مكتبة الأدب العربي و العالمي
التّفاح_الحباري الجزء الثاني
كانت قمر تأمل أن تسامحها أمّها الحدأة، لكنها أصرّت على موقفها ،وقالت :أنا لا ألومك ، أعرف أنّه سيأتي اليوم الذي تريدين فيه العيش كالبنات في مثل سنّك، لقد كنت تنظرين إليهنّ كلّ الوقت،لم يترك النّاس مكانا إلا وجاءوا إليه ،تبّا لهم !!! أيقنت البنت أن عليها أن ترحل ،فسارت لا تدري أين تسوقها قدماها ،تناثرت دموعها ،وبدأت تغنّي :
آه .. كم أنت يا دهر قاسي
اشتهت وجودي أمّي
لكن حملني في جنبه أبي
الحدأة على جناحيها خطفتي
وعلى شجرتها رمتني
لا أحد مثلي .. حبيسة سجني
الآن .. فقدت الأمان
أحسّ طعم المرارة في حلقي
فقد زاد للعشّ شوقي
بعد أيّام عانت فيها من الجوع والبرد رأت نارا من بعيد ،وإذا بأعراب يذبحون جملا صغيرا ،ويسلخونه ،ثم طبخوه ،وعنما شبعوا تركوا ما تبقى للكلاب ورحلوا ،تنافست البنت معهم ،وأخذت عظما لا يزال فيه شيء من لحم وشحم أكلتهم ،ومصّت مخّ العظم ،فرجعت إليها نفسها ،ثم جفّفت جلد الجمل في الشمس وألصقت فيه الرّأس، وكلّما رأت أحدا وضعته على ظهرها ،وكانت تلك الأرض مليئة بالكمأ ،فكانت تحفر الأرض، وتستخرجها ،و تأكلها. وفي أحد الأيام مر بها رجال يسوقون قطيعا من الجمال، ولما توقفوا للرّعي وضعت الجلد ،ودخلت وسط الجمال، وقالت في نفسها : عندما نقترب من أحد القرى أو المدن فسأهرب دون أن يلاحظني القوم ،وملأت صرّة من الكمأ ،وحملتها معها ،والجميع كانوا يرونها ويعتقدون أنها جمل ،فلقد كانت تقلدهم في كلّ شيئ حتّى في أصواتهم ،وحركاتهم .
واصلوا السّير حتى بلغوا بستانا كبيرا يملكه السلطان ،وكان فيه أصناف الثمار و التمر ،كانت تأكل من الأشجار ما يطيب لها ،لكنها لا تنزع الجلد،فلقد كانت تخشى أن تفطن إليها الكلاب وتفضح سرّها ،وذات ليلة شوى الحارس لحما وأعد خبزا ،وكانت البنت تراقب وإشتهت أن تأكل منه ،فأحدثت ضجّة ولمّا قام لينظر ما الأمر أخذت طعامه وإختفت عن الأنظار،رجع الحارس وعندما نظر إلى الطبق وجده فارغا ،فأخذ يسبّ ويلعن، وقال: لعله أحد الكلاب إنفك عنه قيده أو قطّ تسلل إلى البستان ،لكن جميع الكلاب كانت مربوطة ولا وجود لقطط ،ولا حتى فأر صغير .
في الغد أحضر دجاجة من كوخه وشواها، لكن قمر إحتالت عليه وسرقتها منه ،وكانت تأكل وتضحك كلّما سمعته يسبّ ،إحتار الحارس ،فكلما وضع طعاما ،لاحظ أنه يختفي في دقائق ،ورغم بحثه في كل مكان فلم يجد شيئا سوى العظام ،في البداية إعتقد أن الجنّ هي التي تفعل ذلك ،حتى وجد يوما آثار أقدام صغيرة ،فقال في نفسه: هناك لصّ في البستان ،وسأعرف من هو ، وأجعله يدفع ثمن ما سرقه !!!
بدأ براقب كلّ شين بعين متفحّصة ،فلاحظ أنّ أحد الجمال يقف مع القطيع لكنه لا يأكل رغم وفرة الطعام،قال في نفسه: لعله شبعان ، في الأيام الموالية اكتشف ،أنّ بقية الجمال لا تقترب منه كأنّه ليس منهم ،زاد تعجبه ،وأخذ يراقبه من بعيد ،لكن قمر كانت ذكية ، وكلّ ما تراه تتظاهر أنّها تسرح مع الجمال ،وتأكل مثلها الأعشاب.رجع الحارس لعادته في شواء اللحم ،وقال في نفسه :هل من المصادفة أنّني لمّا راقبت ذلك الجمل، لم يسرق أحد طعامي!!! أنا متأكّد أنّ وراءه سرّ وسأكشفه .
في أحد الأيام أتى السّلطان لزيارة بستانه ،وسأل الحارس عن أحوال الإبل ،فقال له : إنها بأحسن حال ،لكن أحدها يبدو غريبا في تصرّفاته ،وكلما أقترب منه يسرع بالاختفاء ،وأعتقد أنّه يسرق طعامي !!! ضحك الملك ،وقال : لعله أيضا يسرق خمرك ،إبتسم الحارس ،و أجاب : عندما تراه يا مولاي ستعلم أني أقول الصّدق ،إقتربا من الجمل الصغير، لكنّه إلتفت إليهما ،وهرب بين الأشجار ،قال الملك : يبدو خبيثا، على عكس القطيع الذي لا يبالي بوجودنا ، إسمع يا رجل !!! أرسله إليّ ،سأضعه في حديقة القصر، فهي مليئة بالورود،و هناك بحيرة جميلة ،وسأرى ما يفعل عندما يجد نفسه بمفرده …
…
يتبع الحلقة 3
من قصص حكايا العالم الآخر