مقالات

القانون الدولي يعترف صراحة بمشروعية حركات المقاومة بقلم : الدكتور حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

إن القانون الدولي اعترف صراحة بحركات المقاومة المنظمة كهيئات دولية مشروعة واعترف بكل حقوق المحاربين وأكثر من ذلك فقد اعترف للشعب القائم في وجه العدو وحتى ولو لم يكن منظما بنفس الحقوق.

فحركات المقاومة الشعبية المنظمة تخضع إلى نفس القواعد التي تحكم الحرب البرية في القانون الدولي اتفاقية لاهاي لعام 1907 م ولائحة الحرب البرية المرفقة بها واتفاقية جنيف المعقودة في 27/تموز/1929م واتفاقيات جنيف الأربع المعقودة في 12/آب/1949م والإعلان العالمي لحقوق الإنسانالصادر عام 1948م.

ويخضع الأطراف المختصون في هذه المواثيق الدولية المذكورة أعلاه من حيث الالتزام والتنفيذ والمسؤولية إلى ذات القواعد المحددة للمخالفات والعقوبات فيها والى قواعد العقوبات الأخرى المدونة في تصريح موسكو لعام 1943م واتفاقية لندن لعام 1945م وأحكام محكمة نورمبرغ الدولية وميثاق هيئة الأمم المتحدة .

يقول بورتاليس الحرب هي العلاقة بين دولة ودولة وليست صراعا بين مواطني هاتين الدولتين لان حالة العداء تقوم بين الدولتين المتحاربتين أصلاولا تقوم بين مواطنيها إلا بشكل عرضي وبصفتهم مدافعين عن الدولة الخصم لا بصفتهم من مواطنيها.

وفي مدونته الخاصة بالقانون الدولي صاغ الفقيه الألماني بلونتشلي هذه القاعدة الهامة منذ أكثر من قرن بالعبارة التالية ” الحرب هي علاقة  بين الدول وليس بين الأفراد . الدول المتحاربة هي متعادية بالمعنى الدقيق للكلمة. مواطنو هذه الدول ليسوا أعداء لا فيما بينهم ولا بالنظر إلى الدولة الخصم.

وانطلاقا من هذا المفهوم الخاص لعلاقة العداء يجب أن يحاول الطرفان المتحاربان ألا يحملا الضرر لمواطني الخصم إلا ضمن أضيق الحدود وفي ما لا يمكن تجنبه . وتقوم كل دولة بالحرب ضد الأخرى مستخدمة بعض وسائطها البشرية والمادية . وهذا القسم من الوسائط البشرية والمادية الذي يستخدم في الحرب هو الذي يتمتع الخصم بحق استخدام وسائل العنف والتدمير ضده.

وأما بقية الوسائط البشرية والمادية التي لا تستخدم في الحرب (مثل المواطنين المدنيين والأملاك الخاصة ) فيجب أن يحاول الخصم عدم المساس بها ما أمكن ذلك. وبكلمة أخرى يمكن القول انه يوجد في كل دولة من الدول المتحاربة مواطنون محاربون وهم أفراد القوات المسلحة ومن في حكمهم . ومواطنون غير محاربون وهم المواطنون المدنيون ومن حكمهم (مثل الشيوخ والنساء والأطفال والعجزة .. الخ).

ومن اصل هذه الفئات جميعا لا يحق للعدو أن يوجه وسائط قتلة وتدميره إلاتجاه فئة المقاتلين فقط , وبالمقابل لا يحق لغير هؤلاء المقاتلين مبدئيا أنيشتركوا في الحرب ضد العدو وذلك لئلا تعود الحرب من جديد صراعا بين الأفراد لا بين الدول فقط . وبالرغم من اختلاف المعاملة بين فئتي المقاتلين وغير المقاتلين من أفراد القوات المسلحة, فان المادة الثالثة من لائحة الحرب البرية قد أعطت الفئتين الحقوق الممنوحة لأسرى الحرب إذا سقطوا في أيدي العدو , حيث تنص المادة على أن القوات المسلحة للأطراف المتحاربة يمكن أن تتشكل من مقاتلين وفي حال الأسر من قبل العدو, يتمتع هؤلاء وأولئك بمعاملة أسرىالحرب .

وأما غير المحاربين كالمواطنين المدنيين مثلا فلا يحق لهم مبدئيا الاشتراك في أعمال العداء ضد العدو وذلك مقابل أن يحاول العدو جهده وعدم المساس بهم في عملياته العسكرية ضد المحاربين.

فقوانين وحقوق والتزامات الحرب لا تطبق فقط على الجيش ولكن أيضا على الميليشيات ووحدات المتطوعين الذين تتوفر فيهم الشروط التالية:-

يكون لهم رئيس مسئول.

أن يحملوا علامة مميزة ظاهرة.

أن يحملوا سلاحهم علنا.

أن يلتزموا في نضالهم بقوانين وأعراف الحرب.

وقد جاءت هذه الشروط الأربعة لأول مرة في ( تعليمات الجيش الأمريكي)التي وضعها العالم فرانسيس ليبر للرئيس أبراهام لنكولن سنة 1863م ثم تكررت في مشروع بروكسل لعام 1874م وفي وجيزا وأكسفورد لعام 1880م قبل آن تنص عليها المادة الأولى من لائحة الحرب البرية لعام 1899م ثم لعام 1907م.

وإذا توفرت هذه الشروط المذكورة أعلاه  في أي منظمة عسكرية أو شبه عسكرية فان هذه المنظمة تتمتع بنفس المعاملة المقررة للقوى المسلحة (وان كان أفرادها ليسوا بالأصل عسكريين محترفين) وذلك مهما اختلف الاسم المعطى لها.

حيث في هذا المجال يقول بلونتشلي بوضوح أن وحدات المتطوعين يجب أنتعامل كجنود العدو النظاميين لما يكون أفرادها منظمين بصورة عسكرية ويقاتلون لأجل أهداف سياسية حتى لو كان ذلك بدون موافقة صريحة من الدولة التي يتبعون لها.

والغاية من الشروط الأربعة المذكورة أعلاه هي أن يتمكن الخصم تمييزالمحاربين من غير المحاربين والاحتراس بالتالي من رجال المقاومة والثوار طالما أنهم اختاروا الانسلاخ من زمرة غير المحاربين لينضموا إلى زمرة المحاربين من جهة والتمييز بين زمر الثوار التي تقاتل العدو وبدافع من وطنيتها وعصابات الأشقياء التي تقاتله بدافع السلب والنهب من جهة ثانية .

وقد كان فقهاء وشراح القانون الدولي في أوائل هذا القرن يرفضون الاعتراف بصفة المحاربين لجماعات المقاتلين الثوار إذا كان أفرادها لا تتوفر فيهم هذه الشروط الأربعة وكان يعطون للسلطة المعادية التي تضع يدها عليهم الحق في أن تعتبرهم من قبيل المقاتلين غيلة ويترتب على ذلك عدم تطبيق مبادئ أسرى الحرب عليهم ومعاملتهم بقسوة تتناسب مع درجة الضرر الذي سببوه لها .

ولما عمت الحرب التحريرية العالم خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها نازع عدد كبير من فقهاء القانون الدولي الجدد في واقعية هذه الشروط الأربعة وخاصة فيما يتعلق بالشرطين الثاني والثالث منها إذ كيف يعقل أننطلب من العدائي أو الثائر أو المقاوم المرسل بمهمة سرية تفجير مخزن أسلحة مثلا أن يميز نفسه بشارة خاصة أو أن يحمل سلاحه بشكل ظاهر في ارض يحتلها جند العدو مع علمنا الأكيد أن في ذلك هلاكه المحتم ؟ لذلك نجد انه بالرغم من أن اتفاقيات جنيف لعام 1949م قد تبنت هذه الشروط الأربعة ( مع بعض الضمانات التي منحتها للثوار في المادة الثالثة ).

فان الفقه والتعامل الدوليين قد اسقطا من الاعتبار الشرطين الثاني والثالث من هذه الشروط واكتفيا بان يكون هؤلاء المقاتلون منظمين وتابعين لقيادة مسئولة (الشرط الأول) وان يلتزموا في نضالهم بقوانين وأعراف الحرب (الشرط الرابع ) لكي يستحقوا صفة محاربين ويصبح لهم الحق بمعاملتهم كأسرى حرب إذا سقطوا في أيدي العدو .

وقد تبنى الفقيه السويسري بول جوجنهايم رأيا في معرض معاملة الثوار حيث يقرر انه يحق لجماعات الثوار أن يأخذوا صفة المحاربين إذا كان شن الحرب أمرا في مقدرتهم وإذا أقاموا نظاما قانونيا يخضع للنظام القانون الدولي مباشرة .

إذن فقد جرت الدول الأعضاء والأعراف الدولية منذ القرن التاسع عشر على اعتبار القوات المتطوعة والشعب القائم في وجه العدو حركات مقاومة شعبية منظمة واعتبرت أفرادها بحكم المحاربين وقضت لهم بكل حقوق المحاربين عند الوقوع في الأسر أو عند الإصابة بالجراح . وعلى هذا أيضا جرى اجتهاد الفقه الدولي وإجماع شراح القانون الدولي .

إذن بعد كل ما تقدم أعلاه فحركة المقاومة الفلسطينية منسجمة كل الانسجام مع جميع الشروط اللازم توفرها لحركات المقاومة بمقتضى المادتين الأولىوالثانية من لائحة لاهاي للحرب البرية لعام 1907 والمادة الرابعة من الاتفاقية الثالثة من اتفاقية جنيف لعام 1949م .

وهي تبعا لذلك حركة مشروعة يجب اعتبار أفرادها في حكم القوات النظامية بالنسبة للقانون الدولي ويجب امتداد صفة المحاربين إلى أسراهم وجرحاهم لان التقيد بالتزام قوانين الحرب من قبل حركة المقاومة الفلسطينية كان شرطا أساسيا من شروط شرعيتها وقانونيتها وتمتعها بحقوق المحاربين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق