اقلام حرة
هكذا أصبحت الجامعة العربية “منظمة مارقة”
فادي أبوبكر
إن مفهوم “الدولة المارقة” استعمله لأول مرّة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن ليصف به نظام الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي وسياسته في ليبيا، حيث يقوم تحديد هذا المفهوم على المخاطر التي تُهدّد الأمن القومي والمصالح الأميركية. وهذا المعنى قريب جداً من مصطلح “إمبراطورية الشر” الذي استعمله ريغن في وصف الاتحاد السوفياتي في نفس الفترة تقريباً.
وإذا ما أجرينا مقاربة مفاهيمية في ضوء رفض جامعة الدول العربية إدانة التطبيع العربي مع “إسرائيل”، يمكن القول أن هذه الفعلة شكّلت نقطة فارقة بتاريخ الجامعة العربية تجاه فلسطين جعلتها “منظمة مارقة” بالمفهوم الفلسطيني والعربي أيضاً، باعتبارها طعنة في خاصرتي القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي.
إن رفض إدانة التطبيع هو شرعنة للتطبيع، ودليل على أن الجامعة العربية قد هدّتها الشيخوخة وأقعدتها، وحاصرتها المنظومة الاستعمارية وأمراض الدول العربية المتخاذلة، وأصبحت خاضعة لأجنداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد أدخل الفيتو العربي ضد إدانة التطبيع الطمأنينة إلى قلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي صرّح دون قلق بعد إتمام مراسم اتفاقيات العار بين البحرين والإمارات و “إسرائيل” بقوله أن: “خمس أو ست دول عربية أخرى قد تنضم إلى اتفاقيات مع إسرائيل”.
من جهةٍ أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة قد استولت على صلاحيات ومهام الجامعة العربية، وهي تلعب دور الوسيط في الأزمة الخليجية، وما الحوار الاستراتيجي الأميركي – القطري الذي عقد يومي 14 و15 أيلول/ سبتمبر 2020، إلا دليل واضح على أن الولايات المتحدة تدفع باتجاه حل أزمة قطر قبل الانتخابات الرئاسية، وصولاً إلى تطبيع العلاقات القطرية – الإسرائيلية . خصوصاً وأن أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف فلاح حجرف قد اجتمع مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بتاريخ 20 أيلول / سبتمبر 2020 ( أي بعد خمسة أيام فقط من الحوار الأميركي- القطري ) .
وعلى الرغم من عدم قناعة السعودية والإمارات، إلا أن كليهما يحاولان الاستفادة قدر الإمكان من هذه المصالحة المفروضة عليهما في منع المزيد من التقارب بين قطر وتركيا وإيران. وفي المقابل فإن قطر أيضاً تسعى إلى رفع الحصار المفروض عليها، وإلى المناورة قدر الإمكان لتحقيق أكبر المكاسب قبيل التطبيع مع “إسرائيل”، الذي بات حتمياً في ضوء ما جاء في البيان المشترك للحوار الاستراتيجي القطري الأميركي، من موافقة الدوحة على ما يُسمى “صفقة القرن” كأساس لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
يقف الفلسطينيون أمام مرحلة مفصلية ، وفرصة قد تكون الأخيرة لوقف انتشار التطبيع العربي المجاني والتغول الاستعماري في المنطقة. وتجنب السيناريو الأسوأ يستوجب البدء بتطبيق قرارات المصالحة والوحدة الوطنية على أرض الواقع، واتخاذ القرارات الأسلم على الصعيد الداخلي، لأن إظهار القوة الشعبية الفلسطينية ومتانتها سينعكس وجوباً على الشارع العربي والإسلامي وحتى الدولي .
لا يسعنا في الختام إلا التأكيد على أن الأنظمة العربية الخائنة تحتضر أمام شعوبها، لأن هذه الشعوب التي كانت متعطشة لإيجاد الوسيلة الأمثل لدعم القضية الفلسطينية وجدت ضالّتها اليوم ، وبانتظار الشرارة التي ستحرق في نهاية المطاف كل الأنظمة والمنظومات التي تآمرت على فلسطين. هذه الشعوب العربية هي فقط التي ستُعوّض شيخوخة الجامعة العربية.. هذه الشعوب بشبابها وماضيها ومستقبلها، تملك الفرصة الذهبية في تغيير واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.