
بالكاد يتحملون نقل جسد زوجتي إلى مثواه الأخير…
أهلي وأهلها يتزاحمون لإلقاء النظرة الأخيرة عليها…
جاء صديقي يناديني…
“ألستَ تريد أن تراها للمرة الأخيرة يا صاحبي؟”…
دون أن أنبس ببنت شفة، توجهتُ إلى الصالة. عندما رأيتُها راقدةً بتلك الابتسامة الرقيقة، تذكرتُ أول قبلةٍ طبعتها على شفتيها بعد زواجنا…
كان جمالها في رقادها هذا فاتناً، يدعو للتقبيل…
اقتربتُ لأقبلها، لكن يداً ما أوقفتني… وكانت يد عالم ديني قائلا :
“لا تلمسها الآن، لقد وُضعت هنا بعد تغسيلها بالوضوء.”
تراجعتُ ببطء…
لقد تأخرتُ في الوصول إليها… بل تأخرتُ عن عمدٍ، بينما كان البعض قد جهزوها كما لو كانت تستعد لزفافنا…
يومها، كانت تُسلّم لي… واليوم، تُنتزع مني…
قيل لي إن لمسي إياها سينقض وضوءها… لا بأس، فلتذهب وهي طاهرة…
لكنني لم أستطع حتى أن أمنحها قبلة الوداع الأخيرة…
أجل، قبل أن ينتهي شهر العسل، وبعد شهرين من الزواج، رحلتُ في تلك الليلة إلى الغربة إلى أحد بلاد الخليج
تلك القبلة التي طبعتها بدموعٍ في عيني على جبينها…
“أجل، كانت تلك القبلة الأخيرة.”
ثم مرّت أربعة أشهر في الغربة… بالأمس، جاء عمي فجأةً وأعطاني تذكرة سفر، وأمرني بالعودة إلى الوطن…
عندما صعدتُ إلى الطائرة ووصلتُ إلى أرض الوطن، ظننت أن مكروهاً أصاب أحداً ما…
لم أعرف إلا عندما وصلتُ إلى البيت أنها نصف روحي التي فُقدت…
“هيا، خذوا الجثمان، يجب أن نذهب إلى المسجد.”
قالها صديقي مرة أخرى…
ورافقتها بلا روح، أتبع نعشها…
عندما وُضع وجهها الجميل في التراب، انتفض قلبي…
لطالما كانت تقول…
“أشتهي أن أضع وجهي على صدرك وأنام يا حبيبي…”
وعندما وُضعت آخر لبنة وغُطي وجه حبيبتي، شعرتُ بإحساسٍ لا يوصف في قلبي…
وكما كانت تسألني عبر الهاتف، سألتها أنا بصمت…
“متى سنلتقي مرة أخرى؟”…
وصلتُ إلى البيت آلياً… غرفتنا، تعبق برائحة عطرها…
فراشها الذي رتبته، وأشياؤها التي كانت تستخدمها…
دبابيس شعرها المتروكة، وفساتينها المعلقة في الخزانة…
عندما أصبحتُ مغترباً، قالت لي…
“لا يوجد أي متعة بدونك, افتقدناك ….
غرفتنا أصبحت مقبرة يا حبيبي…
لكي تعود هذه الغرفة غرفةً، يجب أن نكون أنا وأنت معاً فيها.”…
صدقتِ يا حبيبتي…
لن تعود هذه الغرفة غرفةً أبداً…
“إنها مقبرة”…
ومع ذلك، ألم تكن تتمنى أن تحصل مني على قبلة أخيرة؟…
ألم تكن تبتسم هكذا وهي راقدة على أمل أن تنالها؟…
سامحيني يا حبيبتي….
سأصل إليكِ قريباً…
لأهديكِ تلك القبلة الأخيرة التي تبقت…!
أحبوا من جاءكم رفيقاً (رفيقةً) حتى آخر نفس.