مكتبة الأدب العربي و العالمي

كِيسُ الْعَيْشْ قِصَّةٌ قَصِيرَةْ

بقلم أ د / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه.. شاعر وناقد وروائي مصري

أَبُو تَسْنِيمٍ رَجُلٌ طَيِّبُ الْقَلْبِ ,وَاسِعُ الصَّدْرِ ,يَفِيضُ قَلْبُهُ بَحُبِّ النَّاسِ ,فَهَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ خَلْقُ اللَّهِ الَّذِينَ تَكَفَّلَ بِرِزْقِهِمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ و رَبُّ الْأَرْضِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ , أَبُو تَسْنِيمٍ مُدَرِّسٌ لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ , يُحِبُّ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ, وَلَكِنَّهُ أَيْضاً يُجِيدُ لُغَاتٍ أُخْرى كَالْاِنْجِلِيزِيَّةِ وَالسَّوَاحِلِيَّةْ وَالْأُوغَنْدِيَّةِ ,فَقَدْ تَتَلْمَذَ أَبُو تَسْنِيمٍ فِي مَدْرَسَةِ مُعَلِّمِ الْبَشَرِيَّةِ الْأَوَّلِ مُحَمَّدٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَـلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَـلَّمَ-وَعَرَفَ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ لُغَةَ قَوْمٍ أَمِنَ مَكْرَهُمْ ,يَذْهَبُ أَبُو تَسْنِيمٍ إِلَى مَدْرَسَتِهِ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ ,نَشِيطاً, يَلْهَجُ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَيُرَدِّدُ دُعَاءَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ الَّذِي رَوَتْهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ وَاسْمُهَا هِنْدٌ بِنْتُ أُمَيَّةَ حُذَيْفَةَ الْمَخْزُومِيَّةُ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنِ النَّبِيِّ -صَـلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَـلَّمَ-,بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ,اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَو أُضَلَّ, أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ, أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَل أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ )وَالَّذِي قَرَأَهُ فِي كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ بِاللُّغَتَيْنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْاِنْجِلِيزِيَّةِ ,قَـبْلَ ذِهَابِهِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ يَمُرُّ عَلَى بَائِعِ الْخُبْزِ الْمُدَعَّمِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كِيسَ الْعَيْشِ الطَّازِجِ السَّاخِن ,كَمَا يُسْرِعُ إِلَى بَائِعِ الْفُولِ وَالطَّعْمِيَّةِ ,وَيَشْتَرِي مِنْهُ مَا لَذَّ وَطَابَ لِلْإِفْطَارِ ,ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الْفُولَ ,وَجَدَ امْرَأَةً تَقُولُ لِلْبَائِعِ:”نَحْنُ نَأْخُذُ كِيسَيْنِ مِنَ الْعَيْشِ,وَلَكِنَّنَا نُرِيدُ كِيساً وَاحِداً فَقَطْ “رَدَّ الْبَائِعُ:”أَيَفِيضُ الْعَيْشُ عِنْدَكُمْ ؟!!! “قَالَتِ الْمَرْأَةُ: “نَعَمْ”قَالَ الْبَائِعُ:”سَأُلْغِي لَكِ بِطَاقَةَ عَيْشِ ابْنِكِ(حَازِمٍ)” تَدَخَّلَ أَبُو تَسْنِيمٍ فِي النِّقَاشِ قَائِلاً لِلْبَائِعِ:”وَلِمَاذَا تُلْغِي لَهَا الْبِطَاقَةَ؟!!! لاَ تُلْغِهَا,سَآخُذُ مَا يَفِيضُ عَنْ حَاجَتِهَا مِنَ الْعَيْشِ” قَالَ لَهُ الْبَائِعُ:”سَتَدْفَعُ عَشْرَةَ جُنَيْهَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ,رَدَّ

أَبُو تَسْنِيمٍ:”أَدْفَعُ وَعِنْدَمَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ بِطَاقَةَ عَيْشِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ أُعْطِيهَا إِيَّاهَا,كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَقِيرَةً ,وكَانَتِ امْرَأَةَ عَمِّ(أَ بُو تَسْنِيمٍ )-مِنْ بَعِيدٍ – و(أَبُو تَسْنِيمٍ )حَفِظَ كِتَابَ اللَّهِ وَدَرَسَهُ,وَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ يُوصِينَا بِعِبَادَتِهِ وَعَدَمِ الْإِشْرَاكِ بِهِ شَيْئاً,كَمَا يُوصِينَا بِحُبِّ الْوَالِدَيْنِ وَطَاعَتِهِمَا وَاحْتِرَامِهِمَا وَالدُّعَاءِ لَهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ:(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)الْإِسْرَاءِ(24), كَمَا يُوصِينَا بِذَوِي الْقُرْبَى وَالْجِيرَانِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالضُّعَفَاءِ,وَقَدْ فَاضَ الْخَيْرُ عَلَى (أَبُو تَسْنِيمٍ )بِسَبَبِ تَمَسُّكِهِ بِتَعَالِيمِ اللَّهِ فِي صِلَةِ ذَوِي القُرْبَى ,وَأَصْبَحَ يَأْخُذُ كِيسَيْنِ مِنَ الْعَيْشِ مِنْ بَائِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ,يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ ,ذَاتَ يَوْمٍ ذَهَبَ (أَبُو تَسْنِيمٍ ) إِلَى الْمَدْرَسَةِ وَكَانَ عِنْدَهُ إِشْرافٌ طُولَ الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ,يَدْخُلُ حِصَصَهُ الْأَسَاسِيَّةَ ,كَمَا يَدْخُلُ الْحِصَصَ الْإِضَافِيَّةَ مَكَانَ الْمُدَرِّسِينَ الْغَائِبِينَ ,مُنْتَهِزاً هَذِهِ الفُرْصَةَ لِيُعَلِّمَ التَّلاَميذَ تَعَالِيمَ الدِّينِ الْإِسْلاَمِيِّ الْحَنِيفِ وَلُغَتَهُ الْعَرَبِيَّةَ الْفُصْحَى الْجَمِيلَةَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي شَأْنِهَا(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)سُورَةِ الزُّخْرُفِ (3) فِي هَذَا الْيَوْمِ الطَّوِيلِ ,يَوْمِ الثُّلاَثَاءِ ,نَسِيَ (أَبُو تَسْنِيمٍ ) الْعَيْشَ ,وَلَمْ يَأْخُذْ نَصِيبَهُ مِنْهُ ,بَعْدَ عَوْدَتِهِ عَقِبَ انْتِهَاءِ الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ ,تَذَكَّرَ (أَبُو تَسْنِيمٍ ) الْعَيْشَ, نَظَرَ حَوْلَهُ فِي الشَّارِعِ ,وَجَدَ الدَّكَاكِينَ قَدْ أُغْلِقَتْ ,وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْحُصُولِ عَلَى الْعَيْشِ ,آخِرَ النَّهَارِ ,مَرَّ عَلَى بَائِعِ الْعَيْشِ وَكَانَ اسْمُهُ (مُحَمَّدْ فَوْدَةْ) فَقَالَ لَهُ:أُرِيدُ كِيسَ عَيْشِي , قَالَ (مُحَمَّدْ فَوْدَةْ):أَلَمْ تَأْخُذْ؟!رَدَّ (أَبُو تَسْنِيمٍ ):نَعَمْ,أَعْطَاهُ الْبَائِعُ كِيسَ الْعَيْشِ ,أَمَّا الْبَائِعُ الْآخَرُ ,فَلَمْ يَفْتَحْ إِلاَّ صَبِيحَةَ الْيَوْمِ التَّالِي ,وَكَانَ اسْمُهُ (وَجْدِي الْغُرَيِّبْ),سَأَلَهُ

(أَبُو تَسْنِيمٍ ):أَيْنَ كِيسَ عَيْشِي؟ قَالَ (وَجْدِي الْغُرَيِّبْ):أَنْتَ لَمْ تَأْتِ , قَالَ (أَبُو تَسْنِيمٍ ):عِنْدَ ذِهَابِي إِلَى الْمَدْرَسَةِ وَعَوْدَتِي مِنْهَا ,وَجَدْتُ مَحَلَّكَ مُغْلَقاً , قَالَ (وَجْدِي الْغُرَيِّبْ):لَقَدْ فَتَحْتُ فِي الصَّبَاحِ ,اِتَّصِلْ بِمَرْكَزِ الشَّبَابِ,وَبَلِّغْهُمْ أَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ كِيسَ عَيْشِكَ , قَالَ (أَ بُو تَسْنِيمٍ ):لَنْ أَشْكُوَ لِأَحَدٍ ,وَلَكِنَّ هَذَا الْمَوْقِفَ لَيْسَ جَيِّداً مِنْكَ ,لِأَنَّ هَذِهِ أَمَانَةٌ يَجِبُ أَنْ تُؤَدِّيَهَا لِأَصْحَابِهَا ,تَرَكَ (أَبُو تَسْنِيمٍ ) الْبَائِعَ ,وَذَهَبَ لِيُوَصِّلَ ابْنَهُ (حُسَامَ) إِلَى الْمَدْرَسَةِ ,فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ ,أَخَذَ (وَجْدِي الْغُرَيِّبْ) يُراجِعُ نَفْسَهُ وَيُؤَنِّبُ ضَمِيرَهُ ,فَلَجَأَ إِلَى الْمِزَاحِ مَعَ (أَبُو تَسْنِيمٍ ) -عِنْدَ عَوْدَتِهِ- قَائِلاً لَهُ: إِذَا جِئْتُ لَكَ بِكِيسِ الْعَيْشِ ,أَتَشْكُرُنِي وَتُثْنِي عَلَيَّ؟!, قَالَ (أَبُو تَسْنِيمٍ ):أَنَا لَمْ أَعُدْ أُحِبُّكَ وَلَنْ أُكَلِّمَكَ بَعْدَ الْيَوْمِ ,لَقَدْ قَدَّمْتُ لَكَ -قَبْلَ ذَلِكَ- الْخَيْرَ الْكَثِيرَ ,رَجَعَ (وَجْدِي الْغُرَيِّبْ) إِلَى نَفْسِهِ ,أَنَّبَهَا وَلاَمَهَا وَاسْتَعَاذَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ,وَأَعْطَى (أَبَا تَسْنِيمٍ )كِيساً مِنَ الْعَيْشِ, فَعَرَفَ(أَبُو تَسْنِيمٍ ) أَنَّ (وَجْدِي الْغُرَيِّبْ) رَجُلٌ طَيِّبٌ ,يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ الذَّنْبِ ,وَيَعُودُ إِلَيْهِ فَوْرَ إِحْسَاسِهِ بِالْخَطَأِ ,كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيز )وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) النِّسَاءِ(64)

بقلمي أ د / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق