مقالات
أ.د. لطفي منصور حِوارٌ مَعَ الْأَدِيبَة نافِلَة مرزوق الْحَلَقَةُ الْأولَى
– أُسْتاذي بروفيسور منصور، وَصَفْتَ نَفْسَكَ في سِيرَتِكَ الْعِلْمِيَّةِ الذّاتِيَّةِ بِأَنَّكَ سُوسَةُ كُتُبٍ. هَلْ هُوَ وَسْواسُ الْكُتُبِ؟
– الْحَقيقَةُ أَنِّي عِشْتُ مَعَ الْكِتابِ مُنْذُ صِغَرِي. وَقَدْ تَأَثَّرْتُ بِوالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ، الَّذي كانَ يَمْتَلِكُ قِصَصًا شَعْبٍيَّةً يَعْتَزُّ بِها مِثْلَ تَغْرِيبَةِ بَني هِلالٍ ، والْبَطَلِ أَبي زَيْدِ الْهِلالِي، وَمَلْحَمَةِ الزِّير سالِم، وّهُوَ الْمُهَلْهِلُ، وَمَلْحَمَةِ عَنْتَرَةَ ابنِ شَدّادٍ. كانَ أبي يَشْدُو بِهَذِهِ الْأَشْعارِ بِصَوْتِهِ الْحَنُونِ في ديوانِ الْعائِلَةِ، كانَ قَدْ تَعَلَّمّ عَلَى يَدِ إمامِ الْقَرْيَةِ، وَحَذَقَ تَجْويدَ الْقُرْآنِ عَلَى يَدِ شَيْخٍ مِنْ عَوَرْتا في قَضاءِ الْقُدْسِ.
كُنْتُ أَصْحَبُ والِدي إلى دِيوانِ الْعائِلَةِ الْكَبير وَقَدْ شَدَّني هَذا، فَأَخَذْتُ أُقَلِّدُ الْوالِدَ، وَنَشَأَتُ عَلَى حُبِّ الْقِراءَةِ، وَعِشْقِ الْكُتُبِ. وَلَمّا دَخَلْتُ الْمَرْحَلَةَ الثّانَوِيَةَ ازْدادَتْ مُطالَعاتي، أَذْكُرُ أَنِّي قَرَأْتُ في الصَّفِّ التّاسِعِ كُلَّ رِواياتِ تاريخِ الْإسْلامِ لجورجي زيدان، وَشُغِفْتُ بِقِصَصِ أَلْفِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةِ، فَقَرَأْتُ الْأجْزاءَ الْأرْبَعَةَ. وَكَما تَلْتَهِمُ النّارُ الْهَشِيمَ أَخَذْتُ ألْتَهِمُ كُتُبَ الْأَدَبِ، قَرَأْتُ لِلْمَنْفَلوطِي، وَأُعْجٍبْتُ بِجُبْرانَ مُنْذُ أَنْ قَرَأْتُ الْأَجْنِحَةَ الْمُتَكَسِّرَة. هَكَذا سِرْتُ في الْمَرْحَلَةِ الثّانَوِيَّةِ.
وَبَدَأتْ رِحْلَتي في الدِّراساتِ العُلْيا، وَمُنْذُ أَنْ دَخَلْتُ دارَ الْمُعَلِّمينَ في يافا حَتَّى أنْهَيْتُ مَرْحَلَةَ الدُّكْتوراة مَرَرْتُ بِعَيْنَيَّ مَلى مَلايِينِ الْمَلايينِ مِنَ الْأسْطُرِ وَالْكَلِماتِ.
لَمْ أَتْرُكِ الْكِتابَ إلّا عِنْدَ النَّوْمِ، حَتَّى أثْناءَ تَناوُلِ الطَّعامِ كانَ كِتابٌ بِجانِبي، وَعِنْدَ كُلِّ زاوِيَةٍ في بَيْتِي تَجِدِينَ كُتُبًا، وَبِجانٍبِ سَريري رُفُوفٌ مِنَ الْكُتُبِ عَلَى مَضَضٍ مِنْ شَريكَةِ حَيّاتي الَّتِي صَبَرَتْ لِي، وَضَحَّتْ مِنْ أَجْلي.
تَعْرِفينَ أَيُّها الْمُبْدِعَةُ أَنَّ السُّوسَ يُعَشِّشُ في الْكُتُبِ، وَأَنا بَنَيْتُ لِي عُشًّا أَوْ أَكْثَرَ في كُلِّ كِتابٍ. لَكِنَّ الْفَرْقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ هُوَ مُخَرِّبٌ وَأنا مُعَمِّرٌ قُدُراتي وَعَقْلي بالدِّرايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ.
اسْتِعارَةٌ تَمْثيلِيَّةٌ شِئْتُ هذا أمْ أَبَيْتُ.
أمّا وَسْواسُ الْكُتُبِ فَأَنْتِ صادِقَةٌ. وَإلّا فَما تَفْسيرُ هّذا الشَّغَفِ بالْكُتُبِ وَبِناءِ مَكْتَبَةٍ فيها آلافُ الْكُتُبِ.
– الْآنَ جاءَ دَوْرِي لِأَسْأَلَكِ سُؤالًا يُحَيِّرُنِي:
– دَرَسْتِ الْأَدَبَ الْأجْنَبِيَّ، وَشُغِفْتِ بِالْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ، كَيْفَ
كَيْفَ تَجْمَعِينَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ ؟
وَأَيُّهُما أَكْثَرُ أَثَرًا عَلَيْكِ؟
– نَعَمْ أُسْتاذي! أَنا دارِسَةٌ لِلْأَدَبِ وَاللَُّغَةِ الْإنْجِليزِيَّةِ، وَعَمِلْتُ في سِلْكِ التَّعْلِيمِ لِفَتْرَةٍ مَحْدُودَةٍ. أَعْشَقُ الْأَدَبَ بِشَتَّى أَنْواعِهِ. وَيَبْدُو لِي أَنَّ لِلْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ – وَخاصَّةً الشِّعْرَ الْعَرَبِيَّ بِأَنْواعِهِ – سُلْطانًا عَلَى أَحاسِيسِي وَفِكْرِي فاقَ سَائِرَ الْأَنْواعِ ، وَهَذا ما اكْتَشَفْتُهُ في سِنٍّ مُتَأَخِّرَةٍ.
– أَيُّ شِعْرٍ عَرَبِيٍّ يَسْتَهْوِيكِ؟
– يَسْتَهْوِيني الشِّعْرُ الْعَبّاسِيُّ، شِعْرُ بَشّارٍ وَأبي نُواسٍ وَعَبّاسِ ابْنِ الْأَحْنْفُ، وَمَروانَ بْنِ أبي حَفْصَةَ، وَأُطَأطِئُ رَأْسي لِشِعْرِ ابنِ الرّومي. وَيُثْمِلُني فِكْرُ الْمُتَنَبِّي وَحَرْفُهُ الصّارِمُ.
وَمِنَ السَّهْلِ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ الْأَدَبَيْنِ ، لِأَنَّ الْإبْداعَ سِمَةٌ إنْسانِيَّةٌ، وفي عَمَلِيَّةِ الْكِتابَةِ تَشْتَرِكُ كُلُّ الثَّقافاتِ وَتَتَقاطَعُ، وَيُؤَثِّرُ بَعْضُها في بَعْضٍ، وَمِنْ هُنا وُجِدَ الْأَدَبُ الْمُقارَنُ comparative Litrature
الَّذي يَسْعَى لِرَبْطِ الثَّقافاتِ والشُّعُوبِ مِنْ خِلالِ دِراسَةٍ مُقارِنَةٍ تُشِيرُ إلى أَوْجُهِ التَّشابُهِ وَالِاخْتِلافِ في آدابِ الشُّعُوبِ، تَهْدُفُ بِذَلِكَ إلى التَّقارُبِ بَيْنَها
وَدَفْعِ عَجَلَةِ الْأَدَبِ نَحْوَ أُفُقٍ أَبْعَدَ، يَصْهَرُنا في بُوتَقَةٍ إنْسانِيَّةٍ واحِدَةٍ.
– هَلْ وَجَدْتِ في دِراسَتِكِ تَشابُهًا بَيَنَ الْأَدَبَيْنِ العَرَبي والْإنْجِلِيزي؟
– نَعَمْ وَجَدْتُ تَشابُهًا كَبيرًا في أَغْراضِ الشِّعْرِ بَيْنَ الْمُتَنَبِّي وَشكسبير، وَما بَيْنَ الرُّومانْسِيَّةِ وَشِعْرِ المَهْجَرِ عِنْدَنا.
إنَّ دِراساتي وَقِراءَاتي دَفَعَتْنِي نَحْوَ مَنْهَجٍ نَقْدِيٍّ مُقارِنٍ، مُتَأَثِّرَةً “بِالْأَدَبِ الْمُقارَنِ”.
شُكْرًا لَكِ الْأَدِيبَةَ النّاقِدَةَ نافِلة مَرْزوق عَلَى الْإفادَةِ الْعَظيمَةِ.
توضيحٌ:
في الْحَلَقَةِ الثّانِيَةِ تُجيبُ الْأَديبَةُ على السُّؤالِ التّالِي
– مَنْ هِيَ نافِلَةُ مرزوق؟