نشاطات

الفلكية أكثر دقة في تحديد الصوم والعيد

  • ح الفلكية أكثر دقة في تحديد الصوم والعيد
    ___________
    اعتاد المسلمون أن يختلفوا في كل سنة حول تحديد بدأ الصوم وبدأ العيد، وذلك نتيجة خلافات فقهية تتعلق باختلاف المطالع، وأحياناً نتيجة خلافات سياسية تتعلق بتوهم بعض الأنظمة أنها بتميزها في إعلان الصوم والفطر تحتفظ بمرجعيتها المذهبية.
    وهذا الاختلاف أدى إلى أن يصبح الصوم والفطر موضع تندر لدى البعض، بل سبب أيضاً إرباكاً لدى الناس والمؤسسات قبيل الصوم والفطر في أعمالهم وعطلهم.
    ولو اعتمد العلماء ودور الفتوى الحسابَ الفلكيَّ لاستراحوا وأراحوا الناس، ولعرف الجميع موعد الصوم والفطر مسبقاً.
    والأخذ بعلم الفلك وبالحساب الفلكي ليس بدعة في الدين، بل هو الأقرب إلى دلالة النصوص الشرعية، وقد قال به جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين. وفي هذه المقالة أعرض الأدلة الشرعية على اعتماد علم الفلك، لأذكر في مقالة لاحقة أقوال بعض علماء السنة والشيعة في ذلك.

?أولاً القرآن الكريم:

_قال تعالى: ﴿ﺷَﻬْﺮُ ﺭَﻣَﻀَﺎﻥَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺃُﻧْﺰِﻝَ ﻓِﻴﻪِ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥُ ﻫُﺪًﻯ ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻭَﺑَﻴِّﻨَﺎﺕٍ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻬُﺪَﻯ ﻭَﺍﻟْﻔُﺮْﻗَﺎﻥِ ﻓَﻤَﻦْ ﺷَﻬِﺪَ ﻣِﻨْﻜُﻢُ ﺍﻟﺸَّﻬْﺮَ ﻓَﻠْﻴَﺼُﻤْﻪُ﴾ [ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ:١٨٥] وشهود الشهر هو العلم بدخوله، فالآية توجب على الأمة بدلالة الالتزام امتلاك الوسائل لمعرفة دخول الشهر، وهي العلم بحسابات الأهلة، فإن لم يمكن ذلك فيُكتفى باعتماد الوسيلة البدائية وهي الرؤية كما سنبين في الأدلة من السنة.
_وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس5] الآية تحدد هنا كيفية العلم بالشهور والسنوات، إنها منازل القمر والعلم بالحساب.
وقد أكد القرآن هذا في مواضع عديدة: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام] (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس39] (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) رغم كل هذا التأكيد القرآني على الحساب الفلكي واعتماد علم الفلك، يصرُّ علماؤنا على التشبث بالطريقة البدائية في تحديد الصوم والعيد، وتكاد فتواهم هذه تشبه فتوى منع المرأة من قيادة السيارة.
_ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﻭﻱ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ لقوله تعالى: ﴿ﻳَﺴْﺄَﻟُﻮﻧَﻚَ ﻋَﻦِ ﺍﻟْﺄَﻫِﻠَّﺔِ ﻗُﻞْ ﻫِﻲَ ﻣَﻮَﺍﻗِﻴﺖُ ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻭَﺍﻟْﺤَﺞِّ﴾ [ﺍﻟﺒﻘﺮة 189 ]: «ﺳﺄﻟﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻭﺗﺒﺪﻝ ﺃﻣﺮﻩ، ﻓﺄﻣﺮﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻴﺐ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻳﺆﻗﺘﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺃﻣﻮﺭﻫﻢ، ﻭﻣﻌﺎﻟﻢ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﺃﻭﻗﺎﺗﻬﺎ».

?ثانياً الأدلة من السنة:

_وأما الأدلة من السنة ففي صحيح البخاري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ «لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» وفي صحيح مسلم: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له»
فالحديث هنا يأمر باعتماد الرؤية، لأنها الأيسر على أهل ذلك الزمان، ولكن إذا لم تمكن الرؤية فلا بد من الرجوع إلى الأصل، وهو الحساب الفلكي «فاقدروا له»، وكأنه يشير إلى قوله تعالى (والقمر قدرناه منازل) كما ذكر الإمام الطحاوي.
_وفي صحيح مسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين» وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فضرب بيديه فقال «الشهر هكذا وهكذا وهكذا -ثم عقد إبهامه في الثالثة- صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين» فهاتان الروايتان تؤكدان أن علة الأمر باعتماد الرؤية هو الأمية وعدم القدرة على الحساب، والحكم كما قرر علماء الأصول يدور مع علته وجوداً وعدماً، أي عندما تنتفي الأمية وتصبحون قادرين على الحساب فاعتمدوه، وإلا لاكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «صوموا لرؤيته»، وأما تعليله ذلك بقوله: «إنا أمة أمية» فيفيد انتفاء اعتماد الرؤية عندما تنتفي الأمية. والله أعلم.
(المقالة التالية أقوال بعض علماء السنة والشيعة في المسألة)

مقالات ذات صلة

إغلاق