مقالات

في كتابه ((جغرافية التوراة: مصر وبنو إسرائيل في عسير))،

بقلم الكاتب الصحفي/ نبهان خريشة

في كتابه ((جغرافية التوراة: مصر وبنو إسرائيل في عسير))، يتناول الباحث زياد منى قضايا ومعضلات جغرافية مرتبطة بالعهد القديم، في إطار ما يسمى بـ”جغرافية التوراة”، وهو فرع من “علم نقد التوراة”، الذي يبحث ويحلل الكتب اليهودية والمسيحية المقدسة، مثل محيطها الجغرافي والتاريخي والنقد االلغوي والديني المقارن، ويعمل منى في كتابه هذا على محاولة تصحيح جغرافية التوراة بالإرتكاز على منهج المؤرخ اللبناني كمال الصليبي، الا أنه لم يحصر بحثه على عسير فقط كما فعل الصليبي، بل عالج جغرافية اليمن، واهتم أيضا بما سماه بإقليم مصر في جزيرة العرب …
ويمكن تسجيل الملاحظات التالية على الكتاب في هذه العجالة:

(1) يعتمد منى على فقه اللغة المقارن، كظاهرة قلب واستبدال حروف المفردات، مثل: مفردة “كرع” ومقلوبها “ركع”، والمترادفات مثل: “إسحق”هو اسم النبي بالعربية، يقابله “تسحاق” بالعبرية بمعنى ضحك، ويخلص منى الى أن مرادفه العربية ينبغي أن يكون “الضحاك”، وهو اسم علم بالعربية.. ويقول كذلك إن مرادف اسم “موسى” بالعربية يقابله “المنتشل” بالعبرية.

(2) يستنتج منى أنه من غير المستبعد، أن فراعنة مصر القديمة أثروا على جزيرة العرب وسيطروا عليها، لقطع الطريق على أعدائهم البابليين والآشوريين، الذين كان دوما يسعون للتوسع والسيطرة على الطرق التجارية المارة في الإقليم العربي، وبالطبع فإن هذا وارد، ولكن تحويل التأثير والسيطرة في فترات زمنية محددة إلى اندماج حضاري بين الإقليمين ليس دقيقا.

(3) في نقاشه لقائمة الشعوب المذكورة في التوراة، يقول منى إن “الكوشيين” في الحبشة الذين غزوا أو سيطروا على أجزاء من الحجاز واليمن وعسيرهم هم كوشيون العرب، يطلق عليهم إسم “عرب الجنوب”، مستدلا بذلك على ما ورد من ذكر الأغنام والجمال والخيم التي غنمتها مملكةُ يهوذا.. ولكن الجمال والغنم والخيم لم تكن حكرا على العرب أنذاك إذ أن غالبية شعوب الشرق تعيش حالة البداوة في تلك الأزمنه..

(4) منهجية زياد منى التي تعد إمتدادا لمنهجية كمال الصليبي، لا يمكن تصنيفها في إطار “النقد التوراتي” الذي يستهدف التوراة نقدا جذريا، للكشف عن أنها متناقضة وخرافية ولاتاريخية… ومنهجية منى والصليبي وإن شككت في مقاطع بالتوراة الا أن هذا التشكيك صوتي لغوي، في محاولة منهما لبناء جغرافية تاريخية جديدة للتوراة، بدلا من القديمة..
وعلى الرغم من نقاط الضعف في هذه المنهجية الا أنه تفتح الباب واسعا على اعتماد مناهج لا تقتصرعلى المقاربات والمقارنات اللغوية والصوتية فقط، بل البحث بعلاقات جزيرة العرب الجغرافية والتاريخية، لكشف العلاقات على مدى قرون التي لا تزال تخبئ الكثير من الأسرار، التي لا تكفي منهجية المقارنه اللغوية لإزالة طبقات الأتربة التي تغطيها دون علم الآثار ..
بقلم الكاتب الصحفي/ نبهان خريشة
Nabhan Khraishi

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق