون الدولي.
آثار الانضمام لاتفاقية جنيف:
حيث تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أن من واجب دولة الاحتلال المحافظة على الحالة القانونية القائمة في أي منطقة عند احتلالها، وهذا يعني بطلان القوانين والأوامر العسكرية التي تصدرها إسرائيل وتتعارض مع القانون الدولي والقوانين الفلسطينية المحلية، ومن ذلك مثلا تجريم العمل السياسي والانتماء للفصائل الفلسطينية.
بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، سيكون من حق أفراد ما يمكن أن نسميه “بالجيش الفلسطيني” التابع لدولة فلسطين، وأفراد المقاومة المعترف بها من قبل الدولة، الدفاع عن الأرض الفلسطينية وحماية الفلسطينيين ضد أي عدوان إسرائيلي باعتباره اعتداء من دولة على دولة أخرى. وهنا إذا قامت إسرائيل باسر أي من أفراد الأمن أو المقاومة الفلسطينية فإنها يجب أن تعامله “كأسير حرب”، وبالتالي لا يجوز أن تحاكمه على ما قام به من أفعال في سياق قيامه بواجبه ودفاعه عن أرضه، حتى لو شمل ذلك القتل أو الجرح، طالما كان ذلك ضمن الضوابط المنصوص عليها في القانون الدولي.
كما أن البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف، اعتبر مقاومة حركات التحرر للاحتلال الأجنبي نزاعاً مسلحا دولياً، ونص على أن أسرى حركات المقاومة ـ ضمن شروط معينة ـ يعدّون أسرى حرب، ويجب معاملتهم على هذا الأساس. وهو بالطبع ما لا تلتزم به إسرائيل.
أما اتفاقية جنيف الرابعة فنصت على حقوق المعتقلين من المدنيين، أي أولئك الأشخاص الذين لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية، وتنتهك إسرائيل هذه الاتفاقية ولا تعترف بإلزامية تطبيقها في ما يتعلق بالمعتقلين الفلسطينيين.
وبموجب اتفاقيات جنيف الأربع، سيكون الآن من حق الفلسطينيين أن يختاروا “دولة حامية”، وهذا المصطلح يعني أن للدولة المحتلة أن تختار دولة محايدة كي تساعد وتشرف على تطبيق نصوص الاتفاقية. فالدولة الحامية تتولى حماية مصالح ضحايا النزاع، وتشرف على مدى وفاء أطراف النزاع بالتزاماتهم بموجب اتفاقيات جنيف، وتستقبل شكاوى المتضررين، وعليها أن تمنع أي انتهاك ضدهم. وفي حال تم أمر كهذا، فإنه بكل تأكيد سيكون عاملاً مهماً في تقليل الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين بشكل كبير.
الانضمام لاتفاقيات جنيف سيفتح المجال أمام تدويل حقوق الفلسطينيين والضغط على الدول الأطراف في الاتفاقيات لعقد مؤتمر لبحث انتهاكات إسرائيل لها، وخصوصا في بعض القضايا كقضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وحقوقهم، وبيان طبيعة الالتزامات القانونية الناشئة على دولة إسرائيل اتجاههم، ودور الدول الأطراف في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق هؤلاء الأسرى الفلسطينيين. فالانضمام يعني أيضاً أن المجال متاحاً بشكل أكبر أمام فلسطين من أجل رفع دعاوى قانونية أمام المحاكم الداخلية للدول التي تقبل بفتح ولايتها القضائية لقضايا الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف بناء على المادة 146 منها. ومن تلك الانتهاكات الجسمية: القتل العمد، الاعتقال التعسفي، التعذيب، تدمير الممتلكات بدون ضرورة حربية.
سيفرض انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف أن يلتزم الفلسطينيون أيضاً بنصوصها؛ ومن ذلك عدم جواز قتل المدنيين الإسرائيليين أو التعرض للمباني والمرافق الإسرائيلية العامة والخاصة التي ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يمكن أيضاً أن يضع قيوداً أمام حركة التحرر الفلسطينية تكون غير ملائمة مع وضعها حركة تحرر وطني، ومن ذلك وجوب قيام أفراد المقاومة بتمييز أنفسهم عن المدنيين وحمل سلاحهم علناً. وعليه سيكون على فلسطين منع الأعمال المقاوِمة التي تخالف قواعد القانون الدولي، كالهجمات على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ولكن هذا – بالطبع – لا يعني عدم جواز المقاومة بشكل مطلق، بل ستبقى مقاومة الاحتلال مشروعة، خصوصاً في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967.