مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية قِيَمٌ تُحيِي الأُمَم: “بناء الشخصية وأثرها في نهضة المجتمع” (6)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* الصبر: الوقود الخفي للإنجازات الكبرى
الصبر هو تلك الفضيلة التي لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تُشاهد في أعظم إنجازات البشر وأعظم لحظات النجاح، إنه الوَقودُ الخفي الذي يُحرّك عجلة الطموح والإصرار، وهو الطريق الذي لا مفر من عبوره لتحقيق أي إنجاز يستحق العناء.
– ماهيّةُ الصبر
الصبر ليس مجرد تحمّل للألم أو انتظار لنهاية المعاناة، بل هو موقف داخلي يتسم بالثقة بحكمة الله وبالقدرة على مواجهة التحديات، وقد جاء ذكر الصبر في القرآن الكريم مرات عديدة، مما يُظهِر مكانته في الإسلام، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153)
والصبر في الإسلام ليس سلبياً، بل هو فعل إيجابي ينبع من الإيمان بأن لكل تعب ثمَرَة، ولكل محنةٍ حكمة، إنه ركيزة من ركائز الإيمان التي تُعين الإنسان على مواجهة الشدائد، والانتظار لحصاد الخير بعد البذل والعطاء.
– الصبر والإنجازات الكبرى
لم يكن للصبر أن يصبِح سِمةً عظيمة لولا دوره الأساسي في إنجازات كبرى عبر التاريخ، فالأنبياء هم المثال الأسمى للصبر، تأمل في صبر نبي الله أيوب على الابتلاءات، وكيف ظل شاكرًا بالرغم مما فقده، ألم يكن صبره هو مفتاح استعادته الصحة والخير؟
كذلك نجد أن كل من ترك بصمة في التاريخ كان يحمل في قلبه شعلة من الصبر،
– صبر محمد الفاتح رحمه الله
محمد الفاتح، السلطان العثماني، عُرف بصبره وإصراره على فتح القسطنطينية، التي كانت مستعصية على المسلمين لعدة قرون. أمضى سنوات طويلة في التخطيط والتجهيز للفتح، وتحمل المشقات والعقبات. وعندما حاصر المدينة، صبر على القتال لمدة 53 يومًا، حتى فتحها في النهاية عام: (1453. م)، وحقق بشارة النبي ﷺ: “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها”.
* أنواع الصبر
الصبر أنواع متعددة، منها:
1- الصبر على الطاعة:
فهو يُعين على الاستمرارية في العبادات رغم المشقة، كما في قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾. (طه: 132)
2. الصبر على المصائب:
حيث يواجه المؤمن الأقدار المؤلمة بإيمان وتسليم.
3- الصبر عن المعصية:
إذ يمنع الإنسان نفسه من الوقوع في الحرام رغم الإغراءات.
* الصبر كقيمة مجتمعية
الصبر لا يُثمر فقط على المستوى الفردي، بل إن نجاح المجتمعات يعتمد عليه، الأمم التي تتحلى بالصبر في أوقات الأزمات وتعمل بجد دون استعجال للنتائج هي التي تصنع مستقبلها. الصبر على العمل، على بناء الأجيال، وعلى إصلاح المجتمع هو ما يجعل الأمم ترتقي.
– كيف نغرس الصبر؟
1- الإيمان بالله وحكمته:
من يؤمن بأن الله أعدل وأحكم من أن يُضيع جهوده، يصبر على طريقه.
2- تعزيز التفكير الإيجابي:
من يرى الفشل محطة للتعلم لا محطة للنهاية، يستطيع الصبر أكثر.
3- تطوير الذات:
التمارين الذهنية مثل التأمل، والقراءة عن قصص الناجحين، تُعين على بناء هذه الفضيلة.
* الصبر في الحياة اليومية
قد يتجلى الصبر في تفاصيل بسيطة، كتحمل زحمة السير أو انتظار فرصة عمل مناسبة، لكنه أيضًا ما يجعل الإنسان يقف مجددًا بعد كل كبوة، ويعيد المحاولة بعد كل فشل.
* الخاتمة
الصبر ليس مجرد فضيلة نتحلى بها، بل هو الوقود الذي يدفعنا نحو تحقيق ما نطمح إليه، كل إنجاز كبير هو ثمرة لجهود طويلة وأوقات عصيبة تحمّلها أصحابها بصبر، فلتكن لنا هذه القيمة نبراسًا في طريقنا، وذكرى تلهمنا كلما واجهتنا التحديات، كما قال الإمام الشافعي: “دع الأيام تفعل ما تشاءُ.. وطب نفسًا إذا حكم القضاء”.
عنوان مقالة الغد إن شاء الله: الكرم: كيف يبني النفوس ويقوي الروابط؟
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، وفرّج الله عن أهلنا المستضعفين إن شاء الله
مقالة رقم: (1836)
09. رجب . 1446هـ
الخميس .09.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)