مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية إبن الصّياد والطائر الأسود من الفولكلور السّوري الكلب المقطوع الذّنب (حلقة 2 )

سار سعد ومعه صديقته الحدأة وراء الجباة حتى وصلوا للقصر ،ولمّا جنّ الليل تسلّق الصبيّ السّور الخارجي بكل خفّة، ثم طارت سليمة ،وأخذت تدور على نوافذ القصر، وتطل برأسها ، وفى الأخير حطّت على كوّة صغيرة في برج مرتفع، فرأت أمامها أكياسا وصناديق مرصوفة عليها ختم السّلطان ،وطاولة فوقها ميزان ،فتسلّلت بحذر، وثقبت أحد الأكياس فسقط منه الذّهب، فعرفت أنّها في خزينة القصر ،فصارت تدخل من الكوّة، وتأخذ القطعة والقطعتين في منقارها، ،وتنزل بها إلى سعد الذي يرميها في جرابه، وبعد ساعة امتلأ الجراب بالذّهب فخرج به دون أن يحسّ به أحد من الحرس، ومشى طول الليل ،وفي الصّباح كان عند أبيه،ثم نزل معه لسوق الماشية، واشترى لأخته نوسه عشرة عنزات ،ولأمّه مائة دجاجة ، وقال له: شيّد لنا دارا جديدة يا أبي عوضا عن الكوخ الذي حطّمه رجال السّلطان ،واشتر لك شبكة جديدة ،وما تصطاده في الغابة ربّيه حتى يكثر ،وارتزق منه !!! ربّت الصّياد على كتف سعد ،وقال له :بارك الله فيك!!! ولم يسأله عن مصدر الذّهب، فهو يعلم أنّ ذلك الولد تقيّ ،لا يمدّ يده للحرام ،وإن كان لا يشكّ أنّه من عند السّلطان الظالم ،سارق الفقراء . ثم نفّذ ما كلّ ما أوصاه به سعد، وبعد ذلك خبّأ ما بقي في الجراب داخل حفرة ،وصار يذهب للسّوق كعادته ،ويبيع ما يربيّه من حيوان وطير، وما يجمعه من بيض الدجاج ،ولم يظهر إبراهيم الثّراء ،لكي لا يشي به أحد .
في الصّباح اكتشف الخازن ، أنّ أحد أكياس الذهب مثقوب ،وقد سرق أحدهم نصفه، فهاج السلطان وماج ، ولم يفهم أحد كيف دخل اللّص من تلك الكوّة الصغيرة في أعلى البرج، وصاروا متأكّدين أنّه ضئيل الجسم،وخبيث، وبعد أن تشاور السّلطان مع أعوانه أرسلوا كلبا بارعا في إقتفاء الأثر، ليهديهم إلى مكان اللص،ومشى الكلب وهو يتشمّم الأرض، حتى وصل إلى القرية التي يسكنها الصّياد إبراهيم ،‏فرأته الحدأة سليمة ،وعرفت أنّه ليس من كلاب القرية، فطارت إلى الولد بسرعة ،وأخذت ترفرف بجناحيها قدّامه ،ولمّا جرى سعد وراءها ليعرف ما هو سبب قلقها ،رأى كلبا كبيرا يسير بمفرده ناحية دار أبيه ،وهو تارة ينظر حوله، وطورا يتشمّم الأرض ،فأدرك أنّه قد عثر عليه، فغطّى كلّ الآبار ،ولم يترك إلا واحدا ليس فيه ماء، ولمّا عطش الكلب ،وجد كلّ الآبار مغطّاة إلا واحدا ،ولمّا أطلّ داخله، ،جاء سعد وراءه ،و قطع ذنبه،ثمّ دفعه بقوّة، فسقط في البئر، وبدأ يعوي ،فرمى عليه الحجارة حتى غطاه ،وكان رجال السّلطان يمشون خلف الكلب من بعيد ،وفجأة فقدوا أثره، وفتّشوا في كلّ مكان ،ولم يجدوه ،فبدأوا يسبّون ويلعنون ،فضحكت عليهم الحدأة سليمة ،وقالت : إسمعوا !!! المرّة القادمة كلّموا مولاكم يرسل بقرة سمينة أو ناقة لتصير عشائي عوضا عن ذلك الكلب النّتن الرائحة .
ولمّا كان المساء قصد سعد القصر فوجد الحرس منتشرين في كلّ مكان ، وقد سدّوا تلك الكوة بقضبان الحديد فأشعل عود حطب حملته سليمة في منقارها وألقته من أحد النّوافذ ،فاشتعلت النار ، وعمّت الفوضى ،وجرى الجميع بأسطل الماء ،فأخذ سعد سطلا وطلع يجري مع الجنود والخدم ،وكل من يراه يظنه خادما فلقد كان أبيض اللون جميل الهيئة ،ولمّا وصل إلى خزينة القصر أدخل مشبكا للشّعر في القفل أخذه من أخته نوسة، فانفتح الباب، وبسرعة ملأ سطله بالذّهب ،وخرج يجرى مع جملة النّاس، وترك في الكيس الفارغ ذنب الكلب ، ثم رجع إلى بيته بسلام، وهو يضحك مع سليمة على الرّغم من كثرة الحرّاس.‏
وفي الصّباح لما سمع السّلطان بسرقة ذهبه مرّة ثانية إشتدّ غضبه، وشاور العرافين، فنصحوه بإرسال ساحرة عجوز إلى القرية التي اختفى قربها الكلب ،لتستطلع الأمر في تلك النّاحية، تنكّرت العجوز في زيّ الغجر ،وبدأت تطوف بالبيوت وادعت أنها تقرأ الطالع ،و في الحقيقة كانت تفتح أذنيها لتعرف هل هناك من ظهر عليه فجأة الخير، فأشار لها أحد الجيران إلى دار الصّياد الذي صار له ماعز ودجاج ، وبنى بيتا جديدا عوضا عن الكوخ .أحسّت العجوز أن ذلك ليس كافيا فلقد سرق اللص ذهبا كثيرا يكفي لبناء قصر و عليها أن تتأكّد بفراستها أن من سرق السلطان وقطع ذنب كلبه هو في تلك الدار …

يتبع الحلقة 3

احمد حمدي / حكايا زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق