الرئيسيةمقالات

في ظل عملية الضم : الأغوار الشمالية تطهير عرقي مستمر منذ 53 عاما

كتب المحامي جهاد ابو ريا

الأغوار الفلسطينية, وخاصة الشمالية منها, هي أكثر المناطق المستهدفة في جميع أنحاء فلسطين, على مدار عشرات السنين تجري هناك عمليات تطهير عرقي وتهجير ممنهجة من قبل قوات الاحتلال, دون أن تلقى ردة فعل فلسطينية رسمية تذكر.

تشكل مساحة الأغوار الفلسطينية حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية, بينما يبلغ عدد السكان الأغوار الفلسطينيين – بما فيها مدينة أريحا – حوالي 55000 نسمة ويشكلون نحو 2% فقط من عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية, بينما سكن في الأغوار حتى عام 1967 حوالي 320000 نسمة.

بعد الاحتلال الثاني عام 1967, أعلنت إسرائيل عن مساحة 400000 دونم من المناطق المحاذية للحدود الأردنية, كمناطق عسكرية, يمنع دخول الفلسطينيين إليها, وأقامت عليهم 90 موقع عسكري. كما أقامت إسرائيل 35 مستعمرة زراعية يسكن فيها نحو 7500 مستعمر, وصادرت لهذا الهدف 28000 دونم من الأراضي الزراعية الخصبة, بينما بقي الفلسطينيون يملكون حوالي 50000 دونم من الأراضي الزراعية.

تكتسب الأغوار أهميتها لموقعها على الحدود الأردنية, ولذلك اعتبرتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كحدود إسرائيلية, يجب عدم التنازل عنها وتتعامل معها كجزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 48, بالإضافة لذلك فان أراضي الأغوار خصبة جدا وتصلح للزراعة على مدار السنة ويشكل إنتاجها الزراعي نحو نصف الإنتاج الزراعي في الضفة الغربية, وتتركز فيها مصادر مياه كبيرة جدا.

تشكل مناطق c ( سيطرة إسرائيلية عسكرية ومدنية تامة) حسب اتفاقية أوسلو حوالي 89% من أراضي الأغوار, وهي تضم معظم التجمعات, والتي تعاني ممارسات الاحتلال من هدم وملاحقة وتهجير.

تم مصادرة معظم الأراضي في الأغوار لأهداف عسكرية وتم الاستيلاء على مساحات شاسعة أخرى بادعاء أنها أملاك غائبين, كما فعل الاحتلال في النكبة عام 1948 , وتحاصر الأغوار الحواجز العسكرية تمنع تواصل الفلسطينيين والانتقال من مكان إلى آخر.

اتبعت إسرائيل وقت الاحتلال الطرق المباشرة في تهجير أهالي الأغوار من بيوتهم, أما بعد ذلك فاتبعت الطرق الغير مباشرة, حيث خلقت ظروف تتسبب بمعاناة شديدة وخطر حقيقي على حياة الناس, تجبرهم في النهاية على ترك بيوتهم, مما لا شك فيه ان تصرفات إسرائيل في الأغوار الشمالية ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية, إلا أن الفلسطينيين لم ينجحوا حتى اليوم بإثارة الرأي العام المحلي والدولي بحيث تمنع إسرائيل من الاستمرار بممارسة عمليات التطهير العرقي هناك. وقد نجح الاحتلال بتحقيق أهدافه إلى حد كبير ففي حين نرى أن عدد المستعمرين والأراضي المصادرة لصالحهم في ازدياد مستمر فان عدد سكان الأغوار والأراضي التي يملكونها في تقلص مستمر.

على سبيل المثال بلغ عدد العائلات في تجمع الحديدية شمال الأغوار عام 1967 ما بين 250-300 عائلة أي حوالي 2500-3000 نسمة , بحيث انه حسب النمو الطبيعي للفلسطينيين في الأغوار كان يتوقع أن يكون عدد سكان تجمع الحديدية اليوم, بين 8000-10000 نسمة, أما في الحقيقة فتسكن تجمع الحديدية اليوم 14 عائلة ويشكلون 114 نسمة فقط.

تختلف طرق ووسائل التشريد والتهجير في فلسطين من منطقة الى أخرى, ومن زمان الى زمان آخر, بحيث يصعب على المرء تتبع وملاحقة جميع هذه الوسائل ويكون ايضا من الصعب وضع جميع عمليات التهجير تحت اطار واحد لعملية تطهير عرقي ممنهج الا بعد دراسة وتعمق كبيرين. هذا التباين والاختلاف والذي يجعل لكل منطقة او بلدة خصوصياتها يصعب من عملية توحيد النضال وإدارته تحت قيادة وطنية موحدة .

فطرق التهجير والتشريد والاستيلاء على الأملاك في عكا ويافا تختلف عن طرق التهجير في الأغوار الشمالية وتلك أيضا تختلف عما يجري في الجليل وتختلف أيضا عما يجري في الخليل او في مناطق جدار الفصل العنصري , والطرق التي اتبعتها السلطات قبل عشرات السنين تختلف عما تتبعها اليوم في نفس المكان بحيث تتبع سلطات الابرتهايد, أكثر الطرق معاناة وضررا للسكان الفلسطينيين التي تحاول أن تحملهم على القبول بالواقع الاستعماري وعدم التصدي له.

إن ما يميز التجمعات السكانية في الأغوار الشمالية اعتماد معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي, ولذلك تركزت عمليات التهجير والتشريد في الأغوار الشمالية على المس بهما. فبدأت السلطات بمصادرة واسعة لأراضي الأغوار عامة والأراضي الزراعية والمراعي بشكل وتم تحويل معظمها الى مناطق عسكرية ومحميات طبيعية يمنع السكان الفلسطينيون من دخولها, وصودرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لصالح المستعمرات هناك, حيث أقيمت هناك حتى اليوم نحو 35 مستعمرة وفي المقابل تتقلص عدد التجمعات السكانية الفلسطينية في الأغوار الشمالية . وتسيطر إسرائيل على نحو 90% من اراضي الاغوار الفلسطينية بينما يسيطر الفلسطينيون على 10% فقط.

يمنع الفلسطينيون من رعي مواشيهم في المناطق القريبة من تجمعاتهم السكانية والتي اعتادوا عليها عشرات السنين قبل الاحتلال, ويغرم الفلسطينيون بدفع غرامات باهظة إذا دخلت مواشيهم إلى “المناطق العسكرية” او “المحميات الطبيعية”, واذا استمرت المواشي بدخول “المحميات الطبيعية” المجاورة تقوم السلطات بحرق هذه المناطق غير آبهة بقتل الطيور والحيوانات الفريدة من نوعها, كالأرانب كالغزلان والحجل الذين يعيشون هناك, وبحرق نباتات نادرة تعيش في هذه المناطق والتي يدعون حمايتها. فعلى سبيل المثال قامت السلطات عام 2001 بحرق ألاف الدونمات جنوب بردلة والتي استعملت كمراعي للمواشي لسكان المنطقة.
تجدر الإشارة إلى ان ادعاء السلطات أن منع رعي المواشي في هذه المناطق يأتي إلى حمايتها هو ادعاء كاذب حيث ان هذه الطيور والحيوانات والنباتات تكاثرت عندما كانت المواشي ترعى في نفس المناطق.

وتقيم إسرائيل في الأغوار الشمالية سجن وحيد من نوعه في العالم, تعتقل به الحيوانات المخالفة لقوانينهم حيث يتم إيداع الأبقار والأغنام المصادرة في هذا السجن الى حين يدفع صاحبها الغرامات الباهظة بالإضافة الى مصاريف نقل ومبيت هذه المواشي بحيث تصل الى عشرات ألاف الشواقل يصعب على صاحبها تأمينها بحيث يتنازل في النهاية عن هذه المواشي وعن الاستمرار في تربيتها. ومن ومراقبة اعداد رؤوس المواشي في الأغوار يكتشف ان عددها في تنازل مستمر جدا.

ولما كانت الزراعة وتربية المواشي بحاجة ماسة الى المياه توجهت السلطات الى حرمان التجمعات السكنية من المياه وعدم إيصال مساكنهم بها. فترى مواسير المياه الضخمة تمر من بين التجمعات الفلسطينية في طريقها الى المعسكرات والمستعمرات الصهيونية دون ان تتوقف في هذه التجمعات. فترى التجمعات الفلسطينية قاحلة بينما المستعمرات الصهيونية خضراء يانعة.
اما التجمعات السكنية القائمة حول ينابيع المياه فقد تم تجفيف هذه الينابيع عن طريق إيصال مواسير لضخ المياه من مصادر النبع وتحويلها الى المعسكرات والمستعمرات الصهيونية المجاورة, وفي حين استمر السكان الفلسطينيون بالوصول إلى هذه الينابيع ونقل المياه على حميرهم يقوم المستوطنون بتوجيه كلابهم لإخافتهم وحملهم على عدم العودة.

نتيجة حرمانهم من المياه اضطر السكان الفلسطينيون إلى استعمال الآبار المائية فمنعت السلطات الصهيونية منهم ترميمها وقامت بهدم المئات من الآبار بادعاء ان هذه المياه ملك للسلطات وليست ملك للأفراد. فاضطر الفلسطينيون في التجمعات السكنية في الأغوار الشمالية إلى شراء المياه من أماكن بعيدة ونقلها بواسطة الصهاريج بحيث كان يكلف كوب الماء الواحد عشرات الشواقل مما حتم على الكثير من السكان بيع مواشيهم وترك أماكن سكناهم .

نتيجة لمصادرة أراضيهم ولانعدام فرص العمل اضطر الألف من الفلسطينيين إلى العمل في الزراعة في المستعمرات المجاورة في اجر بخس يصل الى 50 شاقل يوميا مقابل 12 ساعة عمل يوميا. وأكثر ما يثير الحزن ان الكثير من الفلسطينيين وجدوا أنفسهم يعملون في أراض صودرت منهم او من أبائهم مقابل أجرة يومية توازي سعر كوب او على الأكثر كوبين من الماء!!!

كما وتقوم السلطات الصهيونية بمحاصرة التجمعات السكنية في الأغوار بالحواجز العسكرية تصعب على انتقالهم من منطقة إلى أخرى وتعمل على إذلالهم واهانتهم ولكي لا يقوم الفلسطينيون أو مواشيهم بتجاوز نقاط التفتيش فقامت السلطات بحفر أنفاق يصعب تجاوزها.

تمنع إسرائيل عن سكان التجمعات السكانية ابسط الخدمات , فبالإضافة إلى عدم توصيلهم بالماء والكهرباء تمنع بناء المدارس وتمنع عنهم الخدمات الصحية والشوارع وغيرها من ابسط الخدمات, ومن خلال الزيارات الى مناطق الأغوار الشمالية نستمع الى عشرات القصص عن وفاة فلسطينيين نتيجة عدم تلقيهم ابسط الخدمات الطبية وقسم منهم توفى نتيجة تأخيره على الحواجز العسكرية, وفي حين يقوم الفلسطينيون ببناء مدارس بسيطة تصدر السلطات أوامرها بهدم هذه المدارس ومعاقبة المبادرين .

يقوم الجيش الإسرائيلي بتدريباته العسكرية داخل المناطق السكنية الفلسطينية في الأغوار الشمالية وبين مساكن المواطنين في ساعات اليوم والليل غير مهتمين بالأطفال الذين يرتعبون من أصوات المتفجرات, ويقوم الجيش بترك بعض من ذخيرتهم في مناطق التدريبات مما أدى في الكثير من الأحيان من قتل وإصابة العشرات من الفلسطينيين.

اما عن هدم مساكن الفلسطينيين هناك فحدث بلا حرج, حيث يتم كل أسبوع هذه مساكن في الأغوار الشمالية بادعاء عدم الترخيص في حين ان السلطات رفضت إعطاء التراخيص في هذه التجمعات السكنية. فيقوم الفلسطينيون بنصب الخيام من جديد وتلاحقهم السلطات الإسرائيلية. أضف إلى ذلك الاعتقالات والملاحقات لكل من يناضل ضد هذا الممارسات الفاشية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق