نشاطات

اللغة العربية وتشكيل هوية الطفل

imageاللغة العربية وتشكيل هوية الطفل
العلاقة بين الهوية والثقافة الإسلامية يتعذر الفصل بينهما، لأن الهوية هي مرآة لثقافة الأمة، وهي التي تمنحها شخصيتها التي تعرف بها بين الجماعات الأخرى، فالثقافة هي التي تحدد هوية الأمة وشخصيتها، وتدل عليها وتميزها عن غيرها، لأنه لا توجد هوية لا تستند إلي خلفية ثقافية، وكان للإسلام الأثر الفاعل في تشكيل الهوية العربية والوحدة الإسلامية النابعة من اشتراك الناس في ممارسة الطقوس والشعائر والمعاملات والعبادات وهي المرجع الأساسي لمنظومة القيم التي يؤمن بها المجتمع العربي المسلم، ذلك أن القيم قد تشكلت بناء على تعاليم الديانة الإسلامية التي كان لها أبعد الأثر في مختلف عناصر الحياة العربية.

وقد أكد اللغويون على العلاقة الوثيقة بين اللغة والهوية، لأن اللغة هي بمثابة الوعاء الذي تشكل فيه الهوية، وهي التي تجعل لكل مجتمع كيانه الثقافي والحضاري الذي يميزه عن سائر القوميات والهويات الأخرى.

ومن هنا فدعم اللغة العربية وتأهيلها متنا ووصفا، وتأهيل متكلميها إبلاغا وثقافة ومعرفة، بهدف تعزيز الهوية العربية، وإقامة تنمية مجتمعية هادفة وشاملة يقتضي استكناه تفاعل العناصر والأبعاد الحضارية والاقتصادية والثقافية الملحة التي توفر الشروط المناسبة لبقاء اللغة وانتشارها ورقيها، وتقوية فرص متكلميها ومستخدميها في الشغل والرفاه، والاندماج العلمي والاقتصادي ورسملة توظيفها والاستثمار فيها، من أجل تنمية المجتمع سياسيا وقانونيا واقتصاديا وعلميا.

وإذا كانت مسألة اللغة مسألة هوية وتماسك مجتمعي وتراث حضاري، ورمز سيادة تاريخية وحضارية، فهي بجانب ذلك مسألة تنموية وفكرية واقتصادية تنافسية راهنية، اعتبارا لكونها رافعة النمو المعرفي المبكر، وأداة نقل المعرفة والمعلومات إلى عموم القوى المنتجة، ولسان الإنتاج والإبداع والتواصل المعرفي/ الثقافي، عبر مراحل تكوين الإنسان وتنشئته، وخاصة في مراحل الطفولة والشباب.

ولقد برهنت اللغة العربية على قدرتها عبر التاريخ على تمثل وهضم واستيعاب كل العلوم والفنون والآداب، ولم يبرز العلم العربي تاريخيا بشكل متميز ومبدع إلا عندما شرع العلماء العرب والمسلمون، بدعم من السلطة، في نقل مختلف المعارف والعلوم المكتوبة باليونانية واللاتينية والفارسية والهندية والسريانية على الخصوص، إضافة إلي تملك الموروث الثقافي الضخم لهذه الحضارات، وكذلك الثقافات القديمة من فينيقية وبابلية ومصرية قديمة.

وتدرج العلم العربي من الترجمة والتقليد في الطب والفلك والزراعة والحساب..إلخ، إلي الإنتاج المبدع، ولقد مثلت اللغة العربية وعاء تلاقح هذه المصادر المتعددة، وتعدد العلماء عرقا ودينا في إقامة العلم العربي (أي المكتوب بالعربية) ويمثل هذا التاريخ نموذجا يبرهن على أن العلم يقوم من اللغة، أي أن اللغة (العلمية) تؤهل العلم، لا العكس، إن تملك العلم باللغة القومية يؤهل العلم واللغة، وإن السعي وراء نشر العلم باللغة العلمية المهيمنة لا يعطي النتيجة المرجوة، لقد سعى محمد على نفس المسعى فعرّب الطب في مصر، كما عرب السوريون طبهم وعلمهم ووفقوا، وفعلت اليابان وغيرها من الدول المتقدمة كبيرها وصغيرها نفس هذا المسعى، وهذا المنحى لا يتعارض ولا يتنافى، بل يتكامل وإتقان اللغات الأجنبية التي تتيح العلم الأجنبي بلغته، ثم نقله إلى اللغة الوطنية.

وتمثل اللغة العربية لغة ذات رمزية وقدسية بالنسبة لما يقرب من مليار وربع مسلم، فالقرآن نزل بها، وعدها علماء اللغة المسلمين أفضل اللغات، وكل مسلم ينطق بها تبركا بآيات التنزيل وحفظا للشريعة، وفهما لها، وفي حفظها حفظا للدين بعقائده وتشريعاته وأخلاقه. ولا ننسى أن اللغة العربية الآن هي اللغة الرسمية الأولى أو الوحيدة لاثنتين وعشرين دولة عربية وهي بذلك تأتي في المرتبة الثانية بعد الإنجليزية. وتمتد رسمية اللغة العربية إلي المؤسسات الدولية والإقليمية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الفرعية، حيث توجد ضمن إحدى ست لغات رسمية. كما تمثل العربية اللغة البينية الوحيدة التي تمكن من التواصل الشامل في كافة الأقطار العربية. فالأمة العربية ليست وحدة دينية لوجود ديانات مسيحية ويهودية وغيرها (وإن غلب الإسلام فيها)، وليست وحدة عرقية، وليست وحدة اقتصادية أو سياسية أو أمنية إلي الآن، بل هي وحدة لغوية قبل كل شيء، قد تتولد عنها عناصر وحدة مرجوة من طبيعة أخرى.

إلا أن اللغة العربية، على غرار أوضاع لغات الحضارات الكبرى، يفرز نقاط قوة وضعف، وسواء تعلق الأمر بمتنها وضوابطها وسلامتها، أو تعلق بوظائفها الفعلية أو الكامنة في محيطها الإقليمي والدولي، أو في مجتمع المعرفة والمعلومات والاقتصاد. وهذا يتطلب خطة تأهيلية متجددة ودائمة للغة العربية، وإن إدارة الوضع اللغوي لصالح اللغة العربية ولصالح متكلميها أمر موضوعي وحتمي، وإن التجارب اللغوية عند العرب والمسلمين وعند غيرهم من الشعوب تفرز أهمية القرار الواضح والإرادة الأكيدة وترجمة القرار في الخطط والتشريعات التي تؤول إلي النهوض باللغة.

إن اللغة العربية اليوم مهددة في وجودها، مع أنها لحام الأمة الفعلي وضميرها، ووعائها الثقافي والفكري، وسبيل العبارة عن مواقفها الحضارية، وعن دينها ولسان المحافظة على هويتها وخصوصيتها. وعلى الرغم من الميزات الكبرى والتي يعلمها الجميع عن اللغة العربية، خاصة وأنها لغة ظلت حية على مدى ألآف السنين، يتكلم بها ملايين البشر، فقد أحس اللغويون بحاجة الرسم العربي إلى التطوير والإصلاح، ليكون ملائما لمقتضيات النطق في المجالات العلمية والأدبية الحديثة من جهة، ثم لاستيعاب التطور الهائل في استعماله بالحاسب الآلي وملاءمته، لذلك كانت كل الجهود التي بذلتها المجامع اللغوية، وأجهزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في العصر الحديث قد وصلت إلى نتائج طيبة في تقليل عدد الرموز الكتابية والطباعة إلى أقل عدد ممكن لأداء اللغة أداء كاملا، بعد أن كان صندوق الطباعة ضخما تزيد حروفه على أربعمائة رمز، درست هذه القضية ونالت جهود المتخصصين في مجامع اللغة، وخصوصا مجمع القاهرة، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «في إطار أهداف تعليمية، تمت تجربة التعليم عن طرق الحروف الميسرة، وعددها ثلاثون حرفا فكانت النتيجة واضحة في توفير الوقت والجهد بالنسبة للدارسين».

وهناك توافق على أن إدخال الشكل (أو التشكيل) يساعد الطفل على التعلم السريع للغة، وتحسين تقبلها، وجعلها تكتسب كلغة حية محملة بالمعلومات، عوض قوالب صورية ينهك التلميذ في البحث عن حركاتها، وينبغي أن يدخل الشكل كذلك في المعاجم على جذوع المفردات، ويقع ترتيب المواد حسب الحركات كذلك، لتسهيل البحث في المواد المبثوثة داخل نفس الدخلة.

ولا ننسى أن طريقة تعليم العربية غير جذابة، يتجلى هذا في عدم تجديد طرق التعلم والتعليم، وتجديد كفايات المدرس تربويا وتأهيله باستمرار، وتوظيف أساليب تقليدية غير جذابة تعتمد التلقين والأساليب المتجاوزة التي لا تخلق التفاعل الضروري بين المادة والمدرس والتلميذ، ونصوص غير مواكبة للعصر فكريا وتقنيا، وندرة استعمال الأدوات الإلكترونية كالأقراص المدمجة التعليمية ومحطات العمل الحاسوبية وغيرها.

وعامة وبعد ثلاثين سنة من العمل والدراسة توصل مجمع اللغة في القاهرة، إلى إصلاح داخلي للكتابة العربية، أصبح يطبق تطبيقا متواصلا لاسيما بجريدة الأهرام، وهي خطوة أولى في سبيل الإصلاح المتواصل وليست النهائية.

وهناك جهود قام بها العالم المغربي أحمد الأخضر غزال، بسّط رموز الكتابة جاعلا وضع الحركة بُعيد الحرف واختصر أشكال الحروف إلى تسعين شكلا في حين أن الطباعة اللاتينية تستعمل مائة وخمسة عشر شكلا، فأمكن أن تكون الآلات الكاتبة والمبرقات العربية مزودة بالشكل، إن في هذا إضافة طيبة لتبسيط الحرف العربي0 أما ما يثار في الإفادة من الحاسب الآلي من مشكلات الكتابة العربية بتعدد الأشكال للحرف الواحد، أو العلامات المتخذة في الكتابة كالشدة والضبط والتشكيل.. فهذا كله يخص نظام الكتابة العربية، ولكل لغة نظامها الكتابي، وتعدد النظم الكتابية لا يعني حرمانها من الإفادة من الحاسب، فهناك عدة لغات تتعدد أنظمة الكتابة فيها كخط اللغة اليونانية والصينية والفارسية واليابانية وغيرها من الأنظمة الكتابية، وكلها يختلف عن نظام الحروف اللاتينية، وعلى الرغم من هذه الفروق فقد تمت محاولة لإنشاء قواعد بيانات معجمية بالحواسيب إن هذه الجهود اللغوية تكون كبيرة الفائدة سريعة الشيوع، لو كان وراءها تخطيط لغوي، وسياسة لغوية موحدةimageimage

مقالات ذات صلة

إغلاق