خاطِرَةٌ ساخِنَةٌ: “فَنَحْنُ في مَأْتَمٍ وَفي عُرْسِ”

تَذَكَّرْتُ هذا الْيَوْمَ في الْعَشْرِ الْأَوائِلِ مِنْ هذا الْقَرْنِ عِنْدَما كُنْتُ رَئِيسًا لِلْمَعْهَدِ الْأَكّاديمِي لِإعْدادِ الْمُعَلِّمينَ الْعَرَبِ في كُلِّيَّةِ بِيتْ بيرل الْقَرِيبَةِ مِنْ مَسْقَطِ رَأْسِي في مَدِينَةِ الطِّيرَةِ بَلَدِ الصَُمودِ حَفَظَها اللَّهُ، وَحَفِظَ وَسَلَّمَ الْمُثَلَّثَ الْأَخْضَرَ الْمُمْتَدَّ مِنْ أُمِّ الْفَحْمِ شَمالًا، مُرورًا بِوادِي عارَةَ إلَى كُفْرِقاسِمِ جَنُوبًا، هذا الْمُثَلَّثُ بِيعَ لِإسْرائيلَ بِحَفْنَةِ دُولارات، بَعْدَأنْ عَجِزَتِ الْقُوّاتُ الْيَهُودِيَّةُ عَنِ احْتِلالهِ بِفَضْلِ الْجَيْشِ الْعِراقيِّ الَّذِي تَمَرْكَزَ بِهِ، وَصُمُودِ أَهْلِهِ.
كُنّا في بيتْ بيرل نُحْيِي في مِثْلِ هَذا الْيَوْمِ ذَكْرَى النَّكْبَةِ. نَكْبَةِ الشَّعْبِ الْفِلِسْطِينِيِّ الَّذِي خُلِعَ مِنْ أَرْضِهِ وَطُرِدَ أَصْحابُها لِيَكُونوا لاجِئِينَ في شَتَّى أَنْحاءِ الْأَرْضِ.
كانَ الْيسارُ الْإسْرائِلِيُّ في ذَلِكَ الزَّمَنِ يَرْفَعُونَ شِعارًا بَرّاقًا هُوَ التَّعايُشُ، وَشِعارُ “إسْرائِيلُ دَوْلَةٌ لِكُلِّ مُواطِنِيها”، وَكانَتِ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ لُغَةً رَسْمِيَّةً في الدَّوْلَةِ.” قَبْلَ أَنْ تُفَرَّغَ تِلْكُمُ الشِّعاراتُ مِنْ مَضامينِها.
كانَ الْقِسْمُ اليَهوديُّ يَحْتَفِلُ باسْتِقْلالِهِ في قاعَةٍ، وَنَحْنُ الْعَرَبُ نُحْيِي ذِكْرَى النَّكْبَةِ في قاعَةٍ أُخْرَى. كانَ بَعْضُ الْأَساتِذَةِ الْيَهُودِ يَشْتَرِكُونَ مَعَنا مَجامَلَةً، وَبَعْضٌ مِنْ مُعَلِّمينا يُجامِلُونَهْمْ.
اسْتَمَرَّيْنا بِهذِهِ الْعادَةِ عِدَّةَ سَنَواتٍ إلَى أنْ وَصَلَنا كِتابٌ مِنْ الْهَيْئاتِ الْعُلْيا في وزارَةِ الْمَعارِفِ يَحْظُرُ عَلَيْنا إحْياءَ النَّكْبَةِ لأَنَّهُمْ لا يَعْتَرِفُونَ بِها.
وَامْتَنَعْنا نَحْنُ عَنْ مَجامَلَةِ الْمُحْتَفِلِينَ بِاسْتِقْلالِهِمْ.
كُنّا اعْتَدْنا أَيْضًا إِحْياءَ ذِكْرَى الْهولوكُسْتْ وَالنَّكْبَةِ مَعًا إلَى أَنْ وَرَدَ عَلَيْنا كِتابٌ يَأْخُذُ عَلَيْنا تَشْبيهَ النَّكْبَةِ بِالْمِحْرَقَةِ. فَأَبْطَلْنا تِلْكَ الْعادَةَ وَبَقينا مَعَ نَكْبَتِنا.
إنَّهُ خَطَأٌ تاريخِيٌّ كارِثِيٌّ تَسْمِيَةُ ما حَلَّ بالشَّعْبِ الْفِلسْطيني مِنِ احْتِلالٍ وَقَتْلٍ وَحَرْقٍ وَمَذابِحَ وَدَمارٍ شامِلٍ وَتَشْربدٍ نَكْبَةً. كُلُّهُمْ تَأثَّرُوا بِكِتابِ الْهُوّارِي “سِرُّ النَّكْبَةِ”، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَحْثًا حَتَّى لَوْ ضَمَّ بَعْضَ الْحَقائِقِ مِثْلِ الْخَياناتِ الْعَرَبِيَّةِ.
إنَّ مَعاجِمَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَعْجَزُ أنْ تَأْتِيَ بِمُسَمًّى واحِدِ مِثْلِ كارِثَةٍ، نَكْبَةٍ، نائِبَةٍ، مُصِيبَةٍ، خُطوبٍ، مِحَرَقَةٍ لِلْبَشَرِ والشَّجَرِ وَالْحَجَرِ. ما حَصَلَ لِلشَّعْبِ الْفِلِسْطينِي هَذا كُلُّهُ وَزِيادَةٌ لا أَعْرِفُ كَيْفَ أُسَمِّيها.