مقالات

تفكيك منظومة العنف: قراءة في الأسباب العميقة وآليات المواجهة (2)

بقلم: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

قديشهد المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني تصاعدًا غير سبوق في معدلات العنف، مما يفرض علينا قراءة معمقة لأسباب هذه الظاهرة، بعيدًا عن التفسيرات السطحية التي تحصرها في البعد الجنائي أو الفردي، إن العنف ليس مجرد أفعال إجرامية معزولة، بل هو منظومة متكاملة، تتداخل فيها العوامل السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، مما يتطلب استراتيجيات شاملة لتفكيكها.
أولًا: الأسباب العميقة لمنظومة العنف
• الإقصاء السياسي والتمييز الممنهج
يعاني الداخل الفلسطيني من سياسات تمييزية أدت إلى تهميش مجتمعي واسع، إذ يُعاني الشباب من تضييق في فرص العمل والسكن، مما يغذي الإحباط ويزيد من احتمالية اللجوء إلى العنف كوسيلة تعبير عن الغضب المكبوت، وبالمكان متابعة وزراء في هذه الحكومة العنصرية لترى بشكلٍ جلي العنصرية والتحريض الأرعن على المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني
• التفكك الأسري والاجتماعي
يلعب ضعف الروابط الأسرية وتراجع دور العائلة في التنشئة دورًا مركزيًا في انتشار العنف، حيث يؤدي غياب الرقابة الأبوية وافتقاد القيم المجتمعية إلى انحراف الشباب نحو الجريمة.
• الاقتصاد الهش وسيطرة رؤوس الأموال المشبوهة
في ظل الفجوات الاقتصادية وغياب المشاريع التنموية تدفع شريحة واسعة من الشباب إلى البحث عن مصادر دخل سريعة، مما يجعلهم عرضة للاستقطاب من قبل منظمات الجريمة المنظمة التي توفر بدائل مغرية لكنها مدمرة للمجتمع.
• غياب الردع القانوني والتراخي في إنفاذ القانون والكشف عن المجرمين ومعاقبتهم
يشجع التهاون في ملاحقة المجرمين وعدم تقديمهم للمحاسبة على تصاعد العنف، حيث يشعر الجناة بأنهم فوق القانون، وبأنهم أصحاب القرار داخل المجتمع مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب.
• تأثير الإعلام وانتشار ثقافة العنف
يساهم الإعلام التجاري وبعض المنصات الرقمية في ترسيخ أنماط سلوكية قائمة على القوة والانتقام، مما يؤثر على وعي الأجيال الشابة ويدفعها نحو تقليد هذه السلوكيات العنيفة.
ثانيًا: آليات المواجهة والتفكيك
• إعادة بناء العقد الاجتماعي وتعزيز الثقة بالمؤسسات
يجب أن تعمل القيادات المجتمعية والدينية على إعادة بناء الثقة بين المجتمع ومؤسساته، من خلال تعزيز دور لجان الإصلاح، ودعم المبادرات الشبابية، والتأكيد على أن الأمن مسؤولية مجتمعية مشتركة.
• إصلاح المنظومة التعليمية
إدخال مناهج تربوية تعزز قيم الحوار وحل النزاعات بطرق سلمية، إلى جانب تشجيع الأنشطة اللاصفية التي تنمي مهارات القيادة والعمل الجماعي، يسهمان في تحصين الأجيال القادمة من الوقوع في دوامة العنف.
• تحريك عجلة الاقتصاد وتوفير فرص عمل آمنة
تشجيع المشاريع الاقتصادية المحلية، ودعم رواد الأعمال الشباب، وتقديم منح دراسية ومهنية بديلة، من شأنه أن يحدّ من استقطاب الشباب من قبل العصابات الإجرامية.
• تفعيل الردع القانوني دون تمييز
يجب الضغط على الجهات المعنية لضمان تحقيق العدالة في إنفاذ القانون، بحيث يتم التعامل مع الجريمة بجدية دون تمييز، لمنع تحوّل بعض المناطق إلى بؤر خارجة عن السيطرة.
• دور الإعلام والتوعية المجتمعية
لا بد من تبنّي خطاب إعلامي مسؤول، يعزز ثقافة السلم الأهلي، ويقدم نماذج إيجابية لشباب ناجحين، إلى جانب إطلاق حملات توعوية حول خطورة العنف وأثره التدميري على جميع الأصعدة.
• تعزيز القيم الدينية والأخلاقية
للإسلام دور مركزي في ضبط سلوك الأفراد، إذ يحثّ على التراحم والتسامح ونبذ العنف، لذا يجب تعزيز هذا الجانب من خلال خطب الجمعة، والبرامج الدينية، والمبادرات المجتمعية الهادفة.
خاتمة
إن تفكيك منظومة العنف يتطلب رؤية استراتيجية عميقة، تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية إلى معالجة الجذور العميقة للمشكلة، فمن خلال تعزيز العدالة الاجتماعية، والتمكين الاقتصادي، والإصلاح التربوي، والتشديد القانوني، نستطيع رسم طريق للخلاص من هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل أجيالنا، والمطلوب اليوم ليس مجرد حلول نظرية، بل إرادة مجتمعية حقيقية تتبنى هذه الاستراتيجيات على أرض الواقع.
بقلم: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق