مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكايا من القرايا “عندما تنمّر الإقطاعي”

عمر عبد الرحمن نمر

فلسطين، عاشت فترة الإقطاع، فترة تاريخية حالكة الظلمة، ” قلّة وذلّة وكحل أسود” فقر مدقع، وابتزاز اقطاعي وربا (الفايظ)، وسرقة أراضي الناس جهاراً نهاراً. كان يضطر الفلاح بيع قطعة من الأرض ويقبض ثمنها كيساً من القمح أو الذرة، الجوع كافر، والعيال تقرط الصوّان…

أبو عيسى فلاح بسيط، يسكن قرية المزهريّة، أبو عيسى مقطوع من شجرة، يجاوره عمّان له، وابن عم… ولا يمتلك أبو عيسى إلا خشّة سقفها من الخشب والطين، وجدرانها من الحجارة والطين… يسكن فيها مع زوجته وابنه عيسى… كما امتلك الرجل قطعة أرض، يفلحها، ويزرعها، وهي القايمة فيهم ومسترّة عليهم… هذا إضافة لشطارة أم عيسى، وتربيتها للدجاج البلدي، والحمام، والأرانب… و.. و… وقد قالوا: الرجل جنّى والمرأة بنّا…

أرض (أبو عيسى) كانت شوكة في حلق الإقطاعي أبو الزنابيط، حاول أبو الزنابيط، ومختار العائلة… شراء أرض (أبو عيسى)، لكن المسكين عضّ عليها بالنواجذ… وكيف يبيعها، وهو يعتمد على الله ثم عليها في معيشته… يزرع قسماً منها في الشتاء، وقسماً آخر في الصيف… حاولوه مرة وثانية ومرات… لم يستجب لعروضهم… حاولوا إقناعه بحجة أن أرضه في وسط أراضيهم كالواحة، وجيرانه كلهم باعوا أراضيهم، لكنه لم يقتنع، هدّدوه. وفي يوم من الأيام بينما كان يحرث في أرضه، هو وابنه عيسى، هجموا عليه، وضربوه ليغادرها، ودافع هو وابنه عنها، فما كان من (زعران أبو الزنابيط،) إلا أن ضربوا عيسى بحجر مدبّب على رأسه، وظل ينزف حتى مات، والوالد مغشي عليه. واستولوا على الحمار وعدة الحراثة كما استولوا على الأرض.

يا حيف عائلة (أبو عيسى) قليلة ولا حول ولا قوة… ذهب الرجل بقهره يبكي طنيباً عند الشيخ أبو جزرة في بلدة بعيدة عن المزهريّة… يتذكر أرضه المسروقة وينوح… يتذكر وحيده القتيل ويجوح… ذهب الشيخ إلى الظالمين، فاوضهم، لكنهم أبوا واستكبروا وأنكروا حق الرجل في أرضه… وبعد أيام من الرفض، تابع أبو جزره مفاوضاته الفاشلة… لكن موقفهم لم يتغير.

اجتمع أبو جزرة بالمسكين، وأعطاه بارودة، وقال له ” ما بجيب الصاع إلا صاعين” اذهب إلى مظافتهم، وهم مجتمعون… اقتل أبو الزنابيط والمختار… وتهددهم، وأعلن وبصوت عالٍ أن التجول ممنوع عليهم، ومن يتواجد هنا أو هناك سيقتل… وفرّ الرجل…

خافت الجماعة، دفنوا القتيلين بصمت والتزموا البيوت… وفرغت البلدة من المارّة… والرعب يطاردهم، ودم عيسى يلاحقهم، زهقوا، فراح وفدهم متخفياً إلى (أبو جزرة)… وصلوه برجائهم وتوسلاتهم لحل المشكلة… قال الشيخ أبو جزرة: الرجل فرار، وقاتل (وما بمون عليه)… زاد خوفهم وزاد رجاؤهم… وبعد فترة من الرعب… اجتمعوا في مضافته…ترجّل الشيخ كلمة بسيطة، وكان القرار: الوحيد عيسى بالقتيلين… والأرض تعاد إلى أصحابها… كذلك الحمار وعدة الحرث، ويدفعون مخاسر (أبو عيسى) في تركه الأرض، وترويعه…

كانت تلك العتبة الأولى لسلسلة من المعارك ضد الإقطاع… قادها أبو عيسى، واستشهد فيها عيسى… لكن انتصر فيها الغلابى والجياع…

وأزهرت المزهرية… وروداً مختلفة الألوان… بعبق عطري واحد… أصبحت حكاية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق