مكتبة الأدب العربي و العالمي

شبح_في_الظلام النصف الاول

نزل الظلام مبكرا في تلك الليلة ،كان المارّة يسرعون في العودة إلى ديارهم ،فلقد بدأت حبات المطر تنهمر، و الرّياح تهبّ منذرة بوقوع عاصفة ،أشعل الشيخ عبد المقصود مدفئته ،ورمى قطع إضافية من الحطب فالأمسية ستكون اليوم شديدة البرودة ،أعدّ لنفسه فنجان شاي ووقف يترشفه ببطء أمام النافذة ،منذ أن ماتت زوجته وهو يعيش وحيدا في هذا البيت ،له إبنة تزوره دائما لكن نقلتها الشركة التي تعمل فيها إلى مكان آخر يبعد عن المدينة نحو خمسمائة كلم ،ولم يعد بإمكانها القدوم إلا مرّة في نهاية الأسبوع ،لكنها تتّصل به بالهاتف من حين لآخر .أما بالنّسبة للعناية به ،فقد وظفت شغّالة تأتي كلّ صباح تطهو طعامه ، و ترتّب البيت ،ثم تنصرف بعد الظهر .
كان ينظر إلى الشّوارع الخالية ،وقد سرحت أفكاره ،وفجأة شاهد امرأة تسير بمفردها في الظلام، وقد ابتلت بالمطر،ثم وقفت تحت شرفة نافذته ،كانت السّاعة تشير إلى العاشرة ليلا،لم يكن هناك سوى السّيارات،أمّا الأرصفة فهي تكاد تكون خالية في هذا الطقس الممطر .جال بخاطره أنه وقع لها مكروه لتبقى لهذه السّاعة المتأخّرة .
فكّر قليلا ،وقال في نفسه سأنزل، وأرى ربما كانت محتاجة للمساعدة ،عندما فتح بابه ورآها ،عرف أنّه اخذ القرار الصحيح كنت المرأة مبللة ،ترتجف من البرد ،قال لها تفضلي إستريحي عندي في البيت، لا زلت أحتفظ بثياب زوجتي لها تقريبا نفس مقاسك ،اختاري منها ما تشائين،نظرت إليه دون أن تقول كلمة ،أخذت حمّاما ساخنا، وإختارت فستانا أبيض و شالا وضعته على كتفيها ،ثم جفّفت شعرها ،وجدت علبة زينة فلم تمنع نفسها من وضع مكياج خفيف، ثم خرجت إلى الصالون ،حيث كان يجلس الحاج عبد المقصود امام المدفأة ،عندما رآها إندهش لجمالها و أناقتها ،كانت في الثلاثين من العمر، أثار شكلها كثيرا من الشّجون : تسريحتها و زينتها و طريقة لباسها رحلت به لفترة العشرينات ،كانت تشبه صور أمّه في شبابها ،حتى طريقة جلوسها وشربها الشاي، حافظت على عادات تلك الفترة.
عندما سألها عن نفسها ،قالت: إنّي أعرف هذا البيت ،لقد قمتم ببعض التعديلات، لكن لم يتغيّر طابعه الأصلي ،والقبو ماذا فعلتم به

 

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق