اقلام حرةالرئيسية

بسام الكعبي .. في (جمر المحطات) / عوني صادق

* بسام الكعبي .. في (جمر المحطات)

يومان قضيتهما لأنتهي من قراءة كتاب بسام الكعبي (جمر المحطات). ويومان آخران قضيتهما أفكر أن أكتب شيئا عن الكتاب أو لا أكتب! ذلك لأنني احترت ماذا أقول، وكيف أقوله، إذ كيف يمكن لأحد أن يلخص وقائع لا تخضع للتلخيص، وأن يجتزيء أحداثا غير قابلة للاجتزاء، واختصار حيوات مليئة من الصعب جدا أن تختصر! كل شخص ورد اسمه في الكتاب كان له “درب الآلام” الذي يخصه، يتشابه مع الآخرين ويفترق عنهم في الوقت ذاته! وأي تعليق يمكن أن يغطي ما يصعب تغطيته بكلمات؟!

قالوا: “من سمع ليس كمن رأى”، وهذا صحيح. لكني أضيف: وليس من رأى كمن عايش، ولا من عايش كمن عاش التجربة. وبسام الكعبي، في كتابه، سمع ورأى، وعايش وعاش عشرات التجارب الإنسانية التي خاضها أفراد من عائلته، وأقاربه، وجيرانه، وأصدقائه، وزملائه، وعايشها وعاشها هو شخصيا. وما زلت محتارا كيف استطاع أن يفصل (ويكثف في الوقت نفسه) كل تلك التجارب في صفحات قليلة نسبيا، وبتلك اللغة الجميلة التي تبدو شاعرية في مشاهد، بقدر ما كانت حادة كالنصل في مشاهد أخرى!

لقد عنون بسام كتابه (جمر المحطات)، وفي رأيي ربما كان أقرب إلى الحقيقة أن يعنونه (محطات الجمر)، فلم تكن (قصصه) محطات فيها جمر كثير وحسب، بل كانت جمرا أخذت شكل المحطات! مع ذلك، لم تخل من لحظات الفرح والأمل، ودائما صاغتها الإرادة والصمود بما يقارب الأساطير. هذا الكتاب بكلمة هو إضافة قيمة تضاف ل”وثائقيات بسام الكعبي” التي طالما أتحف قراءه بها حتى أصبح علما في هذا الميدان. ينجح الكاتب ويجعلك تلهث خلفه ومعه في كل حركة يتحركها، وكل تفصيلة يذكرها، يأخذك إلى المعتقلات الإسرائيلية المنتشرة في فلسطين المحتلة، وفي حافلات الصليب الأحمر، وفي نقاط التفتيش، وفي لقاءات المعتقلين بذويهم، وكل ذلك معجون بمعاناة يكاد يعجز عنها الوصف.

وباختصار مخل أقول: خرجت من قراءتي للكتاب بثلاث نتائج: الأولى، جفاف في الحلق تكرر أثناء القراءة (يعني نشف ريقي أكثر من مرة). والثانية، أن هذا الشعب الفلسطيني جبار بالفعل، وهو إذ يتحمل كل هذا الذي يتحمله، ويظل قادرا على الصبر والصمود محتفظا بهذه الإرادة الصلبة منذ أكثر من سبعة عقود، لا بد أن ينتصر عاجلا أو آجلا … لا ريب.
أما النتيجة الثالثة، فهي أن هناك طريقة واحدة لتكوين فكرة جيدة عن الكتاب وما انطوى عليه من وقائع وعبر، وكذلك عن الرسالة النبيلة التي حملها… أقول هناك طريقة واحدة لا غير، هي قراءة الكتاب والتمعن في ما جاء فيه جملة وتفصيلا…
وأختم هذه العجالة لأسجل تقديري لهذا الجهد الكبير المبذول في هذا الكتاب، الصغير في حجمه، الكبير في مراميه ومردوده…

ع.ص
1/أيلول/2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق