ثقافه وفكر حر
جميلون وقذرون.. مقاتلو الفايكنغ في مخطوطات العرب وسينما الغرب
وتعتمد هذه الرؤية لعالم الفايكنغ على الثقافة الشعبية الرائجة والصورة السينمائية المعاصرة مثل المسلسل الشهير فايكنغز وألعاب الفيديو، وكذلك على المصادر الأكاديمية والتاريخية، ويجري تصوير الفايكنغ في الأدبيات الغربية كبحارة مهرة ومحاربين إسكندنافيين أشداء ذوي سمعة دموية وطبيعة وثنية وحشية.
والفايكنغ شعوب جرمانية نوردية عملوا -إلى جانب الحروب والغارات- في الملاحة البحرية والتجارة، ورغم أنهم هاجموا السواحل البريطانية والفرنسية وأجزاء واسعة من أوروبا خلال “حقبة الفايكنغ” في القرون 8-11، فقد احتك بهم العرب في الشرق. واشتمل أدب الرحلات العربي على وصف للفايكنغ الشرقيين الذين كانوا أكثر خضوعاً واندماجاً في مجتمعاتهم المحلية وتكيفوا وشاركوا في أنظمة سياسية واجتماعية مختلفة، وتركوا آثاراً في أوروبا الشرقية أكثر بكثير من التي تركوها في الغرب.
وتقدم الأعمال الجغرافية وأدب الرحلات العربي صورة أكثر كثافة وتنوعًا في تناول التوسع الإسكندنافي بأوروبا الشرقية في القرنين التاسع والعاشر، ومع ذلك فقد حظيت هذه المادة تقليديًا باهتمام محدود جدًا من الدارسين، والسبب يبدوا غريباً ومعقدا نوعاً ما، إذ يثير وصف “روس” في الأدب الجغرافي والتاريخي العربي في العصور الوسطى ارتباكا بسبب تشابه مع اسم الدولة السلافية التي ظهرت في كييف الأوكرانية بالقرن العاشر وأصبحت جنين أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا.
وبخلاف نظرة اليمين المتطرف لهم، فقد أقام الفايكنغ مستعمرات واستوطنوا مناطق مختلفة عبر البحر المتوسط وبحر قزوين والبحر الأسود وحتى القطب الشمالي وشمال المحيط الأطلسي، وحافظوا على وجودهم في مناطق من روسيا وأوروبا الحالية إلى الأميركتين. ولم يكونوا بحارة متجانسين عرقياً كما يتصور اليمين العنصري في الغرب، بل كانوا متعددي الثقافات والأعراق، بحسب ما ذكره كتاب علم الأنساب الجرماني القديم لويليام جرونباش.
بالشرق الإسلامي
حدثت طفرة في السفر بين السكان الإسكندنافيين في الفترة الزمنية من منتصف القرن التاسع حتى بداية الألفية الميلادية، بحسب المؤرخ الأيسلندي ثوري جونسون هاروندال.
استكشف الفايكنغ العالم وكانوا من التجار الناشطين والتجار وحملة السيوف، وقام المقاتلون النرويجيون بغارات هائلة في أوروبا الغربية ورحلات إلى أيسلندا وغرينلاند وأميركا الشمالية، ووفقًا لهاروندال فإن الأنهار الرئيسية في أوروبا كانت طريق سفر محتمل إلى الشرق.
“وضعت المصادر الأثرية الفايكنغ غربًا، لكن العرب واجهوهم بشكل أساسي بالقرب من بحر قزوين، إذ كانت المنطقة محيطًا ثقافيًا مختلفًا تمامًا يحكمه الأتراك والثقافة العربية والإسلامية، وكان الأتراك وخاصة الخزر والبلغار هم القوى المهيمنة في المنطقة عندما وصل الفايكنغ.
يقول جونسون هاروندال “هناك اختلاف كبير بين الإسكندنافيين الذين سافروا شرقًا وأولئك الذين أبحروا غربًا، حيث كانوا في الشرق أكثر تبعية في المجتمعات التي أتوا إليها”.
ويحكي أحد مصادر هاروندال عن قصة مجموعة من الفايكنغ تابعوا الأنهار الأوروبية وصولاً إلى بحر قزوين، ثم عبروا بالقارب وذهبوا إلى بغداد على متن قوافل الجمال، في رحلة تزيد مسافتها عن خمسة آلاف كيلومتر.
ومن مخطوطات أحمد بن فضلان وآخرين، استخلص جونسون هاروندال بعض الاستنتاجات المهمة حول كيفية تصرف الفايكنغ في الشرق مقابل المعروف عنهم في الغرب، وتبادل التجار العرب والفايكنغ البضائع بالمقايضة فباع العرب العسل والجلود والعاج مقابل الفرو والمعاطف والعبيد السلافيين.
ووصفهم ابن فضلان بأن لهم أجساد طويلة كالنخيل وعظام بارزة في الوجه مع شعر أشقر وجلد وردي اللون والكثير من الوشوم في الرقبة والجسم، ووصف أسلحتهم (الفأس والسكين) الذين يحملونهم طوال الوقت.
ووصف ابن فضلان نساء الفايكنغ بأنهن يرتدين الحديد أو الذهب والفضة فوق صدورهن في مربعات تشير لثروة أزواجهن، ووصف كذلك خواتم العنق المميزة التي ارتدنها وحليهن الثمينة من الخرز غالي الثمن.
وتناولت مخطوطة ابن فضلان طقوس الجنازة لدى الفايكنغ الروس بما في ذلك إحراق الرجل وقتل الجواري مع سيدهن في ممارسة وحشية مرعبة، كما تناول عاداتهم “المقززة” في النظافة التي اعتبر أنها تناقض جمالهم الجسدي الظاهر، كما تتناقض مع الثقافة الإسلامية التي عرفت بالحرص على الطهارة والنظافة في العصور الوسطى.
بالغرب الإسلامي
بخلاف لقاء العرب مع الفايكنغ بالشرق، عرف العرب في غرب أوروبا الأندلسي أيضاً المقاتلين الفايكنغ عبر رحلاتهم للسواحل الشمالية والغربية لأوروبا وإلى روسيا، وفي البداية كانت غارات للنهب ثم للتجارة والاستيطان واستهداف المحاربين الفايكنغ سواحل الأندلس والأراضي الإسلامية بأذربيجان وجنوب بحر قزوين، وذكروا في كتابات العرب كوثنيين يحرقون موتاهم، واعتقد الأندلسيون أنهم مثل الزرادشتيين في بلاد ما قبل الإسلام بحسب الباحث التاريخي أمين الطيبي.
وبعيداً عن القتال، عرف الفاكينغ في المصادر العربية بتجارتهم الواسعة مع التجار المسلمين وخاصة وادي الفولغا، كما يتضح من الكمية الكبيرة من الدراهم العربية المكتشفة في كنوز بأكثر من ألف موقع في جزر البلطيق بشرق السويد وبالقرب من ضفاف النهر الروسي، وكان التجار المسلمون يدفعون الدرهم العربي مقابل سلع الجرمانيين و”النورثمان الإسكندنافيين” مثل الفراء والجلود والعنبر والجواري.
وروى المؤرخ الأندلسي ابن حيان القرطبي المتوفي 1067م أن سكان إشبيلية لم يتمكنوا من مواجهة الفايكنغ بسبب ضراوتهم وشدتهم في القتال، وذكر المؤرخ ابن سعد الأندلسي أن سكان سواحل الأندلس اعتادوا الفرار عند سماع أنباء وصول الفايكنغ الوشيك، ورويت المصادر التاريخية الأندلسية أنهم احتلوا لشبونة وإشبيلية قرابة ستة أسابيع وعاثوا فيهما فساداً قبل أن يطردهم منها عبد الرحمن الثاني الأموي حاكم قرطبة، ويعقد صلحاً معهم.