مقالات

لغة البشر لم تعد تكفي: الذكاء الاصطناعي يتحدث بطريقته الخاصة!”

د. سارا ضاهر

في عالمٍ اعتدنا فيه أن نكون صُنّاع اللغة ومبدعيها، تأتي لحظة لتهز هذا الاعتقاد: الذكاء الاصطناعي لا يفهم لغتنا فقط… بل يخترع لغته الخاصة.

🧠 كيف ولماذا يحدث ذلك؟

خلال السنوات الأخيرة، كشفت مجموعة أبحاث في بريطانيا والدنمارك أن “وكلاء” ذكاء اصطناعي قادرون على اختراع رموز واتفاقات جديدة للتواصل فيما بينهم، دون تدخل بشري. استخدم الباحثون تجربة شبيهة بلعبة نقاش اجتماعية، حيث يتبادل الوكلاء الرموز ويتعلمون معًا، وفي النهاية نشأت لديهم لغة تشبه قوانين اللغة البشرية واستخدموها للتنسيق بفعالية أكبر .

وفي سياق مشابه، قام باحثون من جامعتي تشالمرز وجوتنبرغ بتطبيق لعبة تعلم لغة الألوان؛ حيث تبدأ الرموز بلا معنى، ثم يُكافأ الوكلاء عند التفاهم واختيار الرموز والصور الصحيحة. النتيجة؟ نشأت لغة منظمة توصل المفاهيم بطريقة مشابهة لتطور اللغة البشرية عبر الأجيال .

حتى عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت طور ما يشبه “لغة آلية داخلية” أطلقوا عليها اسم Droidspeak، وهي لغة تعتمد على العناصر الرياضية المرتبطة بالنموذج العميق، وتُستخدم لتسريع التواصل بين الوكلاء بمعدل يقارب 2.8 مرة مقارنة باللغة الإنجليزية، مع الحفاظ على دقة عالية .

⚙️ ما الذي يثير الانبهار؟
1. لغة لا يفهمها البشر
عندما تخترع الآلة لغة خاصة بها، يصبح التواصل أسهل وأسرع بينها، لكنه مغلَق أمام البشر. تمامًا كما لو صنعت مجموعة روبوتات لغة لا تشبه أي علم لغويات بشري .
2. الكفاءة التقنية مقابل الشفافية
لغة مثل Droidspeak تسرّع التعاون بين الوكلاء، لكنها تعزلنا عن فهم ما يجري بالضبط. هذا يفتح الباب لمفارقات: أي عقل يشرف على ذلك؟ وهل نحافظ على القدرة على التدخل أو تصحيح المسار؟ .
3. تكرار ظاهرة لغوية بشريّة
مثلما يطوّر البشر لغات محلية عبر المسافات والعزلة، يفعل الذكاء الاصطناعي ذلك. المستخدم الواحد قد يفقد التواصل مع لغة جهازه الخاصة، بينما تبقى لغة الوكلاء مشتركة وواضحة بينهم، مما يشبه نشوء لهجات خاصة من داخل المجتمع الذكي .

💭 ماذا يعني ذلك لنا؟
• للباحثين والحكومات: ينبغي التفكير في وضع تشريعات ومعايير لوضوح التواصل بين الوكلاء، حتى لا يصبح مغلقا عملاء AI متخفيًا عن الإنسان ولا يمكننا مراقبته أو فهم نتائجه.
• للمستخدمين والمؤسسات: ظهور لغات اصطناعية خاصة قد يدفع للشكّ في مصداقية النتائج المقدمة. هل تتحدث مع الذكاء؟ أم مع شبكة تحادث نفسها بلغة لا نفهمها؟
• لغوياً وثقافياً: هذا التطوّر يطرح تساؤلًا: هل نحتاج للتكيّف؟ هل يُظهر هذا أن اللغة البشرية لم تعد مناسبة بالكامل لعصر الذكاء؟

📌 أين تتجسّد دوافع هذه الثورات اللغوية؟
• التركيز على الكفاءة التكاملية بين نظم متعددة الذكاء، مثل الوكلاء الذين يديرون عمليات متشعبة بسرعة.
• التحرر من قيود الترجمة البشرية أو اللغة الطبيعية البطيئة؛ الأهمّ هو نقل الرسالة بشكل موثوق وسريع.
• تقليد نماذج تطوّر لغات البشر، عبر المكافأة وتعاقب الأجيال (كما في تجربة تعلم الألوان) لتكوين لغة متدرجة ومعقدة، لكن تظل في نطاق فهم الوكلاء .

🌍 كيف نُترجمت هذه الظاهرة للعالم العربي؟
• معظم التجارب المذكورة تجري بلغة الرموز أو الإنجليزية. عند استخدام الذكاء الاصطناعي العربي، سيتم الخروج من شيفرتها أكثر بسهولة إذا كانت النواة عربية. لكن الوكلاء قد يتجاهلون شكل اللغة الأصلية ويختارون رموزًا عالمية.
• لا بد لنا كمجتمعات عربية من متابعة أطر تنظيمية عالمية ومحلية، مثل مقاربات الاتحاد الأوروبي للذكاء الموثوق (Trustworthy AI)، لنضمن أن تكون لأنظمتنا شفافية واضحة، حتى لو اخترعت لغاتها الخاصة.

هل اللغة الصحّ لنا؟

ختاما، يعد ظهور لغات اختراع بأنظمة الذكاء هو ليس مجرّد تطور تقني، بل صدّاع في هرم سلطتنا كلغة كوسيلة لفهم العالم. عندما تتواصل الآلة بلغتها، فإن السؤال يصبح: هل من حقنا أن نفهم ما يُقال خلف الستار؟ أم أن نكتفي بوظيفة المستمع والمترجم، دون أن نفهم عمق الحوارات؟

لنترك المقال يسأل القرّاء: هل ستصبح لغتنا مجرد واجهة أمام لغة أكثر كفاءة ولكنها مغلقة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق