الرئيسيةمقالاتمنظمة همسة سماء

بحث: لماذا نكتب العربية والعبرية من اليمين إلى الشمال وعلاقتهما التاريخية

الدكتورة فاطمة ابوواصل إغبارية

الكتابة من اليمين إلى الشمال في العربية والعبرية لها جذور تاريخية وتقنية تعود إلى بدايات تطوّر الكتابة، وكذلك إلى صلة القرابة بين اللغتين.

تتناول هذه الدراسة سبب كتابة اللغتين العربية والعبرية من اليمين إلى الشمال، بالإضافة إلى العلاقة التاريخية واللغوية بينهما باعتبارهما تنتميان إلى الأسرة السامية. يعتمد البحث على مراجع تاريخية ولغوية موثوقة.

أولًا: سبب الكتابة من اليمين إلى الشمال

1. الأصول التقنية: نشأت الأبجدية الفينيقية، التي تطورت منها الأبجديتان العربية والعبرية، في بيئة كانت أدوات الكتابة فيها بدائية (إزميل، قصبة، ريشة). وكان الكتّاب يمسكون الأداة باليد اليمنى، فيبدأون من اليمين لتجنب طمس النص بأيديهم.
2. الأصول التاريخية: النقوش الحجرية القديمة أظهرت أن الكتابة في المشرق القديم اتخذت اتجاه اليمين إلى اليسار كعرف متوارث.
3. الإرث الثقافي: ترسّخ هذا الاتجاه في النصوص المقدسة (التوراة، القرآن) وفي تقاليد الخط والفنون.

ثانيًا: العلاقة بين العربية والعبرية

1. الأصل المشترك: تنتمي اللغتان إلى الأسرة السامية وتطورتا من الأبجدية الفينيقية.
2. الجذور الثلاثية: تشتركان في بناء الكلمات على جذور ثلاثية، مثل الجذر ك-ت-ب (كتب/כתב).
3. النظام الصوتي: تحتويان على أصوات حلقية وحنجرية متشابهة (ع/ע، ح/ח، ق/ק).
4. النحو: كلاهما يستخدم أنظمة تصريف فعلية مشابهة، ويميزان بين المذكر والمؤنث.
5. المفردات المشتركة: هناك عدد كبير من الكلمات المتشابهة في اللفظ والمعنى، مثل سلام/שלום، بيت/בית.

جدول مقارنة بين العربية والعبرية

العنصر العربية العبرية
اتجاه الكتابة يمين → يسار يمين → يسار
الأصل الأبجدي الفينيقية الفينيقية
الجذور ثلاثية ثلاثية
أصوات خاصة ع، ح، ق ע، ח، ק
أداة التعريف الـ הـ

1. لماذا نكتب من اليمين إلى الشمال؟

عندما ظهرت أقدم أنظمة الكتابة في الشرق الأدنى (مثل الفينيقية والآرامية، التي تطورت منها العربية والعبرية)، كان الناس يكتبون على مواد بدائية مثل الحجر، الطين، أو الخشب.

وكانت أداة الكتابة غالبًا أزاميل معدنية أو عيدان مدبّبة، يمسكها الكاتب باليد اليمنى.

عند الحفر أو النقش، يكون أسهل للحرفي أن يبدأ من اليمين ويتجه إلى اليسار، بحيث يظل يده اليمنى خارج النص الذي كتبه للتو ولا يطمسه أو يحجبه أثناء العمل. هذه العادة التقنية ترسّخت عبر الأجيال حتى صارت قاعدة في تلك اللغات.

وبالعكس، اللغات التي تطورت لاحقًا مع استخدام القلم والحبر (مثل اليونانية واللاتينية) وجدت أن الكتابة من اليسار إلى اليمين أسهل، لأن اليد اليمنى لا تلطخ الحبر الجديد.

2. العلاقة بين العربية والعبرية

العربية والعبرية تنتميان إلى عائلة اللغات السامية، وهي فرع لغوي نشأ في الشرق الأوسط. وهذا يفسر التشابه الكبير بينهما:

  • الأبجدية: كلتاهما تستخدم أبجدية ذات أصول فينيقية، وتكتب من اليمين إلى اليسار.
  • الجذور الثلاثية: الكلمات تُبنى غالبًا من جذر ثلاثي (مثل ك-ت-ب في العربية، وك-ת-ב في العبرية، وكلاهما يعني “كتب”).
  • التشابه في المفردات: هناك مئات الكلمات المشتركة أو المتقاربة المعنى واللفظ (مثال: “سلام” بالعربية و”שָׁלוֹם” بالعبرية).
  • النحو: البنية النحوية متقاربة، خاصة في الأفعال وتصريفها والضمائر.
  • الأصل التاريخي: كلتاهما تطورت من لغات سامية أقدم كالآرامية والكنعانية

إليكم  صورة مقارنة غنيّة بين الحروف العربية والعبرية (إلى جانب السريانية واليونانية)، تسلّط الضوء على أوجه التشابه البصريّة والتنمية التاريخية المشتركة.

أولًا: لماذا تُكتب العربية والعبرية من  اليمين إلى الشمال

1. الأصول التقنية والتاريخية

  • الخطّ العربي والعبري نشأا من الأبجديّة الفينيقية، الأولى التي اعتمدت التدوين الأفقي من اليمين إلى اليسار، بخلاف الأنظمة القديمة متعددة الاتجاه أو الرأسيّة  .
  • يُرجّح أن الطريقة المبكرة للكتابة على الحجر، الطين، أو العاج باستخدام أدوات كالإزميل أو الريشة دفعت الكتاب، خاصة إذا كانوا يمينيين، ليكتبوا من اليمين باتجاه اليسار لتجنّب طمس النص بيدهم أثناء الكتابة  .
  • تقليد “boustrophedon” (الكتابة ذهابًا وإيابًا)، ظهر في النقوش الأقدم قبل أن يشق مساره النظام الثابت من اليمين إلى اليسار  .

2. استمرار الإرث الثقافي

بمرور الزمن تبنّت اللغات السامية مثل العربية والعبرية اتجاه الكتابة هذا، حيث رسّخته عادات الخطّاء والتقاليد الدينية والفنية، خصوصًا في نصوص مثل القرآن والتوراة والمخطوطات القديمة. حتى بعد الانتقال إلى الورق والحبر، ظل الاتجاه نفسه معمولًا به بسبب اعتبارات جمالية وثقافية، كالأدَب في الخط العربي  .

ثانيًا: ما العلاقة بين العربية والعبرية؟

العربية والعبرية تنتميان إلى الأسرة السامية، ولهذا تتشاركان في العديد من السمات اللغويّة والنحويّة:

1. نظام الكتابة المشترك

  • كلتاهما تطورتا من الأبجدية الفينيقية، وتستخدمان نظامًا “أبجديًا” (abjad)، حيث تُكتب عادة الحروف وتهمل الحركات (الحركات تُضاف لاحقًا إن لزم الأمر)  .
  • توجد أنظمة ترقيم للحركات مثل “نِقّود” في العبرية و”تشكيل” في العربية  .
  • الحروف تتغيّر شكلها حسب موقعها في الكلمة: العبرية تستخدم أشكالًا نهائية لبعض الحروف، والعربية لها صيغ متصلة (بداية، وسط، نهاية، منفصل)  .

2. الأصوات والنظام الصوتي

  • هما من اللغات الحنجرية الممتازة (guttural)، مثل ع/ע (ʿayn), ح/ח (ḥāʼ/ḥet), ق/ק (qāf/qof)  .
  • تستخدم الحروف الأساسية a, i, u، ويمكن أن تكون قصيرة أو طويلة  .

3. الجذور التثليثية (Triliteral roots)

  • الكلمات مبنية على جذور ثلاثية (مثلاً “k-t-b” في الكتابة)، وتُستمد كلمات متعددة من الجذر نفسه باستخدام تصريفات مختلفة  .
  • أمثلة: العبرية כְּתוּבָה (ketubah – وثيقة مكتوبة)، العربية كِتَاب (kitāb – كتاب)، من الجذر k-t-b  .

4. القواعد النحوية المشتركة

  • تصريف الأفعال على أساس الجذر. الماضي يُصاغ بإضافة لاحقات، والمستقبل بإضافة بادئات (مثلاً: Heb: כָּתַבְתִּי / أرسم “كتبت”، Arb: كَتَبْتُ)  .
  • أدوات التعريف: العبرية “ה-” (ha-)، العربية “ال-” (al-)  .
  • كلاهما تفرّق بين الجنس والعدد في الأسماء والصفات، ويعتمدان على أنظمة نحوية متقاربة  .

5. مفردات متقاربة أو مشتركة

  • الكثير من الكلمات متقاربة في الشكل والمعنى، مثل: بيت/بيت، يد/يَد، سلام/שלום، ملك/מלך، كتاب/סֵפֶר (كتاب و sefer)  .
  • لكن تطوّر كل لغة جعل هناك تبايُنًا واضحًا في المفردات الحديثة: العبرية تأثّرت بالأوروبية، والعربية تأثّرت بالفارسية والتركية واللغات الأخرى  .

6. فروقات لغوية مهمة

  • العبرية تستخدم ترتيب فعل – فاعل – مفعول (VSO) أو أكثر فاعل – فعل – مفعول (SVO) في المتحدث الحديث، بينما العربية أكثر مرونة في ترتيب الجملة  .
  • العبرية فقدت نظام الحالات، بينما العربية تحتفظ بها: للإعراب (نصب، رفع، جر)  .
  • في التصريفات، العربية أعقد مع عشر صيغ للفعل، بينما العبرية لديها سبع أشكال رئيسية فقط (binyanim)  .

7. فروق صوتية وتطور صوتي

  • هناك ما يُعرف بـ Canaanite shift: في العبرية القديمة، تحوّل حرف “ā” إلى صوت أكثر قربًا من “ō”، بينما احتفظت بها العربية. مثال: שלום (shalom) بالعبرية، مقابل سلام (salām) بالعربية  

العربية والعبرية (ما يشتركان فيه)

اتجاه الكتابة

من اليمين إلى الشمال (تقليد تقني وتاريخي وراثي)

الأصل الأبجدي

من الأبجدية الفينيقية (أبجدية أبجدية – تُكتب الحروف غالبًا بلا حركات)

الجذور والجذور الثلاثية

نظام جذور ثلاثية مشترك، تصريفات وكلمات مترابطة على الجذر نفسه

النظام الصوتي والنحوي

أصوات حنجرية مشتركة، تصريفات نحوية مماثلة، أدوات تعريف متقاربة

فروق حديثة

اختلاف في المفردات الحديثة، ترتيب الجملة، وجود حالات وإعراب في العربية فقط

تطور صوتي

تحول صوتي متباين (مثل Canaanite shift في العبرية

1. من حيث الجذور التاريخية

  • كل من العربية والعبرية تنتميان إلى اللغات السامية، وأصلُهما يعود إلى لغة سامية أم أقدم (السامية الأم) التي كانت موجودة قبل أكثر من 4000 سنة.
  • العبرية ظهرت كلغة كنعانية في فلسطين التاريخية قبل حوالي 3000 سنة، وتطورت من الكنعانية/الفينيقية.
  • العربية بشكلها القديم (العربية الشمالية القديمة) كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية على شكل لهجات بدوية قبل الميلاد، لكن العربية الفصحى المدوّنة لم تتبلور إلا في القرون القليلة السابقة للإسلام (القرن الرابع–السادس الميلادي).

2. من حيث النصوص المكتوبة

  • أقدم نصوص عبرية مكتوبة ترجع إلى القرن العاشر قبل الميلاد (مثل نقش سلوان، ونقوش اللاخيش).
  • أقدم نصوص عربية مكتوبة ترجع إلى القرن الرابع الميلادي (مثل نقش النمارة سنة 328م).

الخط الزمني

الحقبة التاريخية

التطور اللغوي العام

العبرية

العربية

قبل 4000–5000 سنة

السامية الأم: لغة بدائية مشتركة في الهلال الخصيب والجزيرة العربية

لم تكن موجودة بعد، بل كانت جزءًا من السامية الأم

نفس الشيء

حوالي 2000–1500 ق.م

تفرع اللغات السامية إلى شرقية (أكادية) وغربية (كنعانية، آرامية، عربية قديمة)

ظهور لهجات كنعانية مبكرة (أساس العبرية)

العربية الشمالية القديمة تبدأ في التكوّن بلهجات قبلية

القرن 12–10 ق.م

ازدهار الكنعانية والعبرية كلغات منطوقة في فلسطين التاريخية

أقدم نصوص عبرية: نقش سلوان (حوالي 900 ق.م)

ما زالت العربية شفوية (لهجات بدوية)

القرن 9–6 ق.م

العبرية تُستخدم لغةً للنصوص الدينية والإدارية

نصوص توراتية مبكرة، نقوش اللاخيش

العربية ما زالت غير مدونة، لكن لهجاتها منتشرة في الجزيرة

القرن 5–1 ق.م

العبرية تتراجع كلغة يومية لصالح الآرامية، لكنها تبقى في النصوص الدينية

نصوص دينية وقانونية بالعبرية

نقوش عربية جنوبية قديمة (خط المسند) في اليمن ونجران

القرن 4–5 م

العبرية حيّة في الطقوس فقط

أقدم نص عربي فصيح: نقش النمارة (328م)

القرن 6–7 م

العبرية لغة طقسية يهودية

العربية الفصحى تتبلور في الشعر الجاهلي

القرن 7 م فصاعدًا

العبرية تستمر في الطقوس وتبدأ محاولات الإحياء لاحقًا

العربية تصبح لغة القرآن والعلم والإدارة

3. الخلاصة

  • العبرية سبقت العربية الفصحى في الظهور كلغة مكتوبة بقرون كثيرة.
  • لكن إذا عدنا إلى الجذور السامية المشتركة، فكلتاهما متفرعتان من أصل واحد، ولا يمكن القول إن إحداهما “أقدم” بكثير في جذورها الكلامية، بل هما شقيقتان، لكن العبرية دُوِّنت قبل العربية بزمن طويل
  • العبرية أقدم من العربية الفصحى كلغة مكتوبة بحوالي 1200 سنة، إذ وُجدت نصوصها منذ القرن العاشر قبل الميلاد، بينما أقدم نص عربي فصيح معروف هو نقش النمارة (328م).
  • العربية والعبرية تنحدران من أصل واحد هو اللغة السامية الأم، وتفرعتا كلغتين مستقلتين قبل أكثر من 3000 سنة.
  • العبرية كانت لغة دين ودولة قديمًا ثم انحسرت، بينما العربية الفصحى ظهرت متأخرة لكنها أصبحت لغة عالمية بعد الإسلام

المصادر

• Arab Academy. ‘Why is Arabic Written from Right to Left?’. https://www.arabacademy.com/why-is-arabic-written-right-to-left/

• My Jewish Learning. ‘Why Is Hebrew Written from Right to Left?’. https://www.myjewishlearning.com/article/why-is-hebrew-written-from-right-to-left/

• Biblical Hebrew. ‘Similarities between Hebrew and Arabic’. https://biblicalhebrew.org/similarities-between-hebrew-and-arabic.aspx

• Mosaic Magazine. ‘How Hebrew Came to Be Written from Right to Left’. https://mosaicmagazine.com/observation/history-ideas/2023/01/how-hebrew-came-to-be-written-from-right-to-left/

• Wikipedia. ‘Phoenician alphabet’. https://en.wikipedia.org/wiki/Phoenician_alphabet

إغلاق