مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية * الشباب بين الهوية والحداثة (4)
– هل يمكن مع الحداثة أن نُحفاظ على الذات من الذوبان فيها، والتخلي عن الهوية؟
الصراع بين المحافظة على الهوية مع الحداثة، هو صراع داخلي يعاني منه الشباب، فقد تابعنا في مقالة الأمس أن هناك تناقضًا بين القيم والمعتقدات مع الحداثة، مما يضع الشباب المسلم في هذا العصر في مأزق بين الانتماء إلى مجتمعهم ومعتقداتهم وبين مواكبة التغيّرات العالمية، ويتناول الروائي المغربي الطاهر بن جلون هذا الصراع في روايته، حيث يعبر عن قلق الشباب حين يقول: “نحن مثل من يقف في منتصف الطريق، نخشى أن نتقدم ونتردد في العودة.” ويعكس هذا الشعور حالة الاضطراب والتشتت بين رغبة الحفاظ على الهوية والانفتاح على الحداثة، فلو كان في الحداثة خيرًا كاملًا لما كان هذا التردد، ولما كان هذا الشعور، ولما كان هناك انقسام حولها، ولذلك لا بد من التحذير من الانصياع لها من غير حدود، والذوبان في أجندتها من غير وعيٍ وإدراك.
– من أجل الحفاظ على الهوية، والاستفادة من بعض ما في الحداثة من إيجابيات لا بد من اتخاذ عدة وسائل ووضع بعض الاستراتيجيات التي تعزز الهوية وتتيح التفاعل الإيجابي مع العالم الحديث، وتساعد في إيجاد توازن ما بينهما ومن هذه الوسائل:
1- التمسك بالمعتقدات والمبادئ والقيم الأساسية:
فعلى الشباب أن يعززوا فهمهم العميق لقيم الإسلام ومبادئه، مثل الصدق، والأمانة، والإحسان، وحب العلم… فهذه القيم لا تتعارض مع إيجابيات الحداثة بل تتناغم معها وتوفر قاعدة قوية لمواجهة التحديات المعاصرة.
2- التربية والتوعية:
من الضروري تربية الشباب على فهم الحداثة وما ترمي إليه وعن خطورة الذوبان فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض ما جاء فيها من إيجابيات في جانب التقدم والتطور العلمي والتقني مع الاحتفاظ بالهوية الدينية والثقافية والخصوصية التي تميّز الشاب المسلم عن غيره، ويمكن أن يتم ذلك من خلال برامج تربوية تهدف إلى توعية الشباب بأهمية الهوية، وأهمية الانتقاء الواعي لإيجابيات الحداثة.
3- التمييز بين القيم السطحية والأساسية:
ذكرنا أن في الحداثة بعض العناصر الإيجابية مثل التقدم العلمي والتقني، وتعزيز التعاون مع فئة أصحاب التخصص العلمي والتقني، ولكن في المقابل، على الشباب أن يكونوا واعين لعدم انجرافهم نحو قيم الحداثة السلبية التي تعارض المبادئ الإسلامية.
4- استغلال التكنولوجيا بشكل إيجابي:
تمثل التكنولوجيا اليوم جزءاً كبيراً من الحداثة، ويمكن للشباب المسلم استغلالها لتعزيز التواصل ونشر الوعي، والتفاعل الثقافي دون التخلي عن القيم الأساسية لهم.
5- الوعي الثقافي والتعلم النقدي:
من المهم أن يمتلك الشباب وعيًا ثقافيًا يمكّنهم من فهم التيارات الفكرية والثقافية المختلفة، وأن يُركّزوا على التعلم النقدي الذي يساعدهم في تبني ما يتماشى مع هويتهم ومعتقداتهم ورفض ما قد يؤدي إلى الذوبان أو التخلي عن الهوية والمعتقدات.
6- بناء بيئة داعمة:
حيث يحتاج الشباب إلى مجتمعات داعمة تعزز لديهم الشعور بالانتماء والفخر بالهوية الإسلامية، سواء عبر العائلات أو المؤسسات التعليمية أو المراكز الثقافية والدينية.
– من خلال هذه الخطوات وغيرها، يمكن لشباب الإسلام أن يجمعوا بين الاستفادة من إيجابيات الحداثة وحماية هويتهم، بل وأن يصبحوا قادة وروّاداً في المجتمع المعاصر، دون التنازل عن ثوابتهم وأصالتهم.. وانتظروا العنوان التالي في المقالة القادمة: (دور الأسرة في ترسيخ قيم التوازن بين الدين والعصرانية).
– هذا ما سوف نتابعه في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى، فكونوا على موعدنا المتجدد فضلًا وليس أمرًا.
– صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم: (1771)
04 جمادى الأولى 1446هـ
الأربعاء 05د6.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)