مما لا شك فيه أن الثقافة من أهم العوامل المؤثرة في مختلف الجوانب الحياتية في المجتمعات الحديثة؛ ويتسم تأثير الثقافة بالشمول، أي أنه لا يقتصر على نوع محدد من الأنشطة، ولكنه يمتد ليشمل جميع الأنشطة التي يتم القيام بها في المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي؛ ويعد الإقتصاد وما يرتبط به من مفاهيم (مثل التنمية الإقتصادية) أيضاً ضمن أنواع الأنشطة المتأثرة بالثقافة. فالثقافة هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويتمثل لها أفراد المجتمع، وهي الركائز الأساسية في بناء الأمم وفي نهوضها، وإذا ما نظرنا من ناحية تاريخ التنمية الإقتصادية فإننا نلاحظ أن التنمية الثقافية ساهمت مساهمة قوية ومباشرة في النمو الإقتصادي.
ومن الجدير بالذكر أن إهتمام الباحثين بتأثير الثقافة على التنمية الاقتصادية للمجتمع ليس وليد العصر، ولكن جذوره تعود إلى قرون خلت؛ ويعتبر عالم الإقتصاد آدم سميث من أبرز من بدأوا تسليط الضوء على العلاقة بين الظاهرتين؛ فكما قال سميث، فإنه لا يمكن النظر إلى الحياة الإقتصادية في المجتمع بمعزل عن العادات والقيم الثقافية السائدة فيه؛ كما رأى المفكر الإقتصادي والسياسي ماكس فيبر بأن الأخلاق البروتستانتية عامل أساسي من عوامل التنمية الرأسمالية، أي أنه أيضاً قد إعتبر الثقافة عاملاً حاسماً من عوامل النمو والتنمية في الاقتصاد.
وتؤثر الثقافة، بصور مباشرة وغير مباشرة، على التنمية الإقتصادية من خلال قدرتها على تحديد طبيعة وأنماط آداء المؤسسات العاملة في المجتمع؛ وهناك مجموعتان رئيسيتان من المكونات أو السمات الثقافية المساهمة في تحقيق التنمية الإقتصادية في أي سياق إقتصادي، وهي كالآتي:
كما تأتي القيم ولما لها من أهمية في الحياة لا يغفل عنها علماء الإقتصاد لما تشتمل عليه من قيم تربوية وسلوكية تتحدد بمعيار الثقافة القائمة بالمجتمع، وتكون لها علاقة مباشرة بالتنمية عامة والتنمية الإقتصادية خاصة، فإنها أداة إجتماعية تحمل الكثير من الخصائص والصفات المرغوب فيها من الجماعة وتوجه سلوكهم للحفاظ على النظام الإجتماعي والإقتصادي لإستقرار المجتمع.
ومن أهم القيم الداعمة للتنمية الإقتصادية، قيم التعاون والمسئولية حيث تحتل المرتبة الأولى بين القيم التي تمكن الفرد من المشاركة في دعم التنمية الإقتصادية، وترشيد الإستهلاك من أهم مؤشرات وعي الأفراد ومسئولياتهم تجاه التنمية الإقتصادية، كما أن التخطيط للتوافق بين إعداد الشباب وإحتياجات التنمية وسوق العمل من القوى العاملة يعد من أهم أساليب إعداد الفرد وتهيئة المجتمع لمتطلبات التنمية الإقتصادية.
وفي ظل التغيرات التي تتوجه بها الدول نحو الإندماج في الإقتصاد العالمي، يبرز دور الثقافة التنظيمية التي تسهم في تفعيل الآداء التنظيمي من خلال ما تحويه من أبعاد تدعم تأكيد القيمة الأفضل للعملاء، كما أن هناك علاقة إرتباطيه بينها وبين التوجه بالسوق، فالتوجه بالسوق مشتق من الثقافة التنظيمية، وأن التوجه بالسوق يعتبر قائداً رئيسياً للآداء في المنظمات.
وفي ظل الظروف المثالية، تكون العلاقة بين الثقافة والتنمية الإقتصادية تعاضدية، مما يجعلهما في دائرة مستمرة من التأثير المتبادل؛ بمعنى آخر، فإن الثقافة تؤدي إلى تعزيز التنمية الإقتصادية، وتؤدي التنمية الإقتصادية إلى إزدهار الثقافة؛ ويؤدي ذلك بالتالي إلى تعزيز التنمية الشاملة للمجتمع على النطاق الكلي.