مقالات
التعليم العالي في فلسطين على مفترق طرق
كتب: فادي أبوبكر
تشير التقارير والنقاشات العالمية إلى أن القطاع التعليمي يعتبر من أكثر القطاعات تضرراً بموجة وباء فيروس كورونا الذي ضرب العالم، وأنه إذا ما استمرّت جائحة كورونا إلى نهاية عام 2021، سيكون حجم التأخر عشر سنوات. بمعنى عدم إمكانية تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، والتي يندرج تحتها ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع. ويضاف إلى ذلك التداعيات الاقتصادية والمالية للجائحة، حيث تلقّى التعليم في الدول النامية والعربية ضربة قوية فيما يتعلق بالتمويل، وخاصة أن معظم هذه الدول ترزح تحت ديون طائلة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وفي ظل تراجع التمويل العالمي للتعليم ستتفاقم أزمة التعليم وجوباً بشكل دراماتيكي.
تُركّز هذه المقالة على التعليم العالي في فلسطين وأزمة الجامعات المالية في ظل جائحة كورونا، محاولةً استشراف مستقبل التعليم العالي في الجامعات الفلسطينية ومدى صمودها مالياً، وبحث سبل وإمكانات الحد من تداعيات أزمة الكورونا.
الجامعات الفلسطينية خلال كورونا
اعتمدت الجامعات الفلسطينية مع بداية أزمة كورونا وإغلاق أبوابها نظام التعليم الإلكتروني، لضمان استمرارية المسيرة التعليمية، ما اظطّرها لتحمّل نفقات تكنولوجية عالية لتغيير أساليب التعليم خلال فترة الطوارىء.
إضافة إلى ذلك، فقد انقطعت إيرادات مختلفة عن موازنة الجامعات بفعل أزمة كورونا، تتعلق بإيرادات بدل الإيجارات للمقاصف والكافتيريات، ومراكز الخدمات العامة، وبدل اشتراكات مواقف السيارات، وغيرها من مراكز الخدمات الطلابية، حيث ستتحمل الجامعات كافة الخسائر ذات العلاقة. وفي نفس السياق، فقد شهدت معظم الجامعات ارتفاعاً ملفتاً في الديون غير المحصّلة ما بين شيكات مرتجعة، وأقساط لم تُسدّد، ما أرهق الجامعات مالياً جرّاء تبعات أزمة كورنا.
وقد اتبّعت كل جامعة خطة طوارئ خاصة بها لمواجهة شُح الموارد المالية، حيث اقتطعت جامعة القدس (أبوديس) على سبيل المثال 40% من قيمة رواتب موظفيها، على أن تعيد تسديدها لاحقاً بعد تعافي الجامعة مالياً، في حين اعتمدت جامعة بيرزيت نظام الدورتين الصيفيتين من أجل رفع الإيرادات الجامعية.
على الرغم من حقيقة أن الجامعات وفّرت مصروفات تشغيلية، تتمثل في توفير المحروقات والكهرباء وغيرها من الخدمات اللوجستية، إلا أن المبالغ التي وفّرتها الجامعات ضئيلة لا تسهم في حل المشكلة. ولم تفلح خطط الطوارىء في الحد من الأزمة المالية للجامعات، بسبب مواجهتها مجموعة من الأزمات المتراكمة، وعدم ثبات مصادر الإيرادات الرئيسية، المتمثلة بالدعم الحكومي وأقساط الطلبة. يضاف على ذلك كلّه الاتفاقية التي أبرمتها الجامعات الفلسطينية مع نقابات العاملين فيها في العام 2016، والتي تُلزم إدارات الجامعات برفع رواتب العاملين بنسبة 15% خلال خمسة أعوام، أي ما يقدر بنحو 3 مليون دولار سنوياً حتى العام 2021.
أزمة الجامعات ليست وليدة اليوم
تعاني الجامعات من أزمات مالية متراكمة، تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، كونها كانت تعتمد بنسبة ما يقارب 50% على دعم منظمة التحرير الفلسطينية، والأزمات المالية للجامعات الفلسطينية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأزمات المالية التي تعاني منها المؤسسة الرسمية الفلسطينية.
ويعود انعكاس الأزمة المالية الحكومية المباشر على الجامعات إلى خصوصية الوضع الاقتصادي الفلسطيني، الذي بات يعتمد على فرضية التدهور السياسي، إذ تصبح الأزمة التي تصيب السلطة عامة تؤثر على كافة فئات المجتمع، وإن كانت نسبة التضرّر تختلف من فئة إلى أخرى. ولهذا، تشهد مختلف الجامعات بشكل ملحوظ تكرّر الإضرابات الطلابية مع بداية كل فصل دراسي على خلفية رفــض رفــع الأقســاط.
كما تأثرّت الاقتصاديات العالمية بتداعيات كورونا، فقد شهد الاقتصاد الفلسطيني بحسب تقرير لسلطة النقد والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تراجعاً حاداً وصل إلى 12% خلال عام 2020. ما يعني وجوباً أن أزمة كورونا ستوسّع من رقعة أزمة الجامعات المالية، خصوصاً وأنها تعتمد على الرسوم الجامعية والمساعدات الحكومية كمصدر رئيسي لموازنتها، إلى جانب مصادر متقلبة غير ثابتة تتمثل في المنح والهبات التي تقدمها شخصيات أو جهات محلية وعربية ودولية إلى أنشطة ومشاريع بعينها. ويضاف إلى ذلك إيرادات متعلقة بخدمات واستشارات وبدل إيجارات، وغيرها من الإيرادات التي تساهم بنسبة ضئيلة جداً.
وفي ظل وضع الجامعات المالي المأزوم أصلاً من قبل كورونا، فإن هذا ينذر بمؤشرات خطيرة حول مدى قدرتها على الصمود مالياً، وبالتالي فإن التعليم العالي في فلسطين على مفترق طرق، ويكتنف مستقبله الغموض والخطر.
ما الحل؟
تتحمّل الجامعات الفلسطينية جزءاً من المسؤولية عن تفاقم أزمتها المالية، لعدم سلوكها سابقاً منحىً مغايراً كان من شأنه تخفيف آثار وباء كورونا، سواء من خلال بحث سبل توفير موارد أخرى، أو الضغط على القطاع الخاص للمساهمة الجزئية في الحل. وعليه، فإن المنحى التقليدي الذي كانت تتّبعه إدارات الجامعات برفع الرسوم الجامعية أو تخفيض رواتب الأكاديميين والموظفين، لن يُجدي نفعًا مستقبلًا، كون أزمة كورونا عامة، وهذه الخطوة ستوسّع دائرة الأزمة، لتجد الإدارات نفسها في مواجهة مع نقابات الموظفين والمجالس الطلابية، أو حتى مع فئات مجتمعية أخرى.
هناك جملة من الإجراءات والخطوات التي يستوجب هذا الواقع اتّخاذها ليس من قبل الجامعات وحدها، وإنما من كافة القطاعات الفلسطينية، وهي كالآتي:
• تشير أزمة الجامعات إلى أن واقع التعليم العالي في فلسطين على مفترق طرق، وهذا قد يُجبر السلطة عاجلاً أم آجلاً إلى إعادة ترتيب أولوياتها المالية، بما يتضمنه ذلك من إدراج الجامعات في أي شبكة أمان محلية أو دولية مستقبلية للحفاظ على استمرارية المسيرة الأكاديمية الفلسطينية.
• من المهم أن تقوم مراكز الأبحاث الفلسطينية بتشجيع الباحثين لتقديم تصورات بحثية علمية مهنية لحل هذه الإشكالية، تماماً كما الجامعات التي عليها تشجيع طلبتها المتخصصين في مجالات الاقتصاد والتنمية والتخطيط لديها، لتقديم مشاريع بحثية ورؤى بالخصوص.
• شهدت فلسطين مبادرات شبابية ومجتمعية إبداعية على المستوى العالمي خلال أزمة كورونا، وما زال الرهان على الشباب الفلسطيني في أن يُقدّم المبادرات المختلفة لدعم الجامعات والطلبة في آنٍ واحد.
• اعتماد مبدأ المشاركة والشراكة ما بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات الفلسطينية ونقابات العاملين فيها والحركات الطلابية، لتنظيم برامج لنشر الوعي المجتمعي بأهمية دعم الجامعات والتعليم العالي في فلسطين.
خاتمة
إن الخطر المُحدق بمستقبل التعليم العالي في فلسطين، يُحتّم على السلطة الفلسطينية القيام بالمواءمة بين تمويل الصحة وتمويل التعليم، على اعتبار أن الصحة والتعليم هما المؤشران الأساسيان لمشهد التنمية في أي بلد بالعالم.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نشير إلى أن إنقاذ الجامعات والتعليم العالي في فلسطين هي مسؤولية وطنية ومجتمعية بالدرجة الأولى، ويقع على عاتق القطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظومة الرسمية مهمة دعم قطاع التعليم، لأن انهيار هذا القطاع يعني انهيار الجميع وليس فئة دون أخرى، وكما قال أفلاطون: ” من يهمل التعليم سيسير أعرج حتى نهاية حياته”.