مقالات
أثر الثقافة العربية السائدة في تراجع دور المرأة العربية – المهندس عبد الحفيظ. اغبارية
ذكرت. د فيحاء عبد الهادي في مقالتها
علينا ان نفرِّق بداية بين الثقافة العربية ككل، التي احترمت النساء، ووثقت إنجازاتهن، عبر العصور (العسقلاني، والإمام النووي، والسخاوي، والسيوطي، وابن عساكر) ، وبين الثقافة العربية، التي رسَّختها مفاهيم شعبية، لم يجر الوقوف لديها بشكل نقدي جدي وشجاع، تحت عنوان: تقديس التراث؛ الأمر الذي ثبَّت كثيرا من هذه المفاهيم، في الثقافة الشعبية الجماعية، وساهم في تكريس صورة نمطية للمرأة، يصعب التخلص منها.
رسخت في الذاكرة الشعبية صورة سلبية للمرأة، تربط بينها وبين الخيانة والمكر والمراوغة والخداع. كما أن مفهوم “الطبيعة الأنثوية الدائمة” مطبوع بقوة في أذهان الناس، فالمرأة “جاهلة”، و”عاطفية”، و”ضعيفة”، وهي لا تستطيع التحكم في أفعالها، كما أنها رقيقة، وحساسة، وحنون، وكل هذه الصفات مرتبطة بالتركيب الجسدي للنساء، وبأنها ملحق للرجل، كابنة، أو زوجة، أو أم.
مثال: في القرية الفلسطينية، تبرر تبعية المرأة للرجل في القول: ” النسوان لهن نصف عقل”، كما أن المرأة غير قادرة على الاختيار الحكيم: “إن دشّروا البنت على خاطرها يا بتاخذ طبال يا زمار”، ويقال عن الرجل الضعيف بأنه “مثل المرا”. “لا تاخذ رأي المرة ولا تتبع الحمار من ورا” “إسمع للمرة ولا تاخذ برايها” .
وفي الأساطير القديمة، ترد المرأة والحية والشيطان وجوهاً للبطل نفسه ، كما تتركز الأسطورة التي أوردها الطبري أن إبليس بعد أن عرض نفسه على دواب الأرض، في أن تحمله لدخول الجنة، بعد أن منع من دخولها؛ لم تحمله سوى الحية، بعد أن وعدها بالحماية من بني آدم، فحملته إليه، فكلم إبليس حواء، فكانت الخطيئة الأولى، وعقابها المعروف، هو الطرد من الفردوس، وإدماء حواء الشهري، المتمثل بالحيض، وذلك العداء الأبدي بين الرجل والمرأة والشيطان والحية. “إهبطوا بعضكم لبعض عدو”، هذا ما يؤكده الطبري، في تاريخ الرسل والملوك.
أما بالنسبة لخلق حواء من ضلع الرجل، فهي أسطورة مستقرّة ومنتشرة بكثرة، على طول الشرق الأوسط، تؤكد سيادة الرجل، وتنقص من مساواة المرأة به، وتوحد بين المرأة والحية والشيطان والجنية. وحين نعود إلى القرآن الكريم، لنبحث عن أثر هذه الأسطورة؛ لا نجد أثراً لها؛ إذ إن الله تعالى يؤكد أن مصدر الخلق واحد، وأنه خلق الرجل والأنثى من نفس واحدة: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء” .
ومقابل الأمثال والحكايات التي تعبر عن ميل المرأة للخيانة، والتي تتحدث عن مكرها ودهائها؛ هناك حكايات تطرح رجاحة عقل المرأة، مثل حكاية بنت الكندرجي، التي تدل على ذكاء المرأة وفطنتها، فبنت الكندرجي ترفض الزواج بابن الملك؛ إلا إذا تعلم صنعة، فهي ترفض الزواج من رجل عاطل عن العمل، حتى لو كان ابن ملك. وهذا يدل على وجود ثقافة مضادة للثقافة السائدة، تحاول فرض نفسها، وتلعب المرأة دوراً بارزاً في هذه الثقافة، يكاد يتساوى مع دورها المادي، على أرض النضال، من أجل توفير الخبز” .
وهنا تبرز أهمية نشر هذه الثقافة وترسيخها، حتى تقف في مواجهة الثقافة السائدة، التي نال منها العلم الحديث، حين أكد أن التركيب الفسيولوجي للمرأة لم يعد تبريراً مقنعاً لتقسيم العمل المنزلي أو الخارجي (عمل الرجل) على أسس جنسية .
وقد ساهم علماء الأنثروبولوجيا الحضارية بشكل فعّال، في دحض نظرية “الطبيعة الأنثوية”، في دراساتهم عن المجتمعات البدائية، وذلك عندما برهنوا أن “الأمومة”، و”الأبوة”، مفهومان اجتماعيان. كما أوضحوا أن الصفات الملاصقة للطبيعة الأنثوية، و”الطبيعة الذكرية” (كالرقة والخشونة، والاعتماد، والاستقلال، والعاطفية، والهدوء) هي في الواقع صفات مكتسبة وليست ثابتة .
من الضروري أن تجري غربلة الموروث، ضمن نظرة نقدية للتراث، تضع الإيجابي منه في الصدارة، وتعيد امتلاكه، على أساس معرفيّ علمي معاصر. تستبعد صورة الإنسان العربي القدري، مسلوب الإرادة، وتستحضر المشرق والمبدع من تاريخ الإنسان العربي وثقافته، وفي القلب منها المساهمة الفاعلة للمرأة العربية في مناحي الحياة كافة.
وبعد،
لن تستطيع المرأة العربية أن تساعم بشكل فاعل، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ في غياب القانون، وغياب العدالة الاجتماعية، وحين يسود الأمان؛ وتتحقق العدالة الاجتماعية؛ تتمكن النساء من المساهمة الفاعلة في صنع السلام.
لا نساء لا سلام في العالم،
لا نساء لا أمن إنسانيّاً
لنصنع السلام في الفضاء الخاص وفي الفضاء العام،
في المنزل والشارع،
في الحقل وفي المصنع،
في المدرسة وفي المكتب،
كي نحصد الأمان الإنساني،
وننتصر لإنسانيتنا.
منقول عن د. فيحاء عبد الهادي