مقالات

قراءة قانونية : الأثر القانوني لانضمام فلسطين الاتفاقيات الدولية (أ.د. حنا عيسى)

تعتبر الاتفاقية الدولية أو المعاهدة هي اتفاق مكتوب بين شخصين أو أكثر من الأشخاص الدولية من شأنه أن ينشئ حقوقاً والتزامات متبادلة في ظل القانون الدولي العام، ويعبر عن إلتقاء إرادات موقعيها على أمر ما، فهي ذات صفة تعاقدية الغرض منها إنشاء علاقة قانونية بين الأطراف المتعاقدة.

وتعود أولى الاقتراحات لخطوات تعزيز وضع فلسطين دولياً وانضمامها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الى مايو/ أيار 1999، تزامناً مع انتهاء المرحلة الانتقالية، حسب جدولة اتفاقية “غزة أريحا ـ أولاً”، من دون الدخول في مفاوضات الحل النهائي، جراء تعنت الجانب الإسرائيلي على إعادة التفاوض على قضايا تم التفاوض عليها وتوقيع اتفاقيات بشأنها، ومطالبته بأن لا تكون هناك مرجعية للمفاوضات سوى المفاوضات نفسها، وإخراج ملف القدس الشرقية من إطار التفاوض، ومواصلة إجراءات تهويدها، وإسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقاً للقرار الدولي 194، ورفض وقف الاستيطان أو تفكيك المستوطنات القائمة في عمق الضفة الفلسطينية، وحرف مسار المفاوضات تحت سيف المطالب التوسعية الإسرائيلية، بزعم تلبية (المصالح الأمنية الإسرائيلية)، واشتراط اعتراف الجانب الفلسطيني بما يسمى (الطابع اليهودي لدولة إسرائيل)، فضلاً عن عشرات المطالب الفرعية التي كانت تطرحها الحكومات الإسرائيلية على طاولة المفاوضات، في كل جولة تفاوضية جديدة، لإغراقها في الجزئيات وإثقالها.

ومن الاقتراحات التي جاءت في سياق بلورة رؤية استراتيجية فلسطينية متكاملة حينها، رداً على تنكر إسرائيل لالتزاماتها في اتفاقيات أوسلو وانتهاء المرحلة الانتقالية وتمديدها من دون جدوى، إعلان منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عن قرار يقضي ببسط السيادة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، المحتلة عام 1967، والشروع في إجراءات رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة، والإنضمام إلى المنظمات الدولية المختصة، والتوقيع على المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وبما يفرض، ضمناً، إعادة ملف التسوية السياسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى عهدة الأمم المتحدة.

وقد حققت فلسطين مؤخراً إنجازاً دولياً بالانضمام للعديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن، وفي 11/4/2014م أعلن المجلس الفدرالي السويسري، الجهة الوديعة لاتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها، عن قبول فلسطين طرفاً سامياً في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الإضافي الأول، وذلك بناء على الطلب الذي تقدمت به فلسطين مؤخراً بعد توقيع الرئيس محمود عباس على طلبات بالانضمام إلى 15 اتفاقية دولية.

ورفع التمثيل سيمنح فلسطين الشخصية القانونية الكاملة كدولة بموجب القانون الدولي وسيسمح لها أن تكون طرفاً في غالبية المعاهدات الدولية بما في ذلك معاهدات جنيف الاربعة، نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولي، معاهدة القضاء على كافة التمييز ضد المرأة الخ…وحيث أن فلسطين حصلت على العضوية في اليونسكو تصبح بالتالي مؤهلة للأنضمام لهذه المعاهدات ومن بينها: الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

كما كان لانضمام فلسطين إلى اتفاقية روما وخاصة بعد حصولها على صفة دولة عضو مؤقت (غير دائم) بالأمم المتحدة بتاريخ 29/11/2012 الاثر الاكبر علي مستقبل القضية الفلسطينية والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية روما التي انشئت المحكمة الجنائية الدولية حيث كان انتصارا سياسيا وقانونيا وقضائيا وحقق انجازا كبيرا للقضية الفلسطينية علي مستوي الشرعية الدولية والإقليمية، وبهذا يكون لدولة فلسطين الحق في مناقشة جميع القضايا والرد على الادعاءات التي تثار بخصوص القضية الفلسطينية أو أي قضية أخرى من قبل أي عضو في الجمعية العمومية وخاصة دولة الاحتلال، ويحق لها الانضمام إلى جميع المؤسسات والمنظمات أو الهيئات المنبثقة عن الأمم المتحدة وأن من حقها الانضمام إلى جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية وبالذات الاتفاقيات الخاصة بالقضاء الدولي وأهمها اتفاقية روما التي أنشئت المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة وملاحقة مجرمي الحرب.

محكمة الجناية الدولية:

حمل انضمام فلسطين لمحكمة الجناية الدولية في طياته امال كبيرة معلقة على المحكمة من اجل الانتصار لحقوق الضحايا الابرياء بسقف متوقع يفوق قدرة المحكمة وقانونها الاساسي، وصلت لدرجة  اعتقاد البعض ان انعقاد المحكمة سوف يشكل محاكمة العصر التي سوف تحاكم الوجود الغير شرعي لاحتلال وممارسته الاجرامية، والبعض الاخر يعبر عن مخاوفه بشكل معلن حيث يعتقدون ان هذا الانضمام للمحكمة يعطي الفرصة لسلطات الاحتلال برفع دعاوي قضائية ضد نشطاء المقاومة الفلسطينييه السياسيون منهم والعسكريين باعتبارهم مسئولين عن كافة العمليات الفدائية التي تشنها المقاومة في عمق الكيان ألاحتلالي، كذلك التخوف من طلب سلطات الاحتلال الاسرائيلية تعويضات عن خسائره المادية، وادراج اسماء الفلسطينيين من قيادات وأفراد مقاومة على لائحة المطلوبين للعدالة الدولية، باعتبارهم مجرمين حرب مما يؤدي لملاحقتهم من طرف الدول الاعضاء في نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لذلك تبرز أهمية فكرة العدالة الجنائية من ناحية تاريخية وصولا الى المحكمة الجنائية الدولية.

وبالنظر لتجارب المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة وقراءة الدوافع السياسية الناتجة عن تجربتها العملية نلاحظ انها كانت في بدايتها تهدف الى تحقيق قانون وعدالة المنتصر (نورمبرغ وطوكيو) من ثم كانت تخضع لمصالح الدول الاعضاء في مجلس الامن، الذي اصبح صاحب الصلاحية الوحيد الذي يملك الحق قانونا بإنشاء مثل هذه المحاكم (رواندا ويوغسلافيا) وكان الهدف من تناول هذه التجارب تسليط الضوء على العدالة الجنائية الدولية لكي يمكننا السير بشكل منطقي لمعرفة الاساس القانوني والأرضية الادارية والسياسية التي تم على اساسها توجه الارادة الدولية نحو انشاء نظام دائم للعدالة الجنائية الدولية، هذا الامر يمكننا من معرفة السقف الواقعي الذي يمكننا ان نبني علية عند الحديث عن العدالة الجنائية الدولية، الامر الذي ينتج اهداف حقيقة من الممكن تحقيقها من خلال انضمام دوله فلسطين المحتلة لهذه المحكمة ويساهم ايضا بإزالة بعض الهواجس من جراء هذا الانضمام .

وانضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية والتي يأتي على رأسها اتفاقيات جنيف الاربع، خاصة اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بالاسرى (اي اعتبار الاسرى الفلسطينيين اسرى حرب)، واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بالمدنيين، التي تعني امكانية ان يحاسب الفلسطينيون اسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الاسرى، وكذلك بناء المستوطنات، وقصف المدن الفلسطينية، وجرائم القتل، من خلال مقاضاة دولة الاحتلال على ذلك في محكمة الجنايات الدوليةن تضع الفلسطينيين امام التزامات وحقوق وواجبات، يتوجب احترامها والايفاء بها، مثل تغيير قوانين متعلقة بحقوق المرأة والعمال وحقوق الانسان، الموقعة.

وتضم الاتفاقيات التي وقعها الرئيس عباس اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963)، واللتين تعنيان توفير الحماية والحصانة للدبلوماسيين الفلسطينيين، ومنع تفتيشهم على الحدود، وامكانية محاسبة المنتهكين للاتفاقية من خلال محكمة العدل الدولية. وبانضمام فلسطين دولة غير عضو الى اتفاقيات حقوق الانسان، والمرأة، والطفل، يتوجب على اسرائيل الالتزام بها واحترامها، لكن هذا يلزم الفلسطينيين ايضا بتغيير سلسلة من القوانين التي لا تتماشى مع هذه الاتفاقيات، من بينها قوانين متعلقة بالزواج والطلاق وتعدد الزواجات، وقوانين القتل على خلفية ما يسمى “شرف العائلة” وقوانين العمل.

وبمجرد تسليم طلبات الانضمام للجهات المختصة تصبح فلسطين عضوا بها رسميا، ما يمكّن الفلسطينيين الاستفادة منها من عدة جوانب اولها القضائي المتمثل بمحكمة الجنايات الدولية والثاني محكمة العدل الدولية، اما الجانب الثالث فمن خلال الدول الاطراف بكل اتفاقية حيث يصبح واجبا عليها الزام الدولة المتعدية بوقف التعديات. كما انه بالانضمام لهذه الاتفاقيات، اصبح بامكان الافراد تقديم شكاوى لدى اللجان الخاصة بحقوق الطفل والمرأة في الامم المتحدة لادانة اسرائيل والضغط عليها، بالاضافة الى امكانية تقديم الافراد شكاوى ضد جهات ومسؤولين عن ارتكاب جرائم وملاحقتهم في اي محكمة تابعة للدول الاعضاء في حال الانضمام الى ميثاق روما.

فلسطين دولة غير عضو:

إعتراف المجتمع الدولي بفلسطين يعني أنها بهذه الصفة لها حضور إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة دون أن يكون لها الحق في التصويت، إلا أنها تحضر كل الاجتماعات وتتبادل كافة الوثائق مع الآخرين، ويعامل رئيس السلطة الوطنية كرئيس دولة، وهي بهذه الصفة تشترك مع دولة الفاتيكان بنفس الوضع، وبالنتيجة فإن هذا الإعتراف هو إقرار من المجتمع الدولي بأن إسرائيل هي دولة الإحتلال الوحيدة في العالم، وهو قرار ضمني كذلك بالظلم التاريخي الذي مارسه المجتمع الدولي – بقصد أو بغير قصد – بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى هذه اللحظة.

الصفة الجديدة التي حظيت بها فلسطين لها أهمية كبيرة فيما يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني، حيث تستطيع فلسطين أن تنضم إلى اتفاقيات التجارة الدولية  وأن تبرم اتفاقيات ثنائية أو متعددة مع دول أخرى، وهذا يحرر الاقتصاد الفلسطيني بعض الشيء من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، أو أن يبقى رهينة في يد إسرائيل، وهذا مقدمة للاستقلال التام، لأن الاستقلال الاقتصادي هو بمثابة مقدمة للاستقلال الفعلي والتام.

الإعتراف الدولي بفلسطين يعني أن فلسطين من حقها بموجب القانون الدولي أن تصبح طرفاً في إتفاقية فيينا، وتتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مع الآخرين بحرية تامة، الأمر الذي يعطي حصانة وإمتيازات لبعثاتها ودبلوماسيها في كافة دول العالم مثل الدول كاملة العضوية، يساهم بالنتيجة إلى رفع تمثيل المكاتب إلى قنصليات وسفارات.

الإعتراف بفلسطين بهذه الصفة الجديدة له أهمية كبيرة على صعيد القضاء الدولي، سواء قضاء محكمة العدل الدولية أو المحاكم الجنائية الدولية، بمعنى أن فلسطين تستطيع أن تقيم دعاوى أمام محكمة العدل الدولية فيما يتعلق ببعض القضايا مثل الإستيطان والجدار الفاصل والمياه والحدود وقضايا اللاجئين، كما أن لها الحق بالإنضمام لجمعية الدول الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية، وهذا يعني أن لها الحق بملاحقة أي فرد مهما كانت صفته الرسمية أو الفردية أمام المحاكم الجنائية الدولية إذ ثبت إرتكابه أي جريمة دولية خصوصاً الجرائم التي تدخل ضمن إختصاص المحاكم الجنائية الدولية مثل جرائم الحرب والعدوان والإبادة الجماعية.

الوضع الجديد وفقاً لأحكام القانون الدولي يجعل الشعب الفلسطيني داخل الأراضي العربية المحتله، شعب تحت الإحتلال، الأمر الذي يدفع المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته إذا كان أحد أعضاء شعبه محتل من قبل دولة أخرى بمعنى أن المجتمع الدولي معني بالمساهمة الفعالة في توفير مقومات العيش الكريم وتنمية الثروات للبلد المحتل وإيصال المساعدات له دون تدخل من دولة الإحتلال، كون إسرائيل حتى هذه الحظة كانت تطلب كل شيء من خلالها وبالتنسيق معها.

الإعتراف الدولي بفلسطين بموجب القرار الأخير تبين من خلاله وجود تحول كبير مع مواقف بعض الدول مثل دول الإتحاد الأوروبي وتأثير مواقف بعض الدول مثل الدول الإسلامية والعربية ودول الإتحاد الإفريقي ودول أمريكا اللاتينية.

الإعتراف الدولي بفلسطين أعاد الكره للداخل الفلسطيني، من حيث ضرورة توحيد الصف بين كافة مكوناته، حتى يتم إسقاط حُجج الطرف الآخر، بعدم وجود تمثيل موحد داخل فلسطين سياسياً لوجود حكومة في رام الله وحكومة في غزة الأمر الذي يجعل من الإعتراف الدولي حافز على المصالحة الوطنية الفلسطينية حتى يتعزز الموقف الوطني للجهد المستقبلي المتعلق في آثار وتبعات الإعتراف الدولي بفلسطين.

إعتراف المجتمع الدولي بفلسطين بوضع شبيه بدولة الفاتيكان التي يتبع لها مليار شخص يعتنقون الكاثوليكية، إقرار بطريقة غير مباشرة بأن فلسطين فيها كافة الديانات (( الإسلامية، المسيحية، واليهودية)) وأن بعض الأماكن الموجودة على أراضيها بمثابة إرث مشترك للبشرية جمعاء ومن الأمثلة على ذلك كنيسة المهد والقيامة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة وأماكن أخرى محمية بموجب إتفاقيات لاهاي لعام 1952 والبروتوكول الملحق بها الخاص بحماية الأعيان والممتلكات الثقافية والدينية والأثرية، وأن الإعتداء على أي منها بالتخريب أو الهدم يعتبر جريمة جنائية دولية وبهذا الصدد تستطيع فلسطين أن تقاضي أي طرف يقوم بالإعتداء على تلك الاماكن بعكس الوضع الذي كان قائماً في الماضي على مجرد الإدانة الخجولة.

الإعتراف الدولي وضع إسرائيل والولايات المتحدة في الزاوية، وللدلالة على ذلك إذا وجدنا أن بعض الدول التي عارضت الإعتراف مع إسرائيل وامريكا وكندا لا يتجاوز عدد سكانها بضعة ألوف وربما يسمع البعض عنها لأول مرة، وهذا يدل على تراجع وضعف تأثير الولايات المتحدة على العالم والدول الأخرى، فلم تعد دول أمريكا اللاتينية بمثابة البوابة الخلفية لأمريكا ولم تعد الدول الصغيرة والفقيرة تخشى سطوة أو نفوذ الدول الكبرى، ولم تعد دول الإتحاد الأوروبي تابع بشكل كامل للولايات المتحدة.

أظهر الإعتراف الدولي بفلسطين بشكل واضح وجلي ازدواجية مواقف المجتمع الدولي ومن الأمثلة على ذلك التسابق والتسارع بالإعتراف بدولة جنوب السودان وتيمور الشرقية ودول البلطيق، وكل ذي بصيرة يعرف الأسباب الكامنه وراء كل إعتراف، بينما نجد أن مسيرة الإعتراف الدولي بفلسطين تجاوزت الستون عاماً ولا يزال إعترافاً منقوصاً، لأن الطموح هو الإعتراف الكامل أي إعتراف بدولة كاملة العضوية، دولة قابلة للحياة كاملة السيادة على أراضيها وشعبها وإقليمها.

إعتراف المجتمع الدولي بفلسطين، له فوائد جمة على دول الجوار ومنها على سبيل المثال (الأردن) حيث سقط خيار الوطن البديل الذي كانت تحتج به إسرائيل خصوصاً اليمين الإسرائيلي وكرّس مفهوم أن العلاقة بين الأردن وفلسطين علاقة دولة بدولة، الأمر الذي يجعل التهجير القسري للسكان من فلسطين إلى أي من دول الجوار جريمة دولية ويتحمل المجتمع الدولي جزء من المسؤولية بهذا الخصوص، كما أن قضايا اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر ربما تجد بعض التقدم وفق منظور دولي بما يضمن حق العودة أو التعويض وفق ما يُقرره الشعب الفلسطيني.

القرار الدولي بالإعتراف بفلسطين بمثابة أثر كاشف للقرارات السابقة الصادرة عن المجتمع الدولي والتي تقر بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني ومنها القرارين 242 و 338 والقرارات الخاصة باللاجئين بمعنى أن الإعتراف الأخير بمثابة تأكيد على القرارات الدولية السابقة..

من المعلوم أن من عناصر الدولة وفقاً لأحكام القانون الدولي، سيادتها على الإقليم (البري والبحري والجوي) ووجود شعب وسيادة وطنية الأمر الذي يعزز من سيادة فلسطين على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية والتي تعتدي عليها إسرائيل حتى هذه اللحظة، كونها تخترق المجال الجوي الفلسطيني بمناسبة وبدون مناسبة وبالمحصلة فإن هذا القرار يضع اللبنات الأولى للاستقلال التام وفق أحكام القانون الدولي.

بعد انضمام فلسطين كعضو كامل العضوية لليونسكو، وعضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن القرار الأخير يتيح لها العضوية في باقي المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة مثل منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الأخرى والتي لها برامج حالياً في الأراضي العربية المحتلة بحيث يمكن تطوير هذه البرامج وكأنها مع أية دولة أخرى، سيما وأن توفير الغذاء والدواء والتعليم وكل ما يلزم لبقاء ونماء السكان في الإقليم المحتل، مسؤولية دولة الإحتلال والمجتمع الدولي.

وبشكل عام فإن هذا الإعتراف هو بمثابة إقرار من المجتمع الدولي بالظلم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي إستمرت معاناته كل هذا الزمن .

الاعتراف الدولي بفلسطين قد يُسهل الطريق أمام بعض الخطوات من أجل استكمال الإجراءات الخاصة بالاستقلال التام مثل إصدار الجنسية أو العملة الفلسطينية وإصدار جواز السفر الخاص برعاياها المعترف به دولياً بدلاً من الوثيقة المعمول بها حالياً.

آثار الانضمام لاتفاقية جنيف:

1. بطلان الأوامر العسكرية التعسفية

حيث تنص اتفاقية جنيف الرابعة على أن من واجب دولة الاحتلال المحافظة على الحالة القانونية القائمة في أي منطقة عند احتلالها، وهذا يعني بطلان القوانين والأوامر العسكرية التي تصدرها إسرائيل وتتعارض مع القانون الدولي والقوانين الفلسطينية المحلية، ومن ذلك مثلا تجريم العمل السياسي والانتماء للفصائل الفلسطينية.

2. الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين

بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، سيكون من حق أفراد ما يمكن أن نسميه “بالجيش الفلسطيني” التابع لدولة فلسطين، وأفراد المقاومة المعترف بها من قبل الدولة، الدفاع عن الأرض الفلسطينية وحماية الفلسطينيين ضد أي عدوان إسرائيلي باعتباره اعتداء من دولة على دولة أخرى. وهنا إذا قامت إسرائيل باسر أي من أفراد الأمن أو المقاومة الفلسطينية فإنها يجب أن تعامله “كأسير حرب”، وبالتالي لا يجوز أن تحاكمه على ما قام به من أفعال في سياق قيامه بواجبه ودفاعه عن أرضه، حتى لو شمل ذلك القتل أو الجرح، طالما كان ذلك ضمن الضوابط المنصوص عليها في القانون الدولي.

كما أن البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف، اعتبر مقاومة حركات التحرر للاحتلال الأجنبي نزاعاً مسلحا دولياً، ونص على أن أسرى حركات المقاومة ـ ضمن شروط معينة ـ يعدّون أسرى حرب، ويجب معاملتهم على هذا الأساس. وهو بالطبع ما لا تلتزم به إسرائيل.

أما اتفاقية جنيف الرابعة فنصت على حقوق المعتقلين من المدنيين، أي أولئك الأشخاص الذين لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية، وتنتهك إسرائيل هذه الاتفاقية ولا تعترف بإلزامية تطبيقها في ما يتعلق بالمعتقلين الفلسطينيين.

3. اختيار “دولة حامية

وبموجب اتفاقيات جنيف الأربع، سيكون الآن من حق الفلسطينيين أن يختاروا “دولة حامية”، وهذا المصطلح يعني أن للدولة المحتلة أن تختار دولة محايدة كي تساعد وتشرف على تطبيق نصوص الاتفاقية. فالدولة الحامية تتولى حماية مصالح ضحايا النزاع، وتشرف على مدى وفاء أطراف النزاع بالتزاماتهم بموجب اتفاقيات جنيف، وتستقبل شكاوى المتضررين، وعليها أن تمنع أي انتهاك ضدهم. وفي حال تم أمر كهذا، فإنه بكل تأكيد سيكون عاملاً مهماً في تقليل الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين بشكل كبير.

4. تدويل النزاع ومحاكمة مجرمي الحرب

الانضمام لاتفاقيات جنيف سيفتح المجال أمام تدويل حقوق الفلسطينيين والضغط على الدول الأطراف في الاتفاقيات لعقد مؤتمر لبحث انتهاكات إسرائيل لها، وخصوصا في بعض القضايا كقضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وحقوقهم، وبيان طبيعة الالتزامات القانونية الناشئة على دولة إسرائيل اتجاههم، ودور الدول الأطراف في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق هؤلاء الأسرى الفلسطينيين. فالانضمام يعني أيضاً أن المجال متاحاً بشكل أكبر أمام فلسطين من أجل رفع دعاوى قانونية أمام المحاكم الداخلية للدول التي تقبل بفتح ولايتها القضائية لقضايا الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف بناء على المادة 146 منها. ومن تلك الانتهاكات الجسمية: القتل العمد، الاعتقال التعسفي، التعذيب، تدمير الممتلكات بدون ضرورة حربية.

5. التزامات على فلسطين

سيفرض انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف أن يلتزم الفلسطينيون أيضاً بنصوصها؛ ومن ذلك عدم جواز قتل المدنيين الإسرائيليين أو التعرض للمباني والمرافق الإسرائيلية العامة والخاصة التي ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يمكن أيضاً أن يضع قيوداً أمام حركة التحرر الفلسطينية تكون غير ملائمة مع وضعها حركة تحرر وطني، ومن ذلك وجوب قيام أفراد المقاومة بتمييز أنفسهم عن المدنيين وحمل سلاحهم علناً. وعليه سيكون على فلسطين منع الأعمال المقاوِمة التي تخالف قواعد القانون الدولي، كالهجمات على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ولكن هذا – بالطبع – لا يعني عدم جواز المقاومة بشكل مطلق، بل ستبقى مقاومة الاحتلال مشروعة، خصوصاً في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق