عواصم ثقافيه
تاريخ الحروب الصليبية
✏ تاريخ الحروب الصليبية … (128)
💢The History Of The Crusades
——————————————————————
مازلنا نتابع تطورات الحملات النورية و الصليبية على مصر ؛ مع شيركوه والبطل صلاح الدين وأمالريك(عموري الأول) ملك بيت المقدس الصليبية ؛ في دولة نور الدين محمود زنكي ، ونكمل مع استيفن رنسيمان ليحدثنا أيضا عن تلك المرحلة من وجهة نظر الإمارات الصليبية
——————————————————————
🔹️ آخر ما سبق :
في العام ١١٦٨م تقدم أمالريك نحو القاهرة مرة أخرى؛ خارقا المعاهدة السابقة التي قضت بخروجه من مصر نظير خروج شيركوه و صلاح الدين ؛ و قد أذاع أنه سيهاجم حمص من باب التمويه على نور الدين .
خرج الجيش الفرنجى مـن عسقلان يوم ٢٠ اكتوبر ليصل بعد ذلك بعشرة ايام أمام بلبيس ، الأمر الذي أصاب شاور بالهلع فما كان يظن قط أن يخرق أمالريك معاهدته .
قرر شاور المقاومة ورفض ابنه طىء – إلا أن أمير الحامية الصليبية في بلبيس – فتح بواباتها للفرنج .وبعد ثلاثة أيام من القتال اليائس ، دخل الجيش الفرنجي القلعة يوم 4 نوفمبر ، أعقبه مذبحة مروعة للسكان .
وبعد أيام قليلـة وصـل اسـطول فرنجى صغير محمل في أغلبه بالغربيين ، وكان مقررا أن يبحـر أعلى مصب النيـل فـي تـانيس (*صان الحجر محافظة الشرقية) ، إلى بحيرة المنزلة وهبط فجأة على مدينة تانيس ؛ وتكررت نفـس مشاهد الرعـب ، وارتكبوا مذبحة جديدة .
تشكك شاور في قدرة الفسطاط على الصمود فأشعل فيها النيران ، وأرسل سفيره شمس مرة أخرى إلى أمالريك ليقول له إنه قبل أن تسقط القاهرة في أيدي الفرنج سيحرقها هي ايضا إلى أن يسويها بالارض بكـل مـا فيها من ثروة .
راح شـاور يتلاعـب كسبا للوقت ؛ فبدأ يساوم على المبلغ الذي يستطيع دفعه ؛ فدفع مائة ألف دينـار فـديـة ابنه طئ ، وراح يتحدث عن مدفوعات اخرى .
وفي تلك الأثناء انتقل الجيش الفرنجى بضعة اميال شمالا وعسكر في المطرية ، حيث شجر الجميز الذي أوقف ظله السيدة العذراء اثناء هروبها في مصر . وانتظروا هناك ثمانية أيام إلى أن جاءت الأنباء فجأة بأن شيركوه يزحف داخل مصر التي جاءها بدعوة من الخليفة الفاطمي .
——————————————————————–
🔸️ شيركوه يفوز بمصر لنور الدين
لم يكن شاور يرغب في اتخاذ تلك الخطوة اليائسة ، لكن ابنه الکامل فرض عليه رأيه وأرغم سيده الإسمي الأعلى – الخليفة العاضد – على الكتابة إلى حلب عارضا على نور الدين ثلث أرض مصر واقطاعيات لقواده .
………
*الحقيقة أن الخليفة الفاطمي أرسل بشعر نسائه الباكيات المتوسلات إلى نور الدين مستغيثا لإنقاذه و حريمه من أفعال شاور و الصليبيين في آن واحد .
……….
ولابد أن الخليفة الصغير أدرك خطر التماس الحماية ممن يعتبره مهرطقا مدع ، لكنه كان فاقد الحيلة .
وعندما تسلم.نور الدين الدعوة ارسل مبعوثا إلى شيركوه في حمص التي يقيم بها ؛ على أن المبعوث وجد شيرکره فعلا على بوابات حلب ، ولم يتردد نور الدين هذه المرة ، فزود شیرکوه بثمانية آلاف فارس وخزانة لتمويل الحرب تحوى مائتي الف دينار للإنفاق على جيش دمشق لغزو مصر ، وامر صلاح الدين بمصاحبته .
ولم يكن شاور على يقين بعد أین تكمن مصالحه ، فأنذر أمالريك الذي تحرك مع جيشه ناحية برزخ السويس آملا أن
ينقض على شيرکوه عندما يبرز من الصحراء ؛ لكن شيركوه أفلت منه بانحداره جنوبا .. وبذا لم يكن للفرنج الآن بد من الجلاء .
……
تقول المصادر الإسلامية أن أمالريك قرر الإنسحاب بمجرد أن علم بمقدم شيركوه و ليس لأنه أفلت منه جنوبا !!
…..
وبدأ أمالريك انسحابه بوم ۲ يناير ١١٦٩م بعد أن أمر أسطوله بالعودة إلى عكا وبعد أن استدعى الحامية التي تركها في بلبيس للإنضمام إليه .
وبعد ستة أيام دخل شیرکوه القاهرة تارکا جیشه معسكرا عند باب اللوق ، وذهب إلى القصر حيث منحه الخليفة الهدايا الرسمية ووعد بالمال والطعام لجنوده .
وحياه شاور بحرارة ؛ ودأب على زيارته يوميا في الأيام التالية لمناقشة الترتيبات المالية وتقسيم الوزارة .
وتلقی شیرکوه تلك العروض بكياسة ؛ غير أن ابن اخيه صلاح الدين، الذي كان أهم مستشاريه ، أصر على اتخاذ اجراء اكثر شدة وأفلح في إقناع الخليفة بالحضور متنكرا إلى مقر شیرکوه ؛…
وفی ۱۸ بنابر تلقی شاور دعوة لمرافقة شیرکوه في زيارة دينية لقبر الإمام الشافعي ، وعندما شرع شاور في الذهاب ، انقض عليه صلاح الدين وأمراؤه ، وجردوا حراسه من أسلحتهم وألقوا القبض عليه .
وفي أقل من ساعة صدر أمر من الخليفة بضرب عنقه، ووضعت رأسه عند قدمي الخليفة .
ولکی يتجنب شیرکوه أية محاولة تنال منه أعلن أن بيت الوزير مفتوح لمن يرغب في نهبه ، وبينما كانت الجماهير تتدافع إلى هناك ، انتقل هو والخليفة إلى القصر وتولى زمام
الحكومة بهدوء .
ولقد كان حكم شاور أبعد ما يكون عن الشعب، وكان اعتبار
شیرکوه للشرعية غاية في الريبة حيث لم يلق النظام الجديد معارضة أي من حكام المقاطعات. ولم تمض أسابيع قليلة حتى غدا شيركوه سيد مصر كلها ؛ وتسلم أمراؤه الاقطاعيات التي كانت لدي شاور و أسرته، وحصل هو نفسه على لقب الوزير .
…….
*الريبة لديك أنت يا سيد استيفن لأنك طوال الوقت تزعم أن معظم المصريين كانوا يكرهون شيركوه وصلاح و يحبون الصليبيين والفاطميين فيبدو أنك قد صدقت نفسك !! لكن الواقع أن شعب مصر السني كرههم وذاق الأمرين من هرطقتهم و أفعالهم ؛ لذلك رحب بشيركوه موفد الدولة النورية السنية التي تتبع الخلافة العباسية ..
…….
ولم يعش شیرکوه طويلا في رفعنه ؛ إذ مات يوم ۲۳ مارس ۱١٦۹م بسبب التخمة . !!!!
ولقد حجبت شهرته في التاريخ بظلال سیده نور الدين وابن أخيه صلاح الدين . ومع ذلك ، كان هو الذي أدرك بجلاء يفوق أی مسلم آخر ، أن غزو مصر بما لها من موقع استراتيجي وموارد لا تنضب ، هو المقدمة الضرورية لاسترجاع فلسطين ؛
وبرغم تردد نور الدين ويقظة ضميره، ظل شیرکوه يعمل بلا كلل لتحقيق هذه الغاية.
وكان لابن أخيه أن يحصد ما دأب على غرسه كان ذا مظهر يخلو من أهمية، وكان.قصيرا، ربلا، أحمر الوجه، يبصر بعين واحدة، وكانت ملامحه تنم عن وضاعة مولده . غير أنه كان جنديا عبقريا والقليل من القادة يتفانی جنودهم في حبهم .
…….
* المعروف أن أبيه شاذي كان أميرا و شيركوه وأيوب كانا أميرين من قبل السلاجقة على حصن تكريت حتى قبل صعود زنكي والد نور الدين .. ولكن يبدو أنك لا تفرق بين التواضع والوضاعة لضعف أمانتك .
……..
ولقد تحقق الفرنج جيدا من الأهمية القاتلة لإنتصار شیرکوه . وبينما ألقى بعضهم باللائمة على جشع مایلز (أوف بلانسی) ، الذي جعل الملك يقبل المال بدلا من الحرب، وبحث آخرون عن كبش فداء فوجدوه في السيد الأعظم لفرسان المشفى ، الذي أجبر على التخلي عن منصبه والعودة إلى بلاده في الغرب .
وأما أمالريك نفسه فقد ارسل النداء إلى الغرب لتسيير حملة صليبية جديدة . فانطلقت في باكورة عام ۱۱٦۹م سفارة لتحريك العواطف ، يرأسها البطريق أمالریك ورئيس اساقفة قيسارية ، تحمل رسائل إلى الإمبراطور فريدريك الألماني، ولويس السابع ملك فرنسا، وهنري الثاني ملك انجلترا ، ومارجريت الملكة الوصية على صقلية ، وإلى كونتات فلاندرز و بلوا.
ويروى أنه بعد مضي يومين في البحر ، هبت عاصفة هوجاء أعادت سفن السفراء إلى عكا ، ولم يرض أحد من الركاب المجازفة مرة أخرى بأخطار الأعماق .
وانطلقت سفارة ثانية يرأسها فريدريك رئيس اساقفة صور ، ومساعده الأسقف ، وجون أسقف بانياس ، وحیبرت مرشد نظام فرسان المستشفى . ووصلوا روما في يولية ۱۱٦۹م
حيث أعطاهم البابا ألكسندر الثالث خطابات توصية موجهة إلى جميع رجال الدين أتباعه .
بيد أن تلك الرسائل جميعها لم تجد فتیلا ؛ إذ احتجزهم الملك لويس لأشهر طويلة في باريس ، حيث مات أسقف بانیاس ، بينما كان الملك يشرح لهم مشاغله مع أسرة البلانتاجينيتس (الحاكمة في إلترا) . فواصلوا رحلتهم إلى انجلتر حيث حادثهم الملك هنري عن متاعبه مع الكابتيون .
ولم يكن هناك معنی لزيارة ألمانيا نظرا للخلاف بين البابا والإمبراطور . وبعد عامين من الإستجداء العقيم عادوا إلى فلسطين بقلوب منفطرة .
🔹️حملة التحالف الصليبي البيزنطي على مصر ۱۱٦٩م
أحرزت السفارة المرسلة إلى القسطنطينية نجاحا أكبر، ذلك أن مانويل أدرك جيدا أن ميزان القوى في الشرق قد انقلب بصورة خطيرة ، فعرض على آمالريك تعاون الأسطول البيزنطي العظيم في حملته التالية ، فوافق الملك أمالريك مسرورا .
إذ ربما أمكن مع ذلك استعادة مصر ، إذ أن نور الدين في غاية الانشغال في الشمال على مايبدو ، فقد نتج عن موت قره أرسلان ، أمير دیار بکر الأرتقی عام ۱١٦٨م، وما تلا ذلك من خلاف حول الميراث ، أن أفسد النظام على نور الدين وعلى أخيه قطب الدین صاحب الموصل ؛ …
فضلا عن أن غازی بن حسان ، حاکم منبج ، تمرد بعد ذلك مباشرة ، ومضت عدة أشهر قبل تسوية أمره . والآن كان قطب الدين يحتضر ، وسرعان ما سوف تثار مسألة الإستخلاف على الموصل.
وفي مصر إنتقلت ألقاب شیرکوه وسلطته إلى ابن أخيه صلاح الدين . ولكن صلاح الدين ليس بالحاكم المحنك ، وكان هناك آخرون من أمراء شیرکوه يتمنون استخلافهم مكانه ، غير أن الخليفة اختار صلاح الدين وهو على ثقة من أن افتقاره إلى الخبرة ستدفعه إلى الاعتماد على المسؤوليين الفاطميين . *هههههه سيعترف بحكمته في الأسطر التالية !!!
وفي ذات الوقت كتب كبير الطواشية لدى العاضد – وهو
نوبي يدعى المؤتمن – سرا إلى القدس يعد بالمساعدة في حالة غزو الفرنج لمصر ؛ ولكن لسوء حظه، لاحظ أحد عملاء صلاح الدين شكلا غير طبيعي لخفين مع أحد سعاة البلاط مما أثار ريبته، فأخذهما وقطع خياطتهما ووجد الرسالة فيهما . (*في الواقع كان العماد الكاتب رئيس استخبارات صلاح الدين من كشف ذلك بعد طول مراقبة)
وانتظر المؤتمن ثأر صلاح الدين منه ، غير أن أنباء انعدام الأمن لديه شجعت المسيحيين(*صليبيي بيت المقدس) وأرسل أمالريك إلى الإمبراطور يستعجله ؛ وفي ۱۰ يولية ۱۱٦۹م إنطق الأسطول الإمبراطوري الضخم من الدردنيل بقيادة الدوق العظيم أندرونيكوس كونتوستيفانوس .
وأبحر الأسطول الرئيسي إلى قبرص مستوليا على سفينتين مصريتين في طريقه ، وأبحر أسطول أصغر مباشرة إلى عكا يحمل معونات مالية لجنود أمالريك . وقيل لأمالريك بأن
يرسل إلى قبرص مستدعيا الأسطول عندما يرغب في ذلك .
لكن امالريك لم يكن جاهزا ، إذ أن حملة عام ۱۱٦۸م سببت الإضطراب في قواته ، و كانت خسائر فرسان المستشفى جسيمة جدا .
……
*من أين جاءت الخسائر الفادحة و أنت قلت سابقا أنه انتصر انتصارا ساحقا و نهب وارتكب المجازر و أن شيركوه هرب منه جنوبا ولم يواجهه ؟
…..
وأما فرسان المعبد فكانوا لا يزالون يرفضون الاشتراك ، وقد
خبت جذوة الحماس عند البارونات عما كانت عليه، إذ أن التجربة السابقة أضعفت عزائمهم ، ولم يرسل آمالریك إلى قبرص لاستدعاء الأسطول إلى عكا إلا في سبتمبر ، وقد أثار منظره الرائع مشاعر البهجة لدى السكان ؛…
ولم تتهيأ الحملة كلها للمسير إلى مصر إلا في منتصف أكتوبر ، وضاعف التأخير من الحظ التعس ؛ ذلك أن مانویل ،
الذي أدخلوا في روعه التفاؤل ، أعد العدة لحملة تستغرق وقتا قصيرا وزود سفنه بالمؤن التي تكفي ثلاثة أشهر فقط ، وقد قاربت الأشهر الثلاثة على الانقضاء. ولم . تستطع قبرص المساعدة في اعادة تموين الأسطول وهي التي لم تیرا بعد مما سببه رينالد(*أرناط) من خراب ، وليس في عكا مؤن يمكن الحصول عليها .
……. .
*قبرص ليست بعيدة على مانويل لإعادة التموين كما أن ٣ أشهر كافية جدا لجمع المؤن من الإمارات الصليبية ، لكنك تمهد لتعليق الفشل و الهزيمة على الصدفة و الظروف !!
……..
وتلقى صلاح الدين تحذيرات كثيرة عن الحملة ؛ ولكي يوفر لنفسه الأمان في القاهرة إعتقل في ۲۰ اغسطس ۱۱٦۹م الخصى المؤتمن وضرب عنقه ، وطرد جميع خدم القصر ممن
يعرف عنهم الولاء للخليفة واستبدلهم بصنائعه هو نفسه . وطرد بعض المسؤولين الذين شجعهم الخليفة على تحريض حرس القصر النوبيين على الثورة ومهاجمة جنود صلاح
الدين .
…….
*لم يفعل صلاح ذلك مباشرة؛ بل الطواشي مؤتمن الخلافة قام بقتل الخادم الحبشُّي، وعزل بقية الُخدَّام فغضبوا لذلك واجتمعوا قريباً مِن خمسين ألفاً، فاقتتلوا هم وجيش صلاح الدين بين القَصْرَين .
…….
وقام فخر الدين أخو صلاح الدين ، بهجوم مضاد لكنه لم يستطع أن يفعل شيئا إلى أن أشعل صلاح الدين النيران في ثكنات الحرس في الفسطاط التي كان بها زوجات وأولاد أفراد الحرس النوبيين ، فما كان من الحرس الا أن هرولوا هربا
لإنقاذهم ؛ فانقض عليهم فخر الدين وقتلهم جميعا على وجه التقريب .
أما الخليفة الذي كان يرقب المعركة ، فقد سارع ليؤكد ولاءه لصلاح الدين ، وأدى تخلي الخليفة عن النوبيين إلى القضاء على الحرس كله ؛ إذ أن الحرس الأرميني ، الذي لم يشترك في المعركة ، قد أحرق حتى الموت في الثكنات . وهكذا أفلح صلاح الدين في إسكات معارضيه .
🔹️ حصار دمياط ۱١٦٩م
انطلق الجيش المسيحي أخيرا يوم ۱۹ اکتوبر . وعرض أندرونیكوس کونتوستيفانوس ، الذي أغاظه تأخير أمالريك ، نقل كل الجنود بحرا ؛ لكن الفرنج أصروا على الطريق البري . وفي ۲۰ اکتوبر دخل الجيش مصر عند الفرما بالقرب من
بلیوزیوم (*بورسعيد ).
وكان صلاح الدين يتوقع هجوما على بلبيس ، فرکز قواته هناك ، لكن السفن البيزنطية كانت قد نقلت الفرنج عبر فروع النيل الشرقية ، وأبحرت بمحاذاتهم بطول الشاطئ ، فزحف الفرنج بصورة خاطفة على دمياط ، تلك القلعة الغنية التي
تحكم في فرع النيل الرئيسي ، ومنها يستطيع الأسطول الإبحار بإتجاه القاهرة .
………..
*هنا وصف دمياط مجازا بأنها قلعة !! ولكنه استعمل هذا الإسم طوال الرواية لإيهام القارئ بأنه يستحيل مهاجمتها فهي قلعة !!! و ما كانت إلا مدينة كبيرة و قد أحكم صلاح الدين تحصين أسوارها .. وكانت تحصينات عادية .. لكنه يمهد لتبرير فشل الحملة ليلقي على الظروف باللوم لإنكار شجاعة المصريين و كفاحهم و بطولاتهم التي أدت لهزيمة الحملة !!!
………..
وبوغت صلاح الدين . ولم يجرؤ هو نفسه على مغادرة القاهرة خشية أن يتشجع مناصرو الفاطميين للقيام بثورة ؛ لكنه أرسل التعزيزات إلى دمياط ، وكتب بنفسه إلى سوريا يلتمس المساعدة من نور الدين .
وكانت الحامية في دمياط قد ألقت بسلسلة عظيمة بعرض النهر ؛ ولم تتمكن السفن اليونانية – التي أعاقتها أيضا رياح معاكسة – من الإبحار مرورا بالمدينة کی تعترض تعزيزات الجنود والمؤن الآتية في المجري من القاهرة.
…….
*هنا مزيد من تكريس العلل والصدف و الحجج لتبرير الهزيمة لا تريد أن تعترف مرة بمجهود الخصم ولا شجاعته ولا أن صلاح أحكم تحصين المدينة واستعد جيدا للحصار !!!
…….
وربما استطاع المسيحيون الاستيلاء على القلعة بهجوم مفاجئ ؛ غير أنه برغم إلحاح کونتوستيفانوس للقيام بهجوم فوری – وقد شغله تناقص الإمدادات – فقد شعر أمالريك بالرهبة من التحصينات المروعة !! ، وأبدى رغبته في تشييد المزيد من أبراج الحصار .
وبقرار خاطئ وضع البرج الأول أمام أقوى حزء في الأسوار ؛ وأطلق اليونانيون آلات حصارهم تقصف ناحية مقدسة تضم كنيسة صغيرة مكرسة للسيدة العذراء ، وهي ناحية كانت السيدة العذراء قد توقفت فيها أثناء رحلتها إلى مصر؛ فدب الهلع بين السكان المحليين من المسيحيين والمسلمين على السواء .
…….
*تشعرنا أنهم يقصفون بمدفعية بعيدة المدى لا مجانيق تقدف عدة أمتار ويرى مطلقها ما بعد مداها بوضوح لمئات الأمتار !
……..
وفي كل يوم يتدفق جنود (*مصريون) جدد إلى داخل المدينة . وفي كل يوم كانت حصص البحارة اليونانيين . ورفاقهم على الشاطئ تتناقص ، دون أن يساعدهم حلفاؤهم الفرنج بما لديهم من وفرة في الإمدادات . *ههههه
وفي كل يوم كان كونتوستيفانوس يناشد أمالريك المجازفة بهجوم شامل على الأسوار ، ويرد آمالریك بأن المجازفة بالغة الخطر ! ، ويهمس له قواده المرتابون في اليونانيين بأن الذي يحرك حماس کونتوستيفانوس هو رغبته في الإستيلاء على دمياط كجزء من الغنائم الإمبراطورية .
وما أن أهل شهر ديسمبر حتى بدا جليا أن الحملة قد فشلت . فبدون طعام لا يستطيع اليونانيون المضي في الحرب . وأطلق المدافعون(*المصريون) قاربا مشتعلا في وسط الأسطول (*البيزنطي) ، فأنزل باليونانيين خسائر فادحة ، رغم أن تدخل أمالريك العاجل قلل من الأضرار .
وصارت القلعة(*دمياط) الآن مزودة جيدا بالرجال و الإمدادات ، وقيل إن الجيش الإسلامي الآتي من سوريا يقترب ؛ وعندما هطلت الأمطار هطولا مبكرا وأحالت المعسكر المسيحي إلى مستنقع ، كان الوقت قد حان لرفع الحصار . *ههههه ظروف أيضا ؟!
ولا يعرف على وجه اليقين ما إذا كان أمالريك هو الذي بدأ التفاوض مع العرب ام کونتوستيفانوس ، ولا الشروط التي اتفق عليها . وربما أعطى المسيحيون تعويضا ماليا ؛ وبكل اليقين كان أمالريك يأمل في عزل صلاح الدين عن نور الدين بإظهار بعض مظاهر الصداقة مع صلاح الدين ،خاصة وأن علاقات أمالريك بنور الدين يشوبها البرود على الأرجح.
وفي 13 ديسمبر حرق المسيحيون آلات حصارهم كلها حتى لا تقع في أيدي المسلمين ورحلوا عن دمياط ، ووصل الجيش إلى عسقلان في الرابع والعشرين، أما الأسطول فكان أقل حظا ؛ فبينما كان مبحرا باتجاه الشمال هبت عاصفة شديدة ، ولم يستطع البحارة الذين كانوا يتضورون جوعا السيطرة على سفنهم التي امتلأ الكثير منها بالماء وغاص في الأعماق .
وكانت مياه البحر تلقي بالجثث اليونانية على شواطئ
فلسطين لأيام ؛ وهرب کرنتوستيفانوس نفسه وأبحر إلى كيليكيا ومنها إرتحل برا لرفع تقريره إلى الإمبراطور، ووصلت بقايا الأسطول العظيم إلى مياه البوسفور في وقت مبكر من العام التالي .
…….
*كانت هذه دعوات نور الدين وتضرعه إلى الله في جوف الليل بإهلاككم و لغاراته على إماراتكم لتقلعوا عن دمياط مرعوبين !!!
……
وأدت النتيجة الفاجعة للحملة حتما إلى تبادل السباب والإتهامات . وألقى الفرنج باللائمة على اليونانيين لنقص الإمدادات ؛ وألقي اليونانيون ، بتعقل أكثر ، باللوم على الفرنج للتأخير الذي لم تكن له نهاية .
على أن أمالريك والإمبراطور أدرکا أنه لا ينبغي کسر التحالف ، إذ أن صلاح الدين الآن سيد مصر بلا منازع .
وكان صلاح الدين من الحكمة(*ههههه !!) بحيث لم يقع في الشرك الدبلوماسي الذي أعده له أمالريك (*أي الوقيعة بينه وبين نور الدين) . ولقد كان نور الدين يثق فی شیرکوه ، لكنه كان مرتابا في طموحات حاكم مصر الجديد ؛ ومع ذلك لزم صلاح الدين جانب الاستقامة المثالية .
ذلك أن نور الدين بعث في ابريل ۱۱۷۰م إلى صلاح الدين والده نجم الدين أيوب مع صحبة من الجنود السوريين ، في لفتة من لفتات الصداقة من ناحية ، وربما كتلميع من ناحية
أخرى ، إذ كان أيوب شديد الولاء لسيده ، وصاحب القافلة أعداد كبيرة من التجار السوريين المتلهفين على تبادل التجارة مع القاهرة ، ولکی يساعد نور الدين هذه القافلة
الضخمة على العبور بصورة مأمونة عبر أراضي الأردن، قاد استعراضا عسكريا ضد إمارة الكرك (*الصليبية بالأردن) .
…….
*سيتضح عكس ما يدعيه في الفقرات اللاحقة
…….
وكان ذلك التحرك هو الحركة الوحيدة التي أقدم عليها نور الدين ضد الفرنج ؛ وكان قد تركهم في سلام أثناء حملتهم على مصر (*!!!! ) ، بل انهم تمكنوا في يناير ۱۱۷۰م من إستعادة قلعة عكار جنوب البقيعة ، والتي ربما كانوا قد فقدوها عام ۱۱٦۰م . وقد سلمها أمالريك و كذلك مدينة أرقا – بصفته وصيا على طرابلس – إلى فرسان المستشفى الذين باتوا يسيطرون على الوادی كله الآن .
🔹️ زلزال يضرب أنطاكية ۱۱۷۰م
في يوم ۲۹ يونية ۱۱۷۰ رزئت سوريا بزلزال مروع ألحق بها من الدمار نفس القدر الذي سببه زلزال ۱۱۰۷م ؛ وفي الأشهر القليلة التالية انهمك المسيحيون والمسلمون سواء بسواء في إصلاح ما أصاب قلاعهم من أضرار .
……..
(*لا قد تحركتم للإستيلاء على شيزر ونهبها بعدما هلكت أسرة حاكمها آل منقذ في الزلزال ؛ ولولا نجدة مجد الدين بن الداية نائب نور الدين لها لوقعت في أيديكم )
……..
وقد أصيبت حلب وشیزر وحماه وحمص بدمار شديد وكذلك الكرك وطرابلس وجبيل . وفي أنطاكية كان الدمار هائلا ، وجد فيه الفرنج عدالة إلهية ؛ إذ كان البطريق اليونانی ورجال
كنيسته يقيمون قداسا في كتدرائية القديس بطرس عندما إنهار عليهم المبنى . وبينما كان أثناسيو يحتضر تحت الأنقاض أسرع الأمير بوهمند ورجال بلاطه إلى القصير يتوسلون إلى غريمه إمری (اللاتيني) العودة إلى كرسيه البطريارقي .
وهكذا انتهت الفترة القصيرة من الحكم الكنسي اليونانی (*يقصد الأرثوذوكسي لأن الصليبيين كاثوليك وانظر إلى الحقد بين الطائفتين !!) . ولم يتمكن الإمبراطور من التدخل رغم تلقيه الأنباء بمشاعر الغضب .
ذلك أن الأمور كانت تسير سيرا سيئا في كيليكيا ، فقد مات الأمير ثوروس عام ۱۱٦۸م تارکا طفلا ليخلفه – روبين الثاني – تحت وصاية لورد فرنجی يدعی توماس كانت أمه أخت ثوروس . لكن أخا ثوروس ، مليح ، أثار نزاعا حول الاستخلاف ؛ وكان في وقت ما قد أخذ على نفسه العهد كفارس من فرسان المعبد ، وبعد مشاجرته مع ثوروس و محاولة اغتياله هرب إلى نور الدين و تحول إلى الإسلام .
وفي وقت مبكر من عام ۱۱۷۰م أمده نور الدين بالجنود وتمكن بذلك من خلع إبن أخيه ، ليس هذا وحسب وإنما توغل أيضا
في سهل كيليكيا واستولى على المصيصة وأضنه و طرسوس من حامیاتها اليونانية .
ثم أنه هاجم فرسان المعبد في باجراس ، مما دفع بوهمند إلى الاستنجاد بأمالريك ، الذي توغل داخل كيليكيا ، ويبدو أنه أعاد الحكم الإمبراطوري موقتا . (*يعني رد كيليكيا للبيزنط)
ومن الجائز أن يكون عمله هذا قد أحدث وفاقا لدى مانويل (*الإمبراطور البيزنطي) وتعويضا لخسارة سيطرته على الكنسية في أنطاکيه . لكن مليح لم يرتدع . وبعد عام أو بعض عام تمكن من أسر قسطنطين کولرمان وأغار مرة اخرى على كيليكيا.
وكان نور الدين في تلك الأثناء مشغولا في الشرق الأبعد . فقد مات أخوه قطب الدین صاحب الموصل في صيف ۱۱۷۰م؛ وتنازع إبناه سيف الدين وعماد الدين على الميراث ، ومرت بضعة أشهر قبل أن يتمكن نور الدين من تسوية المسألة بما يتفق ورغبته .
وكانت المهلة ذات فائدة للفرنج ، غير أن مشكلة مصر بقيت بلا حل (*يعني عدم قدرتهم الإستيلاء على مصر) ؛ وبقي أمالريك متمسكا بسياسية ذات الشعبتين : التحالف الوثيق مع الإمبراطور البيزنطي ؛ واستمرار المناشدة للغرب (*يعني استعطافهم لإرسال النجدات له في الشرق) ..
نكمل لاحقا ان شاء الله ثم ننتقل إلى مصادرنا العربية لإكمال مسيرة صلاح الدين .
——————————————————————–
تاريخ الحملات الصليبية ستيفن رنسيمان ج٢ ص ٤٣٨- ٤٤٦
تابعوا #الحروب_الصليبية_جواهر