الرئيسية
لبنان يردّ على “تريلسون”: لن نتقاسم بحرنا وإسرائيل
سمع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، خلال زيارته التي لم تدم إلا خمس ساعات إلى بيروت، أمس الخميس، موقفاً لبنانياً مُوحّداً بشأن ملف الحدود البرية والبحرية، وهو “رفض لبنان أي مسعى لتقاسم مياهه البحرية” مع إسرائيل، في إشارة إلى البلوكين البحريين اللبنانيين اللذين تحاول إسرائيل، بوساطة أميركية، تقاسمهما مع لبنان، بما أنه يرجح أن تكون فيهما ثروات من النفط والغاز.
وعلمت “العربي الجديد” أن المسؤولين الأربعة الذين التقاهم تيلرسون برفقة مساعده ديفيد ساترفيلد، والسفيرة إليزابيث ريتشارد، أي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، أبلغوا الضيف الأميركي كلاماً موحداً مفاده “الترحيب بأي وساطة أميركية، لكن ليس لتقويض حقوق لبنان الاستثمارية في النفط داخل منطقته البحرية الاقتصادية في البحر المتوسط، بل لإقناع دولة الاحتلال بأنه ليس لها أي حق في مياهنا وثرواتنا”، بحسب أجواء نقلها مشاركون في جلسات مع تيلرسون أمس.
وتخلل اللقاءات بين الوزير الأميركي والمسؤولين اللبنانيين كلام لبناني يصب بوضوح في خانة “رفض أي ادعاء إسرائيلي بامتلاك حقوق في الحقلين 8 و9 النفطيين اللذين يقعان عند حدود لبنان البحرية مع فلسطين المُحتلة”.
وفي البر أيضاً، سبقت التوجيهات التي أعطاها المجلس الأعلى للدفاع إلى الجيش اللبناني بـ”الرد على أي محاولة “إسرائيلية” لبناء الجدار الأمني على أراض مُتحفظ عليها لبنانياً”، زيارة تيلرسون، فعبّرت عن الموقف اللبناني الرسمي بوضوح.
وتفاوت سقف الأجواء التي استمع إليها تيلرسون بين إعلان الحريري أن “ما للبنان للبنان، وما لإسرائيل لإسرائيل”، وبين الدعوة التي وجهها بري لتيلرسون لـ”تشكيل لجنة لبنانية – دولية – إسرائيلية للتأكد من صحة ترسيم الحدود البحرية”، وذلك بالاستناد إلى تجربة رسم الخط الأزرق بعد انتهاء عدوان عام 2006 الإسرائيلي على لبنان.
أمام هذه المواقف التي سمعها، ارتأى تيلرسون، الآتي إلى منصبه السياسي من خلفية إدارته لعملاق النفط “إكسون موبيل”، التلويح بورقة “ضرورة أن يتوصل الطرفان (لبنان وإسرائيل) إلى اتفاقية لتتمكن الشركات النفطية من العمل في الحقل البحري”، وهو ما فهمه البعض تحذيراً مبطناً، قبل أن يستدرك، بلغته الدبلوماسية المعروفة، بأنه لم يطلب “من أي من الطرفين التخلي عن حقوقهما، وهناك مناقشات بناءة تجري حاليا ويحث إسرائيل على أن تكون بناءة أيضاً”، على حد تعبيره في مؤتمره الصحافي الوحيد الذي عقده مع الحريري، في مقر الحكومة.
واستدرك تيلرسون قائلاً إن “أميركا ليست في موقف تفرض فيه أي شيء على دولة سيادية أخرى”. علماً أن الاقتراح الذي حمله مساعده، ديفيد ساترفيلد، الذي زار لبنان الأسبوع الماضي، طرح “خط هوف” (مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، فريديريك هوف) كحل أميركي لمشكلة حدود لبنان البحرية مع إسرائيل، ويقوم على إعطاء 360 كيلومتراً مربعاً من المياه اللبنانية لإسرائيل، من أصل 860 كيلومتراً مربعاً هي مجموع مساحة ما يسمى الحقل النفطي رقم 9.
وكان وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قد هدد لبنان بشن حرب بالتزامن مع بدء 3 شركات نفطية روسية وفرنسية وإيطالية عمليات التنقيب الاستكشافي في الحقل رقم 9 والحقل رقم 4 في المياه الإقليمية اللبنانية.
وتقوم فكرة خط هوف، الذي جال بين لبنان و”إسرائيل” قبل سنوات، على تقسيم المساحة البحرية بين لبنان وإسرائيل بنسبة ثلثين مقابل ثلث لمصلحة لبنان. وتجاهل تيلرسون واقع ترسيم الحدود البرية من قبل الأمم المتحدة منذ عام 2006، فحاول إعادة الأمور إلى مربعها الأول قائلاً إنه “يجب الاتفاق على الحدود أولاً لنرى إن كانت هناك حاجة للجدار أو لا”، في إشارة إلى الجدار الحدودي الذي تبنيه دولة الاحتلال على حدود لبنان، وتعتبر بيروت أنه يتجاوز الحدود في عدد من المناطق.
“تيلرسون عمان يناقض تيلرسون بيروت”
لكن أبرز ما كان لافتاً في كلام تيلرسون، ربما يكون أحرج الحريري، عندما شن هجوماً عنيفاً على “حزب الله اللبناني” المشارك بفعالية في الحكومة. فبعدما اعتبر تيلرسون في الأردن، يوم الأربعاء، أن “حزب الله جزء من العملية السياسية في لبنان”، خصص الوزير الأميركي جزءاً كبيراً من كلمته في بيروت، للتصويب على “حزب الله”، مصراً على أنه “تنظيم إرهابي بجناحيه السياسي والعسكري بالنسبة لأميركا، ومن المستحيل التحدث عن الاستقرار من دون معالجة مسألة حزب الله، والجيش اللبناني هو المدافع الوحيد عن لبنان”، لافتاً إلى أن “تنامي ترسانة حزب الله وتورطه في الصراعات الإقليمية يهدد أمن لبنان”. وحرّض الوزير الأميركي اللبنانيين داعياً إياهم إلى “التنبه للمخاطر الكبيرة التي يُسببها تدخل حزب الله في أزمات المنطقة”. وقدّم الوزير الأميركي أداء الحزب في لبنان والمنطقة كـ “نقيض لمفاهيم السيادة والاستقلال والاستقرار من خلال دعمه للنظام البربري في سورية وقتاله في اليمن والعراق”.
وحضر ملف العقوبات المالية الأميركية ضد “حزب الله”، فحاول كل من بري والحريري استيعاب القرار الأميركي بتضييق الخناق المالي على الحزب تمهيداً لتجفيف كامل موارده المالية. وعلمت “العربي الجديد” أن بري أكد لتيلرسون أن “الموقف لا يستدعي المزيد من الإجراءات والتدابير الأميركية المتعلقة بالحركة المالية والنقدية والمصرفية في لبنان”، بينما وصف الحريري القطاع المصرفي بأنه “حجر الزاوية في النظام المالي اللبناني الذي يلتزم بكل الإجراءات والقرارات الدولية”. هكذا اختتم الوزير تيلرسون زيارته التي توّقع مراقبون أن تكون حاسمة في ملف النزاع الحدودي بين لبنان إسرائيل، من دون حسم.
كما حضرت العناوين الإقليمية في تصريحات تيلرسون مع الحريري، فأشار إلى أن أميركا “تريد معالجة أوجه الخلل في الاتفاقية النووية مع إيران ونعمل مع الموقعين على الاتفاق ومع الشركاء الأوروبيين لمعالجة أوجه الخلل فيه”، لافتاً إلى أنه لا يريد “أن يعطي أي استنتاج بأننا سننسحب من الاتفاقية. يجب معالجة الخلل فيه ووقف ما تفعله إيران في الدول العربية”. وحول التوتر الحالي بين أميركا وتركيا، وعما إذا كانت تركيا ستصعد معركتها وصولاً إلى مدينة منبج السورية، لفت تيلرسون، الذي وصل إلى تركيا عصر أمس من بيروت، إلى أن أنقرة حليف مهم لواشنطن “ودائماً ما كانت داعمة في كل جهود مكافحة الإرهاب”. وختم بأن “العلاقة إيجابية جداً ونريد التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية”. ورداً على سؤال صحافي، قال تيلرسون “لم نعطِ أبداً أسلحة ثقيلة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري (الفرع السوري للعمال الكردستاني) لكي نستردها منه”.
أزمة البروتوكول
وكادت صورة تيلرسون، جالساً وحيداً في قصر بعبدا الرئاسي، بانتظار رئيس الجمهورية ميشال عون، أن تطغى على المواقف التي أطلقها خلال زيارته القصيرة، وهي أول زيارة لوزير خارجية أميركي إلى بيروت منذ 4 سنوات. وتوالت الشروحات التي قدمها المكتب الإعلامي في بعبدا وفريق وزارة الخارجية اللبنانية لشرح حيثيات دقائق الانتظار العشر “غير المقصودة” التي قضاها تيلرسون مع الوفد الأميركي في إحدى قاعات قصر الرئاسة، قبل أن يدخل عون، ويبدأ اللقاء الموسع بين الجانبين. واعتبر البيان الخاص الذي أصدره المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية، أنه لم يقع أي “خلل أو خطأ أو تقصير في بروتوكول استقبال الوزير الأميركي”. وبررت مصادر في الرئاسة اللبنانية ما حصل بالقول إن “تيلرسون وصل باكراً قبل الموعد المحدد”.