الرئيسيةمقالات

د. عيسى: الجهلاء لا يتسامحون ولا يتحاورون

أكد الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات الدكتور حنا عيسى على أن التسامح الديني يقوم على مبدأ قبول الآخر باختلافه وتباينه، ولكن التسامح الديني في معناه العميق اليوم يرتكز إلى مبدأ فلسفي وديني طليعي وهو القبول بالوحدة الكونية والانسانية.

وأشار د.عيسى إلى أن هذا المبدأ يقبل بالفروقات والاختلافات الدينية والثقافية على أنها طرق أخرى في فهم الله والانسان والكون. فالتسامح (بهذا المعنى) ليس مساومة فكرية أو دينية، كما أنه بالمقابل لا يلغي الخصائص والمميزات الفريدة، ولا يقفز فوق الفوارق الدينية والحضارية، إنه الاعتراف الهادئ بوجود التباينات، ومن ثم احترام هذه التباينات باعتبارها إثراء للوجود البشري ودعوة إلى التعارف والتثاقف.

وأضاف: “ان التسامح ينطلق من أن التعدد شرعة إلهية، وسمة الوجود وهكذا يتجاوز فكرة القبول السلبي، الاضطراري للأخر إلى فكرة أن الآخر شرط مؤسس ومكمل للشخصية الذاتية.وأن التسامح ليس هو السكوت عن الآخر، في إنتظار أن تسنح لحظة إلغائه، بل استدعاء لهذا الاخر، مجاوراً ومحاوراً وشريكاً في تكوين الحقيقة. بينما كان التسامح الديني، في أقصى مدى له، يرنوا إلى حسن الجوار صار التسامح الديني يعني اكتشاف الاخر في بهائه والتعرف على المطلق في كل دين .وتالياً، فإن الشرط الاول للتسامح الديني الحقيقي هو المعرفة، معرفة حقيقية للذات وللتاريخ وللهوية ثم معرفة الأخر، تاريخاً وثقافة وفكراً.


واستطرد د. عيسى: لا يستقيم التسامح الحقيقي، لا التسامح الشكلي والبروتوكولي، إلا على قاعدة المعرفة الرصينة، فالجهلاء لا يتسامحون، ولا يتحاورون. ان التسامح الذي يقوم على الصمت المؤقت عن الاختلاف ليس تسامحاً خلاقاً أو مساهماً في عمران الكون، بل هو رأفة القوي بالضعيف وتعامل يقوم على منطق القوى والأكثرية النسبية.


وأشار الى ان الدين السائد في منطقة جغرافية محددة يشكل أقلية ضيقة في بقعة جغرافية أقرب أو أبعد. ليس التسامح خياراً بين خيارات، يمكن أن تستقيم الاحوال السياسية والدينية والحضارية في العالم بوجوده أو انتفائه، بل هو الخيار الالزامي، المعبر الضروري إذا شاءت البشرية أن تنمو وتزدهر. إنه القيمة التي تجعل الحياة ممكنة، وقادرة على أن تهزم الموت والحروب والدمار. ففي غياب التسامح، لا ثقافة للسلام والعيش المشترك.
نعم ان الاديان السماوية تنطوي على قيم التسامح الديني التي تقود المؤمنين الى التحلي بأخلاقه. ففي المسيحية والاسلام الكثير الكثير مما يدعو ويؤسس لهذا المفهوم العميق للتسامح الديني.

وأضاف الامين العام: “ إن التقاء المسيحية والاسلام على تكريم الانسان بصفته خليفة الله على الارض، واعتباره كائناً حراً، ودعوتهما الى إنماء الارض إنماءً مشتركاً، على قاعدة العدل، إنما يشكلاً منبعاً ومصدراً لفكرة التسامح الذي يغتدي من مصدر إلهي، يكفي المؤمنين إذا أن يعيشوا ويلتزموا في الكتب السماوية بصدقٍ واخلاص حتى يحققوا في واقعهم الحياتي اليومي ما تدعوهم إليه كتبهم المقدسة. أن تكون مسلماً حقاً، ومسيحياً حقاً، يعني أن تذهب في إيمانك الى مقاصده العليا، إلى الإعلاء من قدر الانسان، ورفض أي استغلال أو إقلال من كرامته ككائن مخلوق على صورة الله.

واختتم د. عيسى: “اننا نحمي قيم التسامح الديني عندما نتخذ من العيش المشترك نهجاً في حياتنا، ونصون العيش المشترك عندما ندافع عن قيم التسامح الديني. من خلال الفهم الديني العميق للمسيحية وللإسلام يجرد الدين من ثقل التاريخ والتصورات النمطية المشوهة في المخيلة الشعبية ويقود المؤمنين إلى التزام الانسان الفرد الحر بعيداً عن دينه ولونه وعرقه وأصله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق