مقالات
أهمية تعليم اللغة العربية في دول المهجر
لا يدرك الكثيرون أهمية اللغة في حياة الشعوب، ولا يدركون أن حفظ اللغة وضمان استمراريتها يكون بقدر محافظتنا عليها كأفراد ناطقين بها. إن عدم إدراك هذا الأمر كان سببا في انقراض كثير من اللغات واللهجات في العالم. وبانقراض تلك اللغات انقرضت وتلاشت معرفتنا بشعوبها وأقوامها وثقافاتها.
إن كل شعب من الشعوب يتمسك بلغاته الأصلية، ويحرص على استمراريتها، ويعتبرها اللغات الرسمية التي لا يمكن التنازل عن التخاطب بها، حتى وإن كانوا على دراية بلغات أخرى.
إن علاقة الإنسان باللغة علاقة قوية ووطيدة، فلا يمكن تصور الإنسان بدون لغة، إذ إن هذه الأخيرة قد رافقته منذ أن وجد على ظهر هذه البسيطة، ولأنها هي التي تترجم ما في مكنون نفسه، وتعبر عن مراده ومقصوده، وتحول واقعه إلى كلمات، ولأنه كذلك، هي التي تؤسس لمفهوم «الأنا»، كما قال إميل بنفنيست وهي من تؤكد وجوده، وتبرز ذاته أمام الآخر، فقد ربط معها علاقة روحية خاصة، لهذا فأينما وجد الإنسان وجدت اللغة، وأينما انعدمت اللغة فقد الإنسان.
لكن واقع الجالية العربية في أوروبا لا يعكس ذلك تماما، إذ إننا قلما نجد أحدا من أبناء العرب في أوروبا يتقن اللغة العربية قراءة وكتابة وتعبيرا. بل إنها أصبحت لغة مهجورة عندهم، فهم لا يتواصلون بها حتى فيما بينهم. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وعيهم بأهمية اللغة، ودورها في الحفاظ على هويتهم، وعلاقتها القوية بدينهم الإسلامي.
فلماذا يا ترى لا يهتم أبناء جاليتنا في المهجر بلغتهم الأم؟ وما هي أهم العقبات التي تواجههم في تعلم اللغة العربية في بلاد المهجر؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، لابد بداية من الإشارة إلى التحول الذي عرفه قطاع تدريس اللغة العربية للجالية العربية المقيمة بالخارج، إذ إنه انتقل من تعليم تحكمه فكرة «حتمية الرجوع» إلى البلاد الأصل، والتي سادت في السبعينيات، إلى تعليم يرتكز على فرضية البقاء التي أصبحت واقعا، خاصة مع ارتفاع وتيرة الهجرة في إطار التجمع العائلي. ويهدف إلى الاندماج في المجتمع المستقبل، مع الحفاظ على الهوية والانتماء،.
وفي ظل هذا التحول، تغيرت وجهة المهتمين بتعليم اللغة العربية من أداة تخدم فكرة الرجوع إلى وسائل البحث عن سبل توطيد الاندماج والتوازن النفسي والثقافي للمهاجرين، خصوصا في صفوف الشباب.
ورغم الجهود التي تقوم بها الجهات المكلفة بالجالية والجمعيات بديار المهجر، فإن تدريس اللغة العربية يبقى جد محدود، ويواجه مجموعة من المشاكل، وقفت عليها شخصيا، انطلاقا من الدراسة الميدانية في دول المهجر التي أنجزتها والتي اعتمدت فيها على ثلاثة أنواع من استمارات (3)، وحوارات مع أساتذة ومؤطرين.
وقد قمت بدراسة ميدانية في إطار بحث الماستر لأهم التحديات التي تواجه تدريس اللغة العربية في المهجر، وتناولتها من ثلاث زوايا مختلفة:
< التحديات من وجهة نظر الأبناء.
< التحديات من وجهة نظر الآباء.
< التحديات من وجهة نظر الجمعيات.
وسأقتصر، بحول الله وقوته، في هذه المداخلة على المعوقات والتحديات التي تواجه الأبناء فقط.
معوقات تعلم اللغة العربية بالنسبة للأبناء.
في إشارة مهمة، وجب الوقوف عندها كثيرا وبنوع من المسؤولية، فإن نسبة 100% من أبناء الجاليات والذين شملتهم الدراسة، أكدوا اهتماهم بتعلم اللغة العربية. إذ تعتبر نسبة كبيرة منهم اللغة العربية لغتهم الأصل (63.7%)، في حين يعتبرها البعض الآخر لغة الدين (30.3%)، بينما قلة لم تتجاوز 6% فقط اعتبروها اللغة الثانية.
إلا أن مستواهم في تحصيل اللغة العربية (الجدول الأول) ونسبة تمكنهم من الكتابة والقراءة (الجدول الثاني)، يعكس غير ذلك:
هذه الإحصائيات التي بين أيدينا، تؤكد جليا أن هذه الرغبة الشديدة في تعلم اللغة العربية؛ باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الهوية الإسلامية والثقافة الأصلية – لا شك – أنها تصطدم بمجموعة من العراقيل تجعل أكثر من 62% من الأبناء لا يتقنون اللغة العربية. فما هي يا ترى الأسباب الكامنة وراء هذا؟
كشفت النتائج الميدانية، النتائج التالية:
انطلاقا من تحليل النتائج السابقة، يتبين أن 55% من التلاميذ يجدون صعوبة في تعلم اللغة العربية، وهذا في حقيقة الأمر راجع إلى جملة أمور أهمها:
< عدم وجود رغبة كافية لدى الطالب، مما يشكل عائقا نفسيا أمامه لتعلم هذه اللغة.
< طرق التدريس التي تعتمدها المؤسسات المهتمة بتعليم اللغة العربية، خاصة المساجد، والتي تعتبر تقليدية تعتمد التلقين المباشر، مما يجعل عملية اكتساب اللغة مسألة صعبة ومعقدة عند الطالب.
< اعتماد المناهج التعليمية المستوردة من البلاد العربية، والتي لا تتلاءم والمستوى المعرفي للطالب في أوروبا من جهة، ولا تراعي الواقع الذي يعيش فيه من جهة أخرى.
< ملاحظة مهمة وأساسية: وهي أن أبناء الجيل الثاني والثالث جلهم لا يتقنون اللغة العربية، وعند البحث في الأسباب نجد بأن المدارس والمساجد التي تعنى بتعليم اللغة العربية لم تكن آنذاك بالشكل الذي هي عليه حاليا، ففي الضواحي الباريسية مثلا، لم يكن فيها في الثمانينيات والتسعينياتا. في حين نجد اليوم عددا كبيرا من هذه المؤسسات، ولله الحمد، وهذا سيكون له وقع إيجابي على الجيل الرابع ومن سيليه.
مشكل آخر يطرح بحدة، وهو ما أكدته نسبة 27%، ويكمن في أن عدد الساعات المخصصة لتدريس اللغة العربية غير كافية بالنسبة لهم. إذ إن عدد الساعات في التعليم العمومي لا يتجاوز الساعتين أسبوعيا (وهي مدة غير كافية بطبيعة الحال)، أما في الجمعيات فهو في غالب الأحيان لا يتعدى أربع ساعات، توزع بين تدريس اللغة العربية وحصص التربية الإسلامية. وزيادة على ذلك فهذه الحصص – كما أكد ذلك نسبة 15% – مبرمجة في الأوقات المخصصة لراحة التلميذ، فالطالب بعد عناء الأسبوع، ينتظر يومي السبت والأحد ليرتاح ويستمتع باللعب، ليجد أمامه حصصا مثقلة من الدروس في انتظاره. فكيف ستكون نفسية هذا التلميذ؟ وكيف سيحب هذه اللغة التي تسلبه وقت راحته؟
ومن المعوقات التي تقف حاجزا أمام تعلم اللغة العربية، أن هذه اللغة غير متداولة في الوسط الذي يعيش فيه التلميذ: بمعنى داخل بيته وبين زملائه من أصول عربية، وهذا يعكس إلى حد كبير نجاح السياسة في إدماج الإنسان العربي بصفة عامة في المجتمع الغربي، وسلخه من هويته الأصلية فنسبة 52% من الأبناء لا يتحدثون اللغة العربية، ولو في صيغتها العامية الدارجة، مع آبائهم داخل المنزل. ناهيك على أن أكثر من 82% لا يتحدثونها مع زملائهم من جنسية عربية خارج المنزل.
كل هذه الأسباب وأخرى كانت عائقا أمام الأبناء لتعلم اللغة العربية. ومن ثم يجب على المهتمين بقضايا الهجرة، والمسؤولين عن الجالية، الانتباه إليها، ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لتخطيها، والمضي قدما نحو ترسيخ عنصر أساسي من عناصر الهوية لدى أبنائنا في ديار المهجر.
لذا عملنا على تعزيز التواصل بين أطفالنا في دول المهجر مع ابنائنا في دول الأصل من خلال التبادل الطلابي بين المدارس ولقد نجحنا بذالك في تعزيز التواصل وتبادل المعلومات باللغه ألعربيه .
ولقد أقمنا هذه التجربة مع الطالب المبدع الفلسطيني في كل من عدة دول أوروبيه منها كل من مملكة والدنمارك والسويد وفرنسا.ولقد وفقنا في ذلك ،رغم شح الدعم المادي لإقامة مثل هذا النشاط ونأمل من جميع وزاراة التربية والتعليم المعنية برعاياها ، ان تساعد وتتبنى هذه النشاطات