عندما استند الرئيس قيس سعيّد إلى المادة 80 من الدستور التونسي الشهر الماضي لتعليق عمل مجلس النواب وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي وتولي دور المدعي العام وتهميش المحاكم، عبّر العديد من التونسيين عن سعادتهم بهذه الإجراءات. فلقد سئموا من الفساد والأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، ورأوا عمومًا هذه الخطوة على أنها ضربة جريئة، بل وضرورية ضد النخبة السياسية الفاسدة والفاشلة.
في غضون أيام قليلة، ركّز سعيّد فعليًا جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بين يديه. وعلى الرغم من أن خطوات سعيّد التالية كانت غير واضحة في ذلك الوقت، كان من الواضح في ذلك الحين أن هذه الإجراءات تعتبر انقلابًا. بل أن ذلك يعتبر أكثر وضوحًا اليوم، بعد أن مدّد سعيّد بموجب أمر رئاسي يوم الإثنين إلى أجل غير مسمى فترة الثلاثين يومًا “الاستثنائية” التي حددها الدستور، ما يُبقي مجلس النواب معلقًا حتى إشعار آخر. وجاء الإعلان منتصف الليل في منشور على صفحة الرئاسة التونسية على الفيسبوك.
يحتاج المجتمع الدولي إلى التوقف عن التظاهر بأن انقلاب سعيّد ليس كذلك. قامت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، بالتملّص من ذلك بعد 25 يوليو/تموز وأصدرت بيانات خاوية تشير إلى أنها كانت تنتظر لمعرفة ما سيفعله أستاذ القانون الدستوري السابق بعد ذلك. الآن وبعد أن زعم أن انقلابه كان دستوريًا، تجاهل سعيّد الموعد النهائي لإنهاء تعليق مجلس النواب بعد 30 يومًا، بموجب المادة 80 من الدستور، والتي من المفترض أن تؤدي إلى “تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال”.
استند سعيد إلى المادة 80، التي تنص على أنه ” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية”. بسبب فشل مجلس النواب التونسي منذ عام 2014 في الاتفاق على تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، والتي من شأنها تحديد الإجراءات المناسبة، لا أحد لديه السلطة الدستورية أو الشرعية لتقييد تصرفات الرئيس.
لكن حتى أولئك الذين لا يسمون تلك الإجراءات انقلابًا، يوافقون على أن تفسير سعيّد للدستور يشوه المصداقية وأن تركيزه للسلطة بين يديه ليس دستوريًا. وبحسب النص الصريح في المادة 80 من الدستور “لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب”.
تشير خطوات سعيّد المبكرة إلى أن هذا كان استيلاء شخصي على السلطة. فعندما رفع سعيّد الحصانة البرلمانية، لم يتم استهداف المشرعين الفاسدين على الفور، كما كان يأمل معظم التونسيين. وبدلًا من ذلك، كان الهدف الأول هو المعارض السياسي البارز لسعيد، النائب المستقل ياسين العياري، الذي انتقد “انقلابه على الدستور بأكمله”.
حُكم على العياري بالسجن شهرين بجريمة تمت في عام 2018—”المشاركة في عمل يهدف إلى تدمير الروح المعنوية للجيش”—وهي ما نشأت عن منشورات على الفيسبوك انتقد فيها الجيش. وكثيرًا ما استُخدمت هذه التهمة لاعتقال النقاد والمعارضين في نظام زين العابدين بن علي القمعي الذي استمر 24 عامًا. لقد كانت دلالة مشؤومة.
حتى إقالة رئيس الوزراء المشيشي تمت بعنصر ديكتاتوري. فبحسب موقع ميدل إيست آي، فقد كان هناك بلطجية يُزعم أنهم يخضعون إلى إشراف قوات الأمن المصرية—أرسلهم الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تونس لتقديم المشورة لسعيّد قبل انقلابه—وقاموا بضرب المشيشي داخل القصر الرئاسي التونسي في الليلة التي سبقت موافقة رئيس الوزراء على الاستقالة. وفي حين نفى المشيشي نفسه هذه التقارير، فإن إخفاقه في إظهار وجهه في أي مكان عام لأكثر من أسبوع ورفضه الاجتماع مع اللجنة الوطنية لمنع التعذيب، وهي هيئة رقابية مستقلة ينتخبها مجلس النواب، يشير إلى دلالات كبيرة.
في الأشهر التي سبقت انقلابه، كثف سعيّد أيضًا اتصالاته مع كبار الحكام المستبدين في المنطقة، بما في ذلك السيسي وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، وبلغت ذروتها بزيارة إلى مصر في أبريل/نيسان. ربما استغرق التخطيط لانقلاب سعيّد شهورًا، وفقًا لتقارير سابقة، وليس من الصعب تخيل أن سعيّد تحدث حتى مع السيسي عن خططه في الانقلاب خلال زيارته للقاهرة.
<
لكن منذ ما يقرب من شهر حتى الآن، قوبل الانقلاب بقلق هادئ من شركاء تونس الغربيين. حث الدبلوماسيون الإيطاليون والأمريكيون والألمان على العودة إلى النظام الدستوري، رغم أنهم تجنبوا الإدانة الشديدة لسعيّد. تخشى إيطاليا والولايات المتحدة على وجه الخصوص تصعيدًا آخر في الحرب الأهلية في ليبيا المجاورة، حيث تلعب تونس دور الوسيط المهم. ألمانيا، من جانبها، تعتبر عدم الاستقرار خطرًا على الاستثمارات التي قامت بها في تونس منذ ثورة 2011. لا تزال فرنسا، التي تتمتع بعلاقة خاصة مع تونس نابعة من حكمها الاستعماري، تدعم علنًا سعيّد، رغم أنها كانت تحث على العودة إلى الأعراف الديمقراطية، لا سيما التعيين "السريع" لرئيس وزراء جديد—لكن ذلك كان في أواخر يوليو/تموز.
ربما الأهم من ذلك أن سعيّد يفتقر إلى دعم النخب السياسية في تونس وهو يتقوقع داخل القصر الرئاسي في قرطاج. لقد تجنب اللاعبون المؤسسيون الكبار، مثل النقابات، تأييد الانقلاب، بما في ذلك نقابات المحامين والقضاة، والأهم من ذلك، الاتحاد العام التونسي للشغل، أحد القوى السياسية المهيمنة في البلاد. نخبة رجال الأعمال أيضًا حذرة من موقفه الاقتصادي. إنهم يعلمون أنه لن يقوم بالإصلاحات النيوليبرالية التي تم التعهد بها منذ بداية عهد بن علي في الثمانينيات، والتي استمرت الحكومات المتعاقبة بالتعهد بها بعد ثورة عام 2011.
يعلم سعيّد أن الانقلاب يحظى بشعبية في المقام الأول لأن الطبقة السياسية كان يُنظر إليها على أنها غير كفؤة في حل الأزمة الاقتصادية الكبيرة في تونس. التقدم السريع على تلك الجبهة سيساعد في ترسيخ شعبيته. لهذا الغرض، أعلن في 2 أغسطس/آب أنه على اتصال بـ "الدول الصديقة" لخفض العجز المالي الكبير في البلاد.