الرئيسية

هارتس تكشف مسودات “وثيقة الاطار” الامريكية التي اعدها كيري ورفضها عباس

كشفت صحيفة “هآرتس” وثائق تقول انها وصلتها، وتتضمن تفاصيل جديدة حول الجهود التي بذلتها ادارة براك اوباما لدفع العملية السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين في 2014. وحسب الصحيفة فانه من الممكن لهذه الوثائق التي تنشر لأول مرة، ان تخدم ادارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، الذي يفحص حاليا كيفية استئناف المفاوضات بين الجانبين، ويريد عقد “الصفقة النهائية” بين اسرائيل والفلسطينيين.

والوثائق المقصودة هي مسودتان لـ”وثيقة الاطار” الأمريكية، التي صاغها وزير الخارجية جون كيري، على امل ان تشكل قاعدة للمفاوضات على الاتفاق الدائم بين الطرفين. وقد كتبت المسودة الاولى في منتصف شباط 2014، والثانية في منتصف آذار 2014، وتعكسان مواقف ادارة اوباما، لكنهما تعتمدان على قناة محادثات سرية اجراها في 2013 المبعوث الخاص لرئيس الحكومة نتنياهو لعملية السلام، المحامي يتسحاق مولخو، ومستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، د. حسين آغا. وقال مسؤولون امريكيون كبار في الادارة السابقة لصحيفة “هآرتس” ان نتنياهو رغب بن تأخذ الادارة الامريكية نتائج قناة الحوار هذه، وتعيد قولبتها في وثيقة أمريكية يتم عرضها على الجانبين.

وقد كتبت مسودة الوثيقة الاولى قبل يومين من اللقاء بين كيري وعباس في باريس. في حينه عمل الطاقم الامريكي بشكل حثيث مع جهات من ديوان نتنياهو، على صياغة الوثيقة. وكان الأمريكيون يأملون بأن ينجحوا مع الاسرائيليين بصياغة نص يكون مقبولا على نتنياهو، ومن ثم عرضه على عباس، وبالتالي نقل المفاوضات الى مرحلة الحديث عن الاتفاق الدائم.

وتعاملت الوثيقة التي تم التوصل اليها مع كل القضايا الجوهرية للصراع. وتحدد بأن رؤية الدولتين يجب ان تعتمد على الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، الى جانب فلسطين كدولة قومية للشعب الفلسطيني.

ويتفق هذا الموقف مع المطلب طويل السنوات الذي يطرحه نتنياهو امام الفلسطينيين لكي يعترفوا بالطابع اليهودي لإسرائيل. ومن جهة اخرى، كتب في الوثيقة بشكل واضح ان هذا الاعتراف سيتم فقط في حال الحفاظ على الحقوق الكاملة للأقليات الدينية والقومية.

في موضوع الحدود، تحدد الوثيقة ان “الحدود الجديدة، الآمنة والمعترف بها دوليا، لإسرائيل وفلسطين ستطرح للتفاوض على أساس خطوط 67، مع تبادل للأراضي يتم الاتفاق عليه من قبل الجانبين، ويتم تحديد حجمها ومكانها خلال المفاوضات، بحيث تقوم فلسطين على مساحة تتفق في حجمها مع المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة المصرية والاردنية قبل الرابع من حزيران 1967، ومع تواصل اقليمي في الضفة الغربية”. كما كتب في الوثيقة ان تعديل الحدود يتفق مع “التطورات على الأرض” ومع المطالب الأمنية الاسرائيلية.

وحسب مسؤولين سابقين، من الولايات المتحدة واسرائيل، فان هذا النص كان مقبولا على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كقاعدة للمفاوضات. بل ان دوري غولد، الذي كان مستشارا سياسيا لنتنياهو في حينه، قال مؤخرا، ان نتنياهو وافق على تقبل وثيقة الاطار كلها كقاعدة للمفاوضات.

مع ذلك، يظهر في الوثيقة الداخلية بالذات، تحفظ لنتنياهو طلب فيه عدم شمل البند الذي يتحدث بشكل واضح عن التواصل الاقليمي الفلسطيني في الضفة. وقد رفض الأمريكيون هذا التحفظ بادعاء انه يفرغ كل موضوع الحدود من مضمونه. وعلمت “هآرتس” ان نتنياهو تحفظ، ايضا، على التحديد بأن تبادل الأراضي بين الجانبين سيكون على أساس 1-1، ويبدو انه في هذا الموضوع، ايضا، عارضت واشنطن تحفظه.

في موضوع القدس، تحدد الوثيقة التي كتبت في شباط، ان المدينة لا تقسم في الاتفاق المستقبلي، ولم تتضمن أي ذكر لعاصمة فلسطينية في القدس الشرقية. وذلك بعد اصرار الجانب الاسرائيلي على ذلك. وكتب فقط انه يجب تسوية موضوع القدس في المفاوضات، وان الجانبان يطمحان الى الحصول على اعتراف دولي بالقدس كعاصمة لهما. وعندما عرض كيري هذا النص على عباس في باريس، رد الزعيم الفلسطيني بغضب وقال انه لا يمكن لأي زعيم فلسطيني الموافقة عليه.

لقد اوضح رد ابو مازن للأمريكيين بأنه لكي يحصلون على رد ايجابي من الفلسطينيين، يجب عليهم تعديل الوثيقة، وبشكل خاص المسألة المتعلقة بالقدس. وكانت لدى عباس تحفظات اخرى، مثلا بشأن تحديد الوثيقة بأنه سيتم الانسحاب الاسرائيلي من اراضي الدولة الفلسطينية، من دون ان تحدد أي جدول زمني لذلك، بل كتب فيها انه يتم الاتفاق على ذلك بين الاطراف. وفي موضوع اللاجئين، حددت الوثيقة بأنه لن يسري “حق العودة” الى مناطق اسرائيل، وان الدولة الفلسطينية ستشكل الحل الرئيسي لهذه المشكلة، لكن اسرائيل توافق في المقابل، في حالات انسانية معينة، على دخول لاجئين فلسطينيين الى اراضيها، بناء على رأيها الخاص. ولم تتحفظ اسرائيل من هذا البند.

وبعد فشل لقاء كيري وابو مازن في باريس، قررت الادارة صياغة نص جديد لـ”وثيقة الاطار”. لكن هذا النص، وخلافا لنص شهر شباط، لم يتم تنسيقه مع الجانب الاسرائيلي، ولم يتقبل نتنياهو ما كتب فيه. وتم اعداد الوثيقة قبل لقاء اوباما وعباس في البيت الابيض في 16 اذار 2014، بعد اقل من شهر من لقاء باريس.

وقد كتبت الوثيقة الثانية في 15 آذار، قبل يوم من حضور عباس الى البيت الأبيض. ويمكن رؤية فوارق معينة بين الوثيقتين منذ الفقرة الاولى، حيث كتب بأن هدف المفاوضات هو “انهاء الاحتلال الذي بدأ في 1967”. وفي موضوع الحدود لا تشمل الوثيقة الثانية عبارة “حسب التطورات على الأرض” كما جاء في وثيقة شباط. كما تتعامل الوثيقة مع الاعتراف بكتل المستوطنات.

في موضوع الاعتراف بالدولة اليهودية، واصلت الوثيقة الثانية التحديد بأن هذا الاعتراف يكون جزء من كل اتفاق، ولكن في المقابل تحدد الوثيقة بأن مطالبة الفلسطينيين بهذا الاعتراف تأتي فقط بعد حل كل القضايا الجوهرية للصراع. من جهة يشكل هذا البند انجازا لنتنياهو، لأنه حتى في النسخة المناصرة للفلسطينيين يظهر بشكل واضح بند الاعتراف المتبادل. ولكن في المقابل، قدر الجانب الامريكي بأن هذا النص سيسهل على عباس الموافقة على هذا البند، لأن الأمر مناط بسلسلة من التنازلات الاسرائيلية.

الفارق الجوهري بين الوثيقتين يتعلق بالقدس. في الوثيقة التي كتبت في اذار، كتب بشكل واضح انه “من اجل تلبية احتياجات الطرفين، يحدد الاتفاق بأنه يجب الوصول الى وضع تكون فيه لإسرائيل ولفلسطين عاصمة معترف بها دوليا في القدس، بحيث تكون القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين. واما البلدة القديمة والاماكن المقدسة والاحياء اليهودية فيتم معالجتها في اطار مفاوضات الحل الدائم”.

وكانت الولايات المتحدة تأمل بأن يكون هذا النص المعدل في موضوع القدس كافيا للحصول على رد ايجابي من عباس، لكي يتسنى لهم تحويل الوثيقة الى نتنياهو. ولم تكن نيتها فرض أي من الوثيقتين على أي من الجانبين، وانما التوصل الى صيغة يوافق عليها الطرفان. لكن عباس لم يرد بالإيجاب على اقتراح اوباما، ولكنه لم يرفضه ايضا، وانما لم يسلم رده للولايات المتحدة. وكان لقاء آذار 2014 هي المرة الأخيرة التي دعاه فيها اوباما الى البيت الأبيض.

لقد ادعت جهات مسؤولة، امريكية وفلسطينية، بعد فشل الاتصالات بأن عباس تخوف من أن يوافق على اقتراح اوباما، ومن ثم يكتشف بأن نتنياهو رفضه. “انه لم يصدق بأن اوباما يستطيع فعلا الحصول على تنازلات من نتنياهو” قال مسؤول امريكي سابق لصحيفة “هآرتس”. واضاف: “ربما يصدق مع ترامب ان التنازلات الاسرائيلية ممكنة جدا”.

وادعى مسؤولون اخرون من الولايات المتحدة واسرائيل ان هذه القضية اثبتت بأن عباس لا يستطيع الالتزام باتفاق سلام، خاصة بسبب المصاعب السياسية الداخلية. لكن في السطر الاخير، لم يوافق لا نتنياهو ولا عباس على وثيقة كيري رسميا (نتنياهو اعرب عن موافقته على نص وثيقة شباط لكنه لم يوقع عليها ابدا، وفي انتخابات 2015 تراجع عن كل المواقف التي اعلنها خلال المفاوضات). ربما تحقق ادارة ترامب نجاحا اكبر في التوصل الى اتفاق بين الزعيمين على المسائل الجوهرية.

مقالات ذات صلة

إغلاق