شعر وشعراء

شَيْءٌ مِنْ شِعْرِ تَأَبَّطَ شَرًّا، وَبَعْضُ مُغامَراتِهِ:

أ.د. لطفي منصور

هُوَ أَحَدُ الشَُعَراءِ الصَّعالِيكِ الْمَشْهُورينَ، اسْمُهُ ثابِتُ بنُ جابِرٍ، وَلُقِّبَ بِجُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ مِنْ فِعْلٍ ماضٍ، وَفاعِلٍ ضَمِيرٍ مَسْتُورٍ، وَمَفْعُولٍ بِهِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ.
يُقالُ إنَّ سَبَبَ لَقَبِهِ هَذا أَنَّ أَحَدَ أَصْحابِهِ جاءَ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَقالَتْ أُمُهُ: تَأَبَّطَ شَرًّا وَخَرَجَ.
الشَّرُّ كِنايَةً عَنِ السِّلاحِ ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ خِنْجَرٌ أَوْ سِكِّينٌ، لِأَنّها قالَتْ تَأَبَّطَ، أَيْ وَضَعَ تَحْتَ إبْطِهِ. فَلَوْ كانَ سَيْفًا أَوْ قَوْسًا لَقالَتْ تَقَلَّدَ سَيْفًا.
تَأَبَّطَ شَرًّا مِنْ قَبيلَةِ فَهْمٍ، الًَّتي كانَتْ تَسْكُنُ بَيْنَ تِهامَةَ والْحِجاز . عاشَ يَتِيمًا وَذاقَ مَرارَةَ الْفَقْرِ، تَزَوَّجَتْ أُمُّهُ مِنْ أبِي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ، فَحاوَلَ هَذا قَتْلَهُ بِإيعازٍ مِنْ أُمِّهِ فَفَشِلَ.
كانَ تَأَبَّطَ شَرًّا مِنَ الْعَدّائِينَ الًَذينَ لا تُدْرِكُهُمُ الْخَيْلُ، مُتَمَرِّدًا عَلَى نِظامِ الْقَبيلَةِ، كَباقي الصَّعاليكِ الَذينَ لَمْ يَعِيشُوا في قَبائِلِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسْكَنٌ ثابِتٌ ، وَخَيْرُ مَنْ وَصَفَ حالَهُمُ الشَّنْفَرَى، صاحِبُ لامِيَّةِ الْعَرَبِ، وَيُقالُ هُوَ خالُ تَأَبَّطَ شَرًّا. يَقُولُ: مِنَ الطَّويل
– أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
فَإِنِّي إلى قَوْمٍ سِواكُمْ لَأَمْيَلُ
– وَفي الْأَرْضِ مَنْأًى لِلْكَرِيمِ عَنِ الْأَذَى
وَفِيها لِمَنْ خافَ الْقِلَى مُتَعَزَّلُ
(الْقِلَى: الْهَجْرُ)
– وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُونَِ سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرٌقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفاءُ جَيْأَلُ
(السِّيدُ: مِنْ أخْبَثِ الذِّئابِ، الْعَمَلَّسُ: السَّريع، الْأَرْقَطُ زُهْلُولٌ: النَّمِرُ الْمُخَطَّطُ الْخَفِيفُ، الْعَرْفاءُ: طَوِيلَةُ الْعُرْفِ وَهُوَ الشَّعْرُ ، جَيْأَلُ: مِنْ أَسْماءِ الضَّبُعِ)
– هُمُ الْأَهْلُ لا مُسْتَوْدَعُ السِّرِّ ذائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلا الْجاني بِما جَرَّ يُخْذَلُ
كانَ تَأَبَّطَ شَرًّا مِنْ أَشَدِّ الصَّعاليكِ فَتْكًا وَخَطَرًا، كَثِيرَ الْغَزْوِ، وَأَهَمَُ غاياتِهِ قَبِيلَةُ بَجِيلّةَ وَثُمالَةَ وَكِنانَةَ، يَغْزُو وَيَسُوقُ الْإبِلَ وَالْغَنَمَ. وَمِنْ مُغامَراتِهِ ما رَواهُ صاحِبُ الْأَغانِي عَنِ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّي قالَ: خَرَجَ تَأَبَّطَ شَرًّا وَالشَّنْفَرَى (ثابِتُ بنُ أَوْسٍ الْأَزْدِيُّ، لُقِّبَ بِالشَّنْفَرَى لِغِلَظٍ في شَفَتَيْهِ) وَعَمْرُو بنُ بُراقٍ لِيَغْزُو بَجِيلَةَ فَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُمْ بِغِرَّةٍ، وَثارَ الْبَجَلِيُّونَ عَلَيْهِمْ وَأَسَرُوا عَمْرًا وَكَتَفُوهُ، وَفَرَّ الْآخَرانِ عَدْوًا فَلَمْ يُدْرِكُوهُما. فَلَمَّا رَأَى صاحِبا عَمْرٍِو أَنَّهُ في الْأَسْرِ قالَ تَأَبَّطَ شَرًّا لِلشَّنْفَرَى: اِذْهَبْ وَكُنْ قَرِيبًا مِنْ عَمْرٍو لِأَتَراءَى إلَى الْقَوْمِ وَأُطمِعُهُمْ فِيَّ ثُمَّ اِذْهَبْ وَاكْسِرْ قَيْدَهُ وَانْجُوَا مِنَ الْقَوْمِ.
وَهَكَذا تَراءَى تَأَبَّطَ شَرًّا لِبَنِي بَجِيلَةَ كَأَنَّهُ يَسْتَأْسِرُ. فَطاردُوهُ بِخَيْلِهِمْ فَلَمْ يُدْرِكًوهُ، وَتَقَدَّمَ الشَّنْفَرَى وَحَلَّ وِثاقَ عَمْرٍو وَنَجَوا.
كانَ تَأَبَّطَ شَرًّا يَشْتارُ عَسَلًا مِنْ غارٍ في بِلادِ هُذَيْلٍ ، هَذا الْعَسَلُ الْبَرِّي اسْمُهُ الْأَرْيُ، وَهُوَ أَجْوَدُ أَنْواعِ الْعَسَلِ ، وَكانَ يَأْتِي الْغارَ كُلَّ عامٍ، فَأَخْبَرُوا هُذَيْلًا بِذَلِكَ فَرَصَدُوهُ هُوَ وَأَصْحابُهُ، حَتَّى إذا جاءَ الْجَبَلَ تَدَلَّى إلى الْغارِ وَدَخَلَهُ، فَتَفَرَّقَ أَصْحابُهُ عَنْدَما رَأَوُا الْهُذَلِيِّينَ الَّذينَ وَقَفُوا فَوْقَ الْغارِ ، وَحَرَّكُوا الْحَبْلَ فَأَطَلَّ تَأَبَّطَ شَرًّا، فَقالُوا لَهُ اصْعَدْ.
قالَ: عَلَى الطَّلاقَةِ أَمِ الْفِداءِ؟
قالُوا: لا شَرْطَ لَكَ.
قالَ: إذًا تُريدونَ قَتْلِي وَأَكْلِ كَبِدِي. وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ.
فَعَمَدَ إلَى زِقِّ الْعَسَلِ وَدَهَنَ بِهِ صَدْرَهُ، وَثَبَّتَ الزِّقَّ عَلَى جِسْمِهِ وَأَخَذَ يَنْزَلِقُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى وَصَلَ الْأَرْضَ سالِمًا وَفاتَهُم ْ. وَفي ذَلِكَ يَقُولُ: الطَّويل
– إذا الْمَرْءُ لَمْ يَحْتَلْ وَقَدْ جَدَّ جِدُّهُ
أَضاعَ وَقاسَى أَمْرَهُ وَهْوَ مُدْبِرُ
(الْجِدُّ: النَّشاطُ وَالِاسْتِطاعَةُ)
– وَلَكِنْ أَخُو الْحَزْمِ الَّذِي لَيْسَ نازِلًا
بِهِ الْأَمْرُ إلَّا وَهْوَ لِلْأَمْرِ مُبْصِرُ
– فَذاكَ قَرِيعُ الدَّهْرِ ما عاشَ حُوَّلٌ
إذا سُدَّ مِنْهُ مِنْخَرٌ جاشَ مِنْخَرُ
(يُقارِعُ الدَّهرَ: يَصْبِرُ عَلَى نَوائِبِهِ، الْحُوَّلُ، الَّذِي يَتَلاءَمُ مَعَ الْحَياةِ، الْمِنْخَرُ: الْمَسْلَكُ وَالطَّريقُ)
– فَإنَّكَ لَوْ قاسَيْتَ بِاللِّصْبِ حِيلَتِي
بِلِحْيانَ لَمْ يَقْصُرْ بِكَ الدَّهْرَ مَقْصَرُ
(اللِّصْبُ: الْمَكانُ الضَّيِّقُ في الْجَبَلِ ، لِحْيان: بَطْنٌ مِنْ هُذَيْلًٍ . يَقولُ: لَوْ أَنَّكَ قاسَيْتَ ما قاسَيْتُهُ في الْهَرَبِ مِنْ بَنِي لِحْيانَ، وَالِاحْتِيالِ لَهُ لَما ضاقَ بِكَ مَوْقِفٌ)
– أَقُولُ لِلِحْيانٍ وَقَدْ صَفِرَتْ لَهُمْ
وِطابِي، وَيَوْمِي ضَيِّقُ الْحِجْرِ مُعْوِرُ
(صَفِرَتْ: فَرَغَتْ، الْوِطابُ: الْقِرْبَةُ، الْحِجْرُ النّاحِيَةُ.
– لَكُمْ خَصْلَةٌ إمّا فِداءٌ وَمِنَّةٌ
وَإمّا دَمٌ وَالْقَتْلُ بِالْمَرْءِ أَجْدَرُ
(يَقولُ: القَتْلُ أَهْوَنُ مِنَ الْمِنَّةِ)
– وَأُخْرَى أُصادِي النَّفْسَ عَنْها وَإنَّها
لَخِطَّةُ حَزْمٍ إنْ فَعَلْتُ وَمَصْدَرُ
(يَعْني خِطَّةَ اِنْزِلاقِهِ مِنَ الْجَبَلِ بِوَساطَةِ الْعَسَلِ ، أُصادِي النَّفْسَ: أُداريها)
– فَرَشْتُ لَها صَدْرِي فَزَلَّ عَنِ الصَّفا
بِهِ جُؤْجُؤٌ عَبْلٌ وَمَتْنٌ مُخَصَّرُ
(الصَّفا: الصَّخْرُ الْأَمَْلَسُ، الْجُؤْجُؤُ: لَحْمُ الصّدْرِ، عَبْلٌ: ضَخْمٌ، مُخَصَّرٌ: ضامِرٌ)
– فَخالَطَ سَهْلَ الْأَرْضِ لَمْ يَكْدَحِ الصَّفا
بِهِ كَدْحَةً وَالْمَوْتُ خَزْيانُ يَنْظُرُ
(يَكْدَحُ: يَجْرَحُ)
– فَأُبْتُ إلى فَهْمٍ وَما كِدْتُ آيِبًا
وَكَمْ مِثْلَها فارَقْتُها وَهْيَ تَصْفِرُ
إلَى هُنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق