الرئيسية

جامعات قطاع غزة: تعليم أم تجارة؟

سنة تلو أخرى، ترتفع أسعار الساعات الدراسيّة المعتمدة في الجامعات الفلسطينيّة، حيث تنال التخصصات العلميّة النصيب الأكبر من “الاستنزاف المالي” للطلبة، عن الساعات في الكليات الأدبيّة، لتصل تكلفة العام الدراسي كاملًا في بعض التخصصات أربعة آلاف دينارٍ أردني (أي ما يعادل 5714 دولار)، فضلاً عن توابع التكاليف الأخرى التي يتقيّد بها الطالب، ما بين مصاريف شخصيّةٍ وحجز مقعدٍ لا يتم احتسابها من مُجمل المصاريف.

في قطاع غزة، يشكِّل التعليم عبئًا أكبر على سكان البقعة المحاصرة منذ ما يزيد على 10 سنواتٍ شهدت خلالها ثلاثة حروب. وإلى جانب ذلك تعاني المؤسسات الأكاديمية من أزماتٍ ماليةٍ لا تجد لها أي حلٍ سوى فرض رسومٍ ماليّةٍ عاليةٍ للساعات.

 في غزة المحاصرة يمكن أن تزيد تكلفة تخصصٍ جامعيٍ عن 20 ألف دينارٍ أردنيّ، فضلًا عن المصاريف اليومية للطالب

ألترا فلسطين” رصد رسوم الساعات الدراسية المعُتمدة لخمس تخصصاتٍ مختلفةٍ، في أكبر الجامعات الفلسطينيّة في قطاع غزة، مثل الجامعة الإسلامية، جامعة الأزهر، والقدس المفتوحة.

وتبيّن التفاوُت الكبير في الرسوم التي تتقاضاها الجامعات الثلاث، في العديد من التخصُصات، إضافةً لارتفاع عدد ساعات التخرُج التي يجب على الطالِب المُسجل إتمامها، فكانت الجامعة الإسلاميّة في غزة الأغلى من حيث تقاضي الرسوم الجامعيّة، تليها جامعة الأزهر، والفارق بينهُما متفاوتٌ حسب التخصص، ثم جامعة القدس المفتوحة (حكومية) التي أظهر البحث أنّها الأقل رسومًا.

اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. أن تُصاب بمرضٍ نفسي فإنها لعنة

بلغ سعر الساعة في تخصُص اللغة العربيّة/كُلية الآداب في الجامعة الإسلاميّة 25 دينارًا أُردنيًا، بينما كان سعر الساعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الأزهر 12.5 دينارًا.

فيما بلغ سعر الساعة الرسمي في كُلية التجارة في الجامعة الإسلاميّة 25 دينارًا لكافة التخصصات، مقابل 15 دينارًا في كلية التجارة “عربي”، و20 دينارًا في كلية التجارة إنجليزي، بجامعة الأزهر.

أما على صعيد الكُليات العلميّة، فعلى سبيل المثال، وصل سعر الساعة لتخصص تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الإسلاميّة 30 دينارًا، مقابل 24 دينارًا في جامعة الأزهر.

أما كُلية الطب العام فقد بلغ سعر ساعتها في الجامعة الإسلاميّة 120 دينارًا، مقابل 70 دينارًا في جامعة الأزهر.

في حين بلغت رسوم الساعة الدراسيّة الواحدة المُعتمدة على سبيل المثال لكلية الاقتصاد في الجامعة الإسلاميّة 25 دينارًا، مقابل 17 دينارًا لنفس التخصص في جامعة القدس المفتوحة، التي تعتبر الأقل سعرًا بين الجامعات كونها تصنف كجامعة حكومية وليس خاصة، وتخلو في الوقت ذاته من بعض التخصصات المتوفرة في الإسلامية والأزهر، مثل الطب العام والطب البشري.

آية عبد الحميد تدرس الطب في إحدى جامعات قطاع غزة، حاولتْ مرارًا تأجيل الساعات الـ15 المتبقية لها للتخرُج، لحين توّفُر الرسوم، في ظل الوضع المعيشي المُتردي الذي يُعاني منه قطاع غزة. تقول: “الحصول على شهادة التخرُج هو حلم كُل طالب، لكن مؤخرًا لجأ والدي للاستدانة من أحد الأقارب لكي أستطيع إنهاء دراستي وأحصُل بعدها على شهادة البكالوريوس بأسرع وقت ممكن وبجهدٍ مضاعف هذه المرة”.

ولا تقدم الجامعة أي خصوماتٍ حقيقيةٍ على أسعار الساعات الدراسية لكلياتها، ما جعل تكلفة تخصص الطب العام بالنسبة لآية تقارب الـ31 ألف دينار في نهاية مرحلة الدراسة، إذ يتوجب عليها إنهاء 258 ساعةً دراسيةً، هذا طبعًا دون احتساب التكاليف الشخصية اليومية للطالب.

وتؤكد آية أنها همَّت بسحب الفصل الدراسي كاملاً، لوّلا أن إدارة الجامعة سمحت بدفع الرسوم بالتقسيط، قبل الدخول إلى الامتحانات النهائية، إذ لا يُسمح للطلبة بالتقدم للامتحانات النهائية دون تسديد الرسوم كاملة، أو الحصول على قرضٍ أو منحةٍ دراسيّة.

تمنح بعض الجامعات طلابها فرصة تقسيط أقساطهم لكنها تمنعهم من تقديم الامتحانات النهائية قبل دفع القسط كاملاً

“حالة الترهل التي يعاني منها قطاع التعليم العالي في فلسطين، ليست إلا نتاج حالة الانقسام التي تسود الشارع الفلسطيني وغياب التخطيط والبرمجة المشتركة بين مناطق السلطة الفلسطينية”، وفقًا للناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي، الذي يطالب الجميع بتكثيف الجهود لتخفيض الرسوم والسعي نحو مجانية التعليم في الجامعات.

ويوضح عبد العاطي لـ”ألترا فلسطين“، أن رفع الرسوم الدراسيّة في الجامعات الفلسطينيّة يزيد من الأعباء الاقتصاديّة على الطلاب، وهذا يتناقض مع حق الإنسان في التعليم الذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر من عام 1948.

وتقول المادة 26 من الإعلان المذكور: “لكل شخصٍ الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميًا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة وليس لأي اعتبارات أخرى”.

وفي قانون رقم 11 لسنة 1998 بشأن التعليم العالي، تنص المادة 15 على أن “يتولى مسؤولية كل مؤسسةٍ من مؤسسات التعليم العالي العامة مجلس أمناء ويديرها مجلس المؤسسة”.

وحول طبيعة الجهة التي تحدد قيمة الرسوم، يُوضح رئيس اتحاد العاملين في الجامعات الفلسطينيّة أمجد برهم، أن مجلس التعليم العالي يضع السياسات بما في ذلك رسوم الساعات المعتمدة، لكن المشكلة الأساسية هي عدم التزام الحكومة بتسديد ما تخصصه لدعم الجامعات الفلسطينية.

وأضاف برهم لـ”ألترا فلسطين“، أن وزارة التعليم العالي منحت مؤخرًا الجامعات حق رفع الأقساط أو وضع سياساتها المالية الخاصة بها للحفاظ على استمرارية عملها، بسبب عدم التزام الحكومة بدفع التزاماتها المالية.

تسبب عدم التزام الحكومة بدفع مخصصات الجامعات بعجزٍ سنويٍ يقدر بـ70 مليون دولار فسُمح للجامعات التحكم بأسعار الساعات

وتشهد الجامعات من حينٍ لآخر إضراباتٍ طلابيةٍ نتيجة العجز في دفع الأقساط، هذا إضافةً إلى احتجاجات الأكاديميين والموظفين الذين يطالبون دائمًا بعلاوات غلاء المعيشة، وبتعويضات عن الاختلاف في أسعار صرف العملات.

وتشير المعطيات إلى أن عدد طلبة الجامعات يزداد سنويًا بنسبةٍ تزيد عن (20%)، ليزداد بالتالي عدد الطلبة المحتاجين نتيجةً للواقع الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.

ويؤدي تأخر الحكومة في صرف مخصصات الجامعات إلى عجزٍ دائم في تغطية مصاريف الجامعات يقدر بنحو (70) مليون دولار سنويًا، ما يؤكد حاجة التعليم العالي الفلسطيني إلى مصادر دعمٍ ماليٍ مستقرةٍ وكافية.

وبحسب دراسةٍ للباحث محمد أحمد شاهين، تم نشرها في آذار مارس/2016، فإن ميزانيات الجامعات السنوية تبلغ في حدود (200) مليون دولار، (71%) منها تذهب لرواتب للموظفين، بينما (29%) المتبقية فقط هي للمصاريف التشغيلية. وتمثل الرسوم الدراسية المصدر الأساسي لتمويلها (حوالي 79% منها)، إضافة لمساعدات الحكومة المحدودة وغير المنتظمة باعتبارها لم تصرف منذ عدة سنوات.

في المقابل، تؤكد مصادر رسميّة في وزارة التربية والتعليم العالي، أن الحكومة تخصص 40 مليون دولار سنوياً لدعم (11) جامعةً عامةً وحكوميّةً، إضافة إلى الكليات.

مقالات ذات صلة

إغلاق