مقالات

الخطة الخماسية للسكان العرب في إسرائيل

imageفي 30 كانون الاول 2015 تبنت حكومة إسرائيل بالاجماع خطة خماسية (2016 ـ 2020) للوسط العربي، بكلفة مقدرة تصل حتى 15 مليار شيكل. وتتناول الخطة مجالات عديدة وستمول من ميزانيات الوزارات الحكومية. ويتعلق القرار بشكل عام بتغيير آليات التمويل القائمة وليس بحجم الميزانية بعمومها. وستكون مسؤولة عن التطبيق وزارة المساواة الاجتماعية، التي ستقود لجنة توجيه من وزارات متنوعة، فيما يكون كل وزير مسؤولا عن تنفيذ الخطة في مجال مسؤوليته، وقسم الميزانيات في المالية. وسيدعى إلى جلسات اللجنة بشكل دائم رئيس لجنة رؤساء السلطات العربية. وتوجد معظم الميزانيات المخصصة لتطبيق الخطة منذ الان في اساس ميزانية 2016. اما الباقي فستقره اللجنة المالية في اطار التغييرات على ميزانية 2016.
المجالات المركزية التي تتناولها الخطة:
1. التعليم: تم التشديد على تأهيل وتطوير مهني لموظفي التعليم، رفع مستوى الانجازات التعليمية وتوسيع التعليم غير الرسمي. ويفترض بوزارة التعليم ان تضع خطة تتضمن اهدافا لتحسين اتقان التلاميذ للغتين العربية والعبرية ورفع معدل المستحقين للثانوية العامة البجروت في الرياضيات في مستوى 4 ـ 5 وحدات تعليم. وفي مجال التعليم العالي ستتخذ خطوات لزيادة معدل الطلاب العرب، بحيث يصل في 2021 إلى 17 في المئة من الطلاب لدرجة البكالوريوس، إلى 12 في المئة من الطلاب لدرجة الماجستير والى 7 في المئة من الطلاب لدرجة الدكتوراة. ولا يتضمن قرار الحكومة الميزانيات للتعليم، ولكن فيه تناولا للاهداف التي يتعين على وزارة التعليم ان تضعها. وذلك، استنادا إلى فكرة الانتقال إلى الميزانية التفاوتية، التي ادخلت في ميزانية وزارة التعليم وذات الصلة اساسا بالبلدات العربية.
2. العمل: يتم تحويل 50 في المئة من ميزانيات مسار العمل للسكان الذين تعد مشاركتهم في قوة العمل متدنية، لغرض تحفيز ارباب العمل على تشغيل عاملين من سكان الاقليات وفي ظل تفضيل النساء والبدو. كما سيتم ضمان مخصص سنوي لبناء حضانات نهارية في بلدات الاقليات بمعدل 25 في المئة على الاقل ويتم توسيع مجال الحضانة لدى العائلات. نحو 20 في المئة من الميزانية الاساس لفروع وكالة الاعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة ستخصص لسكان الاقليات ابتداء من 2018 وستخصص مقدرات لمواصلة تشجيع الاعمال الصغيرة والمتوسط في البلدات العربية.
3. المواصلات: سيتم تطبيق قرار حكومي سابق يقضي بان يخصص 40 في المئة من الزيادات في خدمات المواصلات العامة، او 100 مليون شيكل في السنة ـ الاعلى بين الاثنين ـ في صالح المواصلات العامة في بلدات الاقليات، حتى تتم مساواة مستوى تغطية المواصلات. كما سيتم تبني اهداف للمساواة الكاملة لمستوى خدمات المواصلات العامة بين البلدات اليهودية وبلدات الاقليات المتشابهة حتى العام 2022.
معنى الخطة:
1. تغيير آليات المخصصات: هذا التغيير قد يكون السابقة الابرز والاهم في الخطة الجديدة. فيه اعتراف علني وواضح من حكومة إسرائيل بالظلم المتواصل في المخصصات للسكان والبلدات العربية. والميل البارز في هذه الخطة هو السعي إلى التوازي في المخصصات لسكان الاقليات مقارنة بسكان الاغلبية. هذان العنصران يمكنهما وينبغي لهما أن يعكسا صورة سياسية اساسية يتوجب أن يتم فحصها على مدى الزمن. فتبني حكومة إسرائيل للخطة، وهي حكومة يمينية، في فترة توتر متصاعد بين السكان اليهود والعرب في إسرائيل، يشير إلى الوعي بان تحسين وضع السكان العرب هو مصلحة اقتصادية واجتماعية مشتركة للوسطين. هذا الفهم، الذي له جذور في الماضي وفي اوساط اناس بارزين في القيادة الإسرائيلية، يبرز بينهم الرئيس ريفلين، يعتقد ان تعزيز السكان العرب ـ إلى جانب السكان الاصوليين ـ هو أمر حيوي للازدهار الاقتصادية لدولة إسرائيل. والتأييد الذي يناله هذا النهج في المستوى السياسي والمهني على حد سواء، ولا سيما في اوساط الموظفين الكبار في المالية وغيرها من الوزارات الحكومية، يمكنه ان يساعد في التصدي المستقبلي لمصير الخطة وتطبيقها. ينبغي الاشارة إلى أن أمير ليفي، رئيس قسم الموازنات في وزارة المالية، وايمن سيف، مدير سلطة التنمية الاقتصادية في وسط الاقليات في وزارة المساواة الاجتماعية ورجالهما كانوا المبادرين والمحفزين الاساسيين للخطة وعملهم المتواصل هام لتطبيقها عمليا.
2. حجوم التغيير بمقاييس الميزانية للوسط العربي: يمكن ان نفسر معنى الخطة بطريقتين. الاولى ـ تغيير كبير في السياسة، ينبع من أن حجم الخطة كبير حتى عشرين ضعف فأكثر من الخطط الخماسية السابقة للوسط العربي. فالحديث يدور عن مخصص يشكل 1.3 في المئة من الناتج في السنة. الجديد بالغ الاهمية حتى لو كان الانفاق عمليا لم يصل إلى كامل المبلغ موضع الحديث الذي هو 15 مليار شيكل في خمس سنوات. اما التفسير الثاني ـ فالخطة في اساسها هي وصفة مختلفة لتخصيص الميزانيات للجمهور العربي، بشكل يناسب نصيبهم بين السكان، وفي حالات معينة اتباع التمييز التعديلي وذلك، دون زيادة عامة في الميزانية وبشكل يفتح المجال لعدم تطبيقها. ويجدر التشديد إلى أنه صحيح حتى الان، لا تضيف الخطة للميزانية القائمة التي اقرت في الكنيست الـ 19 في تشرين الثاني 2015، بل تشكل تحسينا في الوزن النسبي لميزانية الجمهور العربي.
3. التطبيق: ليست هذه هي الخطة الشاملة الاولى للسكان العرب. مثل تلك التي وضعت في عهد ايهود باراك كرئيس للوزراء، وخرجت إلى حيز التنفيذ بشكل جزئي، هناك امكانية ان يكون تطبيقها جزئيا ايضا، بل وجزئيا جدا. وذلك اساسا في ضوء عدد الاشتراطات التي وضعت امام تطبيقها، وبينها قول رئيس الوزراء بان كل الميزانية في فصل السكن سيشترط بانفاذ القانون، بالبناء القانوني وبالبناء متعدد الطوابق.
ليس واضحا بعد ما معنى هذه الاشتراطات وهل ستستخدم لتبرير التطبيق الناقص. كما أن القاء المسؤولية المزدوجة على وزارة المساواة الاجتماعية ووزارة المالية من جهة، وعلى الوزراء المتخصصين من جهة اخرى، لن يسهل على الحكومة تطبيق الخطة بكاملها.
4. المعنى الاقتصادي: الموقف الشامل من مجالات التقدم جدير لان مشاكل الجمهور العربي متداخلة ومتعددة الابعاد. ولكن مدى التغيير الذي ستحققه الخطة منوط بمستوى تطبيقها وبنجاعة اداء عناصر الاصلاحات وكذا التحديد المسبق للاهداف ومقاييس واضحة ومفصلة للنجاح وفحصها على مدى الزمن. اما مسألة العلاوات في الميزانية او الميزانيات الاستثنائية في صيغها القائمة المتعلقة بالجمهور العربي فستؤثر على جوانب هامة في الاقتصاد.
5. تأثير البيئة السياسية. يبدو أن في اساس اقرار مثل هذه الخطة الواسعة من جانب حكومة يمينية كان خليط من النشاط الحثيث للمستويات المهنية مع اعتراف باهميتها لازدهار إسرائيل وامنها الداخلي. وذلك إلى جانب التغيير الهام الذي طرأ على نهج وانماط عمل معظم النواب العرب وعلى رأسهم النائب ايمن عودة، الذي كان مشاركا شخصيا في وضع الخطة، إلى جانب جزء من نواب القائمة المشتركة ورئيس لجنة المتابعة العربية. وهكذا عبر الامر باخلاص عن نهج اغلبية الجمهور العربي كما اشارت نتائج استطلاع الرأي العام الذي اجراه مؤخرا معهد بحوث الأمن القومي في اوساط الجمهور العربي في إسرائيل. فقد اشار 69 في المئة من المستطلعين إلى موضوع المساواة في الحقوق للعرب بانه هو الاهم (مقابل 30 في المئة اشاروا إلى الحل لحقوق الشعب الفلسطيني كالموضوع الاهم). تفسير آخر، مشكوك فيه اكثر هو ان الخطة اقرت لان الوزراء فهموا بان هذه ليست زيادة في الميزانية وانهم هم الذين سيوجهون في نهاية المطاف التطبيق للخطة وان الخطط الخماسية في حالات عديدة لا تطبق بكاملها. واضح أن مصير الخطة عمليا سيناط في نهاية المطاف باعتبارات سياسية وبمدى الالتزام بها من جانب رئيس الوزراء.
اذا طبقت الخطة باغلبها وبنجاعة معقولة، يمكنها أن تشكل اساسا منيعا لتحسين حقيقي للوضع الاقتصادي والاجتماعي للعرب في إسرائيل.
هكذا يتاح دمج مناسب لخمس سكان الدولة في الجهد الانتاجي الإسرائيلي ليساهم في الارتفاع الكبير في الانتاج الاقتصادي. هكذا يزيد تطبيق الخطة المساواة بين القطاعات المختلفة، يؤثر ايجابا على نسيج العلاقات المشحونة بين الفئات السكانية، يقلص الاغتراب بينها ويحسن الأمن الشخصي والنظام العالمي. ان الفرصة الاستراتيجية الكامنة في التطبيق الكامل للخطة تبرر التأييد الكامل وغير المشروط لها، دمج القيادة العربية في اخراجها إلى حيز التنفيذ والتزام حكومي متواصل بتطبيقها.

مقالات ذات صلة

إغلاق