اقلام حرة

مفاتيح التأثير الأساسية على أخلاقيات الموظف في الوظيفة العامة في الواقع الفلسطيني بقلم: تمارا حداد.

إن أخلاقيات الوظيفة العامة تُعد واحدة من أهم ركائز النظام الوظيفي كونها تنشأ في ربوع الوظيفة العامة تستمد أساسها من نصوص القانون تارةَ ومن الأعراف والتقاليد والمُثل العليا التي تسود الوظيفة العامة تارة أخرى، وللأخلاق التي تسود الوظيفة العامة دلالة واضحة على معناها الذي تفصح عنه تلك العبارة، كونها تمثل هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال ولها أساس قانوني تستمد منه قوتها ومصدر لزومها لمن يشغل الوظائف العامة، والأخلاقيات بهذه المثابة تُعد من أهم الأسس التي تقوم عليها المسؤولية تفرض قيودا على الموظف بما يقرره من معايير وقيم مرتبطة بالوظيفة يلتزم بها الموظفون في عملية أداء مهامهم، وتفرض عليهم سلوكيات معينة داخل إطار الوظيفة العامة، وأضحت أخلاقيات الوظيفة العامة الجانب المعنوي للوظيفة العامة يُضاهي الجانب المادي المتمثل بتحقيق المكاسب المادية، أو المحافظة على المال العام بل وتُعد المال الحقيقي والثروة الأصيلة التي تجني بنقائها الثروات والمصالح كافة.
قبل الخوض في مضمار أبرز مفاتيح التأثير الأساسية على أخلاقيات الموظف في الوظيفة العامة في الواقع الفلسطيني، لا بد من تعريف الاخلاق وهي “مجموعة القيم والمعايير التي يعتمد عليها أفراد المجتمع للتمييز بين ما هو جيد وما هو سيء، بين ما هو صواب وما هو خطأ، وتركز على مفهوم الصواب والخطأ في السلوك، وتقدم دليلا على الأنشطة الأخلاقية وغير الأخلاقية وعلى ما هو مقبول أو غير مقبول اجتماعيا(العزاوي وآخرون، 2016، ص15).
فيما جاء تعريف أخلاقيات العمل “المبادئ والمعايير، التي تعتبر أساس للسلوك المستحب، من أفراد العمل ويتعهد أفراده بالالتزام بها (السكارنة، 2016، ص20)، أما الوظيفة العامة وهي ” ما تعين من عمل أو مهنة وتستعمل بمعنى المنصب والخدمة، أو “كيان نظامي يتضمن مجموعة من الواجبات والمسؤوليات توجب على شاغلها التزامات معينة مقابل تمتعه بالحقوق والمزايا الوظيفية” (العبودي، 2014، ص33)، وأما أخلاقيات الوظيفة العامة فهي” مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الأشخاص الذين ينتمون إلى مهنة معينة وتحدد واجباتها والسلوك الذي يجب الإلتزام به عند ممارسة أعمال معينة” (العبودي، 2014، ص35).
من هنا لا يمكن فصل أخلاقيات الوظيفة العامة عن الأخلاق العامة للفرد، بل يجب على الفرد أن يتعامل مع مشاكل العمل من منطلق المعايير الأخلاقية العامة التي يؤمن لها كالأمانة وإطاعة النظم والعدل والرحمة والصدق واحترام الآخرين والولاء وغيرها، وهناك مفاتيح التأثير الأساسية على أخلاقيات الموظف في الوظيفة العامة في الواقع الفلسطيني وهي المصادر الرسمية والمتمثلة في القوانين والأنظمة والتعليمات وتوجيهات الإدارة وسياقات العمل الإداري، كونها تصدر من السلطة الرسمية المختصة والمخولة قانونا بإصدارها، والقانون هو مجموعة القواعد القانونية العامة والمجردة التي تصدرها سلطة مختصة (الداودي، 2004، ص11)، وللقواعد القانونية دور في إقرار أخلاقيات الوظيفة العامة حيث تقر الوظيفة مجموعة من المهام والواجبات تناط بمن يشغلها بغية تحقيق الأهداف المنشودة منها، لذا تأتي تلك المهام والواجبات بصياغات ذات بُعد أخلاقي تفصح عنها ثناياها القانونية، فللأخلاق التي ترسخت في نطاق الوظيفة العامة ونصت عليها تشريعات الخدمة المدنية لها أسلوب من الصياغة تشير مدلولها اخلاقي وفقا لما اصطلح عليه بلغة الاخلاق، وتأتي تشريعات الخدمة المدنية في فلسطين بأساليب وصياغات عدة جلها بسط تلك المبادئ الاخلاقية ضمن العمل الوظيفي وسياقاته السليمة، وأما بخصوص تأثيرها على اخلاقيات الموظف في الوظيفة العمومية وهي في تحقيق غايات القانون ومتطلبات المصلحة العامة ومن هنا نعرف المصلحة العامة ” المنفعة التي لا تقتصر على شخص معين، وانما تحقق نفعا عاما للناس( السكارنة ، 2016، ص143)، فعند معرفة كل موظف صلاحياته ضمن القانون هنا سيعمل على تأدية واجباته للصالح العام بعيدا عن المصالح الشخصية، وكما ان أثر الاعتبارات الاخلاقية مهمة في تحديد المخالفات الإنضباطية حيث ان الادارة يُعهد بها القيام بمهمة تحديد المخالفة وفق القوانين الا في حالات معينة يكون للادارة السلطة التقديرية في تقدير وجوب المخالفة من عدمه حسب الجرم القائم ومضاره بشكل عام.
كما ان الاخلاقيات الوظيفية لها اثر في تقرير المسؤولية الانضباطية للموظف العام والمسؤولية هي التزام الفرد بان ينهض بالاعباء الموكلة اليه باقصى قدراته ( السكارنة ،2016، ص149)، والقانون هام في فلسفة العقوبات الانضباطية كالردع العام من اجل تحقيق العدالة والتوجه نحو الإصلاح الاداري.
اما التأثير الاخر وهي المصادر غير الرسمية يتمثل بالأعراف والعادات الاجتماعية والدين وما يمليه الضمير العام، والمصادر غير الرسمية تتمثل بنظام القيمي الاجتماعي ويتمثل بتاثيرات الاسرة والتربية، وتاثيرات البيئة الاجتماعية كالتاثير من المدرسة او الزملاء واحيانا تاثيرات المواقف قد تُملي على الموظف انتهاج نهج معين لا يتفق مع الاخلاق، فمثلا التفاؤل والتفكير العاطفي والسعادة تُملي عليه مواقف اخلاقية ايجابية حسب نظرته التفاؤلية فيما النظرة السلبية تعكس سلوك آخر والذي يؤثر على عمله ومن حوله.
وهناك تأثير آخر من النظام القيمي الذاتي والمتمثلة بالقيم الشخصية والخبرات السابقة، والصفات الشخصية او الفرد نفسه حيث يتأثر السلوك الاخلاقي للفرد بمجموعة من العوامل التي ترتبط بتكوينه العائلي، حيث ان القيم الدينية والمعايير الشخصية والحاجات الفردية والمتطلبات المالية التي تدفع الفرد الى نوع معين من السلوكيات، والعائلة والتربية لها دور في اخلاقيات الموظف حيث تمثل العائلة النواة الاولى في بناء الشخصية، والمدرسة لها دور ونظام التعليم يلعبا دوراً اسياسياً في تكوين القيم الاخلاقية وتنمية السلوك الاخلاقي لدى الموظفين والافراد.
كما ان ابرز التأثيرات وهي ثقافة المجتمع لها دور في تكوين الاخلاقيات، كما التأثر بالجماعات المرجعية تعتبر مصدراً مهماً للسلوك الفردي الاخلاقي وقد تكون مرجعيات سياسية او دينية او عسكرية او عشائرية ( السكارنة ، 2016، ص59)، والمدرسة لها دور في تكوين قيم الموظف الفلسطيني، كما ان في فلسطين للاعلام والصحافة ومؤسسات الراي لهم دور في بث قيماً وافكار تؤدي الى بلورة القيم للفرد الفلسطيني، اما الخبرة المتراكمة لدى الموظف تعتبر مصدرا لتكوين سلوكياته في العمل وتمتعه باخلاقيات مهنية.
احيانا هناك تاثيرات ايجابية تاتي من الايمان بالله والعبادات تُهيئ للسلوكيات الفضلى للموظف، والصُحبة لها دور كما القدوة الحسنة، كما ان المصدر الديني يُعد بالنسبة للموظف الفلسطيني اساسا في تحديد سلوكياته حيث يوفر خلق الرقابة الذاتية في الفرد(العزاوي واخرون، 2016،ص18).
من هنا تلعب قواعد الدين دورا مهماً في مجال الوظيفة العامة والتي تهدف الى تحقيق الرخاء والتضامن بين الافراد والتضحية بالنوازع الخاصة بهم في سبيل المصلحة العامة، فالمصلحة العامة هي القانون الاعلى الذي يجب ان يخضع له كل قانون، وتبرير المصلحة العامة والدفاع عنها تعد قيمة اخلاقية لدى الموظفين في الوظيفة العامة توجه سلوكياتهم وافعالهم مما يبرر القول باعتبارها مصدرا من مصادر اخلاقيات الوظيفة العامة.
كما ان المجتمع كمحيط خارجي يعمل على تحديد اخلاقيات الموظف، كما ان التكنولوجيا الحالية عملت على تغيير انماط السلوكات للموظفين، والعولمة لها دور في ترسيخ قيم جديدة، كما ان الادارة الحديثة سعت على تغيير النط القيمي التقليدي ليبرز محله نمط سلوكيات حديثة.
ولا ننسى الضمير ويلاحظ في اعماق الانسان قوة تجذبه نحو فعل الخير وتأمره بفعل الواجب وتحذره عن فعل الشر، وان اقدم عليه احس بانقباض في نفسه لعصيانه تلك القوة فان اتاه وبخته عن ذلك الفعل، وان امتنع عنه احس بالارتياح والسرور وهذه القوة هي الضمير.
كما ان ثقافة المنظمة وتمثل مجموعة من القيم والمعتقدات والأنماط السلوكية الخاصة بالمنظمة، فلكل منظمة ثقافتها الخاصة بها وبذلك فانه لا يوجد منظمتان متشابهتان في كافة أبعاد الثقافة التنظيمية حتى لو كانتا بنفس الصناعة( العزاوي، 2019،ص 50)، ثقافة المنظمة لها دور في تكوين قيم الموظف وهي تعبير عن قيم الافراد ذوي النفوذ داخل المؤسسات والتي تؤثر بدورها في الجوانب الملموسة من المنظمة وفي سلوك الافراد، وكما تحدد الاسلوب الذي ينتهجه هؤلاء الافراد في قراراتهم واداراتهم لمرؤوسيهم ومنظماتهم، وتتمثل القيم المنظمة بتحقيق الاهداف والاستقرار والنمو والاستقلالية والسلطة والتعاون.
والقيادة العليا لها دور في تكوين اخلاق الموظف فاذا كانت القيادة العليا تمثل المواطنة الصالحة والحوكمة الرشيدة هذا بالطبع سيؤثر على سلوكيات الموظف وبالتحديد اذا شعر بالعدالة والمساواة بين الموظفين دون المحاباة الشخصية والابتعاد عن الواسطة الامر الذي يؤدي الى شعور الموظف بالرضا وعليه سيؤدي الى تميزه في العمل وتحسين في الاداء بالشكل المناسب ويشعر بالولاء لعمله ولقيادته والانتماء في العمل، اما اذا شعر ان هناك قيادة عُليا فاسدة فانه سينعكس على سلوك الموظف وقيمه فاما يصبح موظفا فاسدا او يشعر بالاحباط الوظيفي والشعور المستمر بالقلق والتوتر باستمرار.
ختاماً، القيم عنصر اساسي في ثقافة التميز وهناك مفاتيح تؤثر على اخلاقيات الموظف فنشر القيم الايجابية والتي تدعم الابداع والابتكار وتوليد الافكار وتشجع على التعاون والانفتاح والاداء المتميز والكفؤ والتحسين المتواصل والتطوير المستمر ستعمل على تاثير ايجابي على الموظف وعلى المؤسسة الفلسطينية وعلى المجتمع الفلسطيني بأكمله.
المراجع:
 العبودي، عثمان، (2014)، “اخلاقيات الوظيفة العامة: دراسة مقارنة في الاطار الفلسفي لاخلاقيات الوظيفة العامة وسلوكياتها”، الطبعة الاولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان.
 السكارنة، بلال، (2016)،” اخلاقيات العمل”، الطبعة السادسة، دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الاردن.
 العزاوي، محمد، العاني، معاوية، خميس، عبد السلام،( 2016) ، “اخلاقيات الادارة” ، الطبعة الاولى، دار الايام للنشر والتوزيع، عمان، الاردن.
 العزاوي،محمد،(2019)، “إدارة الجودة الشاملة : مدخل استراتيجي تطبيقي”، الطبعة الأولى، اثراء للنشر والتوزيع، الشارقة، قطر.
 الداودي، غالب، (2004)، ” المدخل الى علم القانون” ، دار وائل للنشر، عمان، الاردن.
 محاضرات الدكتور شاهر عُبيد، اخلاقيات الادارة العامة، جامعة القدس المفتوحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق