الدين والشريعة
تنافسنَ على القرب منه… الغيرة بين زوجات الرسول
في السيرة النبوية، وردت أحاديث كثيرة عن علاقة النبي محمد بزوجاته، وعن خلافات نشبت بينهنّ بدافع الغيرة، وصل الأمر في إحداها إلى حد تطليق النبي إحدى زوجاته، وفي ثانية إلى تشكيك إحداهنّ في عدالة الرسول.
وفي حديث عن عائشة أن الرسول خرج من عندها ليلاً في إحدى المرات، فقالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع. فقال: ما لكِ يا عائشة؟ أغِرتِ؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال: أقد جاءك شيطانك؟
من المواقف ذات الصلة ما حدث حين كان الرسول في سفر، وبرفقته زوجتاه عائشة وحفصة، فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين الليلة بعيري، وأركب بعيرك فتنظرين وأنظر؟ وافقت عائشة على المقترح، إذ كان هدفهما التعرّف على مشاعر النبي تجاه كل واحدة منهما، فركبت حفصة بعير عائشة وعائشة بعير حفصة، فجاء النبي إلى بعير عائشة وعليه حفصة، فسلّم ثم سار حتى نزلوا، وافتقدت عائشة الرسول، فما كان منها إلا أن وضعت قدميها بين الإذخر (نوع من الشجر)، وقالت: “ربّي سلّط عليّ عقرباً أو حيةً تلدغني، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئاً”.
لم توضح الرواية السابقة التي ذُكرت في صحيح البخاري، ما دار بين النبي وحفصة، ولكنها تشير إلى أنه أدرك منذ الوهلة الأولى أن راكبة جمل عائشة هي حفصة، ولكنه آثر مجاملتها وتطييب خاطرها، حسب ما ذكر محمد بن فارس الجميل، في كتابه “أزواج النبي”، وكان وضع عائشة قدميها بين الشجر تسأل الله أن يلدغها عقرب مجرد محاولة منها لجذب انتباه النبي.
“تتحدث مع ابنة اليهودي في يومي!”
كان النبي يقسّم وقته بين زوجاته، وحينما كان يتجاوز التقسيم ويذهب إلى واحدة منهنّ في يوم الأخرى، كانت أحياناً تنتج عن ذلك مشكلة. ففي إحدى أسفار النبي اصطحب معه زوجتيه أم سلمه وصفية بنت حُيي، فأقبل رسول الله على هودج صفية، وهو يظن أنه هودج أم سلمة، وظل يتحدث معها فغارت أم سلمة، إلا أن النبي شعر بالخطأ الذي ارتكبه، فعاد إلى أم سلمة وهي في ذروة غضبها، فقالت أم سلمة: “تتحدث مع ابنة اليهودي وفي يومي وأنت رسول الله”. ثم بعد قليل رجعت إلى النبي نادمةً على ما ارتكبت، وقالت: “يا رسول الله استغفر لي، فإنما حملتني على ذلك الغيرة”.
وكما تفهّم النبي موقف أم سلمة المذكور، كان أكثر رقةً وتعاطفاً مع عائشة في الواقعة الشهيرة التي حدثت بينهما بسبب بعير صفية بنت حُيي. كان حمل هذا البعير ثقيلاً، ما جعله يبطئ الركب، بينما بعير عائشة نشيط وحمله خفيف، فأمر النبي بتحويل متاع صفية إلى جمل عائشة، ومتاع عائشة إلى جمل صفية. قالت عائشة: “فلما رأيت ذلك قلت يا لعباد الله غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله”، فجاء رسول الله يراضي عائشة، وقال لها: “يا أم عبد الله إن متاعك فيه خفّ وكان متاع صفية فيه ثقل”.
ويبدو أن عائشة لم تقتنع بالسبب الذي قاله لها رسول الله، فقالت: “ألست تزعم أنك رسول الله؟”، فتبسم النبي قائلاً: “أوَفي شك أنت يا أم عبد الله؟”، فقالت عائشة: “ألست تزعم أنك رسول الله فهلا عدلت”، وكان على مقربة منهما أبو بكر يسمع كلام ابنته، فأقبل عليها مسرعاً ولطم وجهها، فقال رسول الله: “مهلاً يا أبا بكر”، فرد أبو بكر: “أما سمعت ما قالت؟”، فقال النبي ملتمساً العذر لعائشة: “إن الغيرة لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه”.
اللافت هنا أنه على الرغم من ثورة عائشة العارمة، ومساءلتها له حول رسالته، إلا أن النبي خاطبها بأحب الكُنى إلى نفسها، “أم عبد الله”، ولم يزجرها، بل هدّأ من روع والدها ودافع عنها وعزا ما صدر منها إلى الغيرة التي لا تتحكّم بها.
“كلوا غارت أمكم”
على الرغم من أن عائشة شهدت ببراعة صفية بنت حُيي في طهي الطعام، إلا أن الغيرة كان لها رأي آخر عندما أرسلت صفية جاريتها بطعامٍ أعدّته للنبي وهو في بيت عائشة. تقول عائشة عن ذلك: “فلما رأيت الجارية، أخذتني رعدة من شدة الغيرة، فضربت القصعة (إناء من خشب) فرميت بها، فقالت: فنظر إلي رسول الله، فعرفت الغضب في وجهه. فقلت: أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم. فقال: أولى، قلت: ما كفارته يا رسول الله، قال: طعام كطعامها وإناء كإنائها”.
وفي واقعة أخرى، أرسلت أم سلمة طعاماً إلى رسول الله وأصحابه وهو في بيت عائشة، فما كان من عائشة إلا أن أخذت حجراً وفلقت به الصفحة (إناء من غير الخشب)، فجمع النبي بين فلقتيها، وقال لأصحابه: “كلوا غارت أمكم” مرتين، ثم أخذ صفحة عائشة، وأرسلها إلى أم سلمة، وأعطى التي كُسرت لعائشة.
الكاتب محمود صلاح