مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #الرجل الذي رزقه دينار الجزء الاول.

رجل فقير الحال إسمه خليفة، متزوّج وله ثلاثة أطفال ،ويشتغل حمّالا،كان يقوم باكرا كل صباح وينزل إلى السّوق لكنه رغم تعبه وشقائه لا يربح سوى دينار واحد في اليوم ،يشترى به قليلا من الخضار ومقرونة أو كسكسي ، ويرجع بهم إلى داره ،فتطبخ إمرأته ما كتب الله ويتعشى مع صغاره، وينام وهكذا الحال كل يوم ،ولم تخصل زيادة لكي يشري لحما أو سمكا ،وكان يخجل من نفسه، كلما يدخل إلى الدّار ويتحلق الأطفال حول القفّة ،فلا يجدون سوى الطمطم والفلفل ورأس بصل، وكم من مرة ترجّوه أن يأتيهم بالزّبدة والشّامية ،لكنّه لم يقدر أن يحمل لهم حتى قرطاس حلوى.
أحد الأيام قال: لقد مللت من حياة الفقر ،وأرض ربي واسعة دعني أسافر لعل  رزقي في مكان آخر  ،ومشي في الصحراء حتى وصل لبلاد عامرة، فذخل للسّوق يتفرّج في البضائع والدكاكين ،ويسأل التّجار إن كان هناك عمل له، وفجأة إقترب منه شيخ له لحية بيضاء ،و قال: ياولدي أرى أنّك تبحث عن عمل قاله : والله هذا ما أتى بي عندكم!!! قاله: إذن إتبعني، مشي ورائه في الأزقة حتى وصلا لحارة،قال له الشيخ: اسمع قبل ما تبدا في العمل عندي شرط !! أجاب مختار أنا راض بكلّ شروطك قال الشيخ لن تعلم أين ستذهب ،أومأ الحمّال برأسه موافقا ،فأخذ الشّيخ خرقة ،وربطها على عينيه، وشدّه من يده ،ومشيا حتى بلغا دار كبيرة ،ودخلا إلى السّقيفة ، ثم أزال الشّيخ الخرقة عن خليفة، وقال له : لقد وصلنا !!!
ثم فتح الشّيخ بابا ،ودخل، إلى سقيفة التانية، فالثّالثة، حتى وصل للسّابعة والرّجل مندهش ،سبعة سقائف ،وسبعة أبواب، وذلك الشّيخ يفتحهم الواحد تلو الآخر بمفاتيح كبيرة ،وهو يمشي وراءه، وفي النهاية وجد خليفة نفسه في بهو ما شاء الله ،كلّه مرمر ورخام ،وفي وسطه نافورة يصعد منها الماء الصّافي ، ،ثم دخلوا من باب كبير مزين بالفضّة والعاج ،وهنا وقف خليفة منبهرا بما رآه ،فأمامه إمتدّت حديقة لا يملكها حتى الملوك والسّلاطين وفيها من الخيرات والثّمار والزّهور ما لا يصدّقه العقل. مشيا حتى وصلا إلى شجرة عظيمة معلّق عليها قفص من الذّهب في وسطه عندليب ملوّن بديع المنظر ،قال الشّيخ :هذا الطائر لا مثيل له وعملك أن تعتني بطعامه وشرابه ،بوهناك أكياس من الحبوب وبئر ماء بجانب القفص ،سأتركك الآن وأرجع في المساء ،وستأتيك جارية بطعامك ،ولا تسأل مهما بدت لك الأشياء غريبة ،في رعاية الله يا ولدي !!!
فرح خليفة ،وقال في نفسه هذا عمل سهل ،وملأ القفص بالحبوب ،وذهب ليملأ الماء ،ولمّا رجع وجد أن الطائر قد أكل كل الحبوب ،فتعجّب ،وقال: يا لك من شره !!! كيف قدرت أن تأكل كل هذا الطّعام في وقت قصير ؟ ثمّ رجع ليملأ صندوق الطائر بالحبوب ،لكنّه لمّا رجع رأى أنّه شرب كلّ الماء ،فأمضى الصّباح وهو يملأ الماء والحبوب ،ومهما وضع له أكله وشربه . في منتصف النّهار أتته جارية بطبق فيه أرزّ ،فقال : ما أشد شحّ أهل هذه الدّار !!! لهم كل هذا الخير ،وهذا فقط ما يقدّمونه لطعامي ؟ جلس مختار قرب القفص ليأكل ،لكنّه رأى الطائر ينظر إلى طبقه ،فأعطاه له ،وأمضى النهار جائعا ،ولمّا رجع الشّيخ في المساء كان مختار في غاية التّعب والجوع ،فقاده إلى غرفة صغيرة فيها شبّاك يطل عل الحديقة، وأتاه بعشائه صحفة زيت وزيتون ،وخبزة شعير،وقال له: تعشّ ،ونم على تلك الحصيرة، ولمّا يحلّ الفجر ستنهض لتواصل عملك !!!
كان خليفة يحسّ بأوجاع في يديه وظهره من كثرة إخراج الماء من البئر،فأكل بسرعة ونام ،وفي الفجر جاءه الشيخ وأيقظه ،ثمّ قاده إلى الحديقة، فعمل حتّى لم يعد يستطيع الوقوف على قدميه .وكالعادة أتت الجارية في منتصف النهار بطبق كسكسي دون لحم، ولمّا هم بالأكل رأى الطائر ينظر إليه فأعطاه طعامه ،وفي اليوم الثالث أعطاه طبق المحمّصة ،وكلّ يوم كان جمال العندليب يزيد ،وكذلك عذوبة صوته …

يتبع الحلقة الثانية

 

من قصص ألعالم الاخر ” واقعية “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق