الرئيسيةمكتبة الأدب العربي و العالمي

حكايا من القرايا “منجلي… يا منجلاه”

عمر عبد الرحمن نمر

الحصيدة… عالم قائم بذاته، له عناصره وأسسه…

على الندى يصطفّ الحصادون، والشاكوك على الطرف، يحصد سبلة… سبلتين… بضع سبلات ويمشي… ويلحق به الحصادون… وهذه الحلقة أشبه بحلقة الدبكة، فهناك اللواح (الشاكوك)… وهو قائد الحلقة، والكل يتبعه…

حمل الرجال المناجل… وغنوا لها: منجلي يا منجلا… راح للصايغ جلاه… وتحدثوا وغنوا مواويلهم وهم في وجه الحصيدة… رموا الشمال، كي يكتّتوا بعد ذلك ويغمّروا… ويشيلوا، ويعمروا بيادرهم بالقش، والسنابل الذهبية…

الحصيدة من الأشغال الشاقة، فهي تتطلب رجالاً نشيطين، يتحملون ضغط العمل، واستمراريته، كما يتحملون قرص البرغش الذي يهاجم الآذان… ومن هنا أكل الحصاد وجبة غذائية زيادة عن باقي الناس… إنها وجبة الصابوح، وهي تأتي بين الفطور والغداء…

وتأتي الجمال، وتشيل أحمال القش، وترسي بها على بيادرها…

ما أحلى النومة على القش! تخيلتها كمن ينام في فندق سبع نجوم… بل أحلى… يتجمع الفلاحون قبل النوم، لشرب الشاي والقهوة، ولتبادل الخراريف والأحاديث والأغاني، ثم ينبطح كل منهم على خلقة جنبيّة، وربما تدثر بحرام، لأن البيادر مكشوفة ويأتيها الشمالي والغربي، نسيمان رائعان يردّان الروح، فسرعان ما تغمض العيون، وتبحر الأرواح في أحلامها…

نمت ليلة واحدة، كنت في السابعة من عمري، ولم أنم، نام والدي –رحمه الله- ونام الجميع وشخوروا وأنا أنظر بعين الطفل من طرف الحرام، إلى تلك الكتلة السوداء التي لا تبعد عني أمتاراً… قلت في نفسي: إنها الضبع، ضبع أسود، وتملكني الخوف، ولما لم ينقضّ علي، قلت ربما هي الغولية، التي تعشق أكل الأطفال الصغار… وكنت أغطي رأسي حتى لا أرى شيئاً، ولكن عندما أقارب على ضيق في النفس، أخرج رأسي من تحت الحرام، وأرى ضبعي حيناً، وغوليتي حيناً آخر… وأعيش خوفي… والنعاس سلطان أيها السادة، سيطر علي ونمت غصباً… ويا للهول عندما أيقظني والدي في الصباح وقد اعتلت الشمس فوق الجبل… لم يكن الضبع إلا حجر صوّان أسود كبير… ولم تكن الغولية إلا حجر الصوّان الأسود على حافة الطريق… الحجر الذي كنا نجلخ السكاكين عليه، ونشحذها ونمضّيها حتى تصبح حادة… تشلقط اتشلقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق