أخبار عالميه

درع اوباما الهجومي وأمن روسيا

imageتضع واشنطن استراتيجياتها السياسية والعسكرية وتحورها طبقا لآليات متشابكة وصارمة، إلا أن خططها لا تخلو من الغش والخداع بدءا من حرب النجوم وانتهاء بالدرع.

والاعتقاد أن هذه المشاريع يمكن تغييرها بسهولة أوالغاؤها بمجرد وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، مهما كانت الظروف التي دفعت به، أو الشعارات التي وعد بها، حماسة عاطفية بعيدة كل البعد عن واقع آليات صنع القرار في هذا البلد الذي يحلو لزعمائه وصفه بالاستثنائي.

هذه الخلاصة لا تنفي البصمة الخاصة التي يمكن أن يتركها الرئيس الأمريكي على السياسات المتبعة، إلا أن ذلك محكوم بهامش محدد تتيحه منظومة المؤسسات الأمريكية ويستحيل عمليا تجاوزه.

يمكن تتبع ما يمكن تسميته بـ “ظاهرة أوباما” من خلال إلغاء مشروع الدرع الدفاعية الصاروخية السابق في شرق أوروبا في السابع عشر من سبتمبر/أيلول 2009.

بالقاء نظرة فاحصة على مشروع أوباما البديل للدرع الصاروخية، يمكن الاقتراب من إجابات معقولة تفسر إلغاء منظومة بوش السابقة، وعلاقة ذلك بالموقف الروسي الرافض لاقامة منظومة الدرع الصاروخية التي هي من حيث الجوهر، منظومة “دفاع” بغرض “الهجوم”.

وقبل أن نستعرض تفاصيل مشروع أوباما للدفاع الصاروخي، نمر أولا، لتكتمل الصورة، على مشروع درع بوش السابق المضاد للصواريخ..

يمكن القول إن انسحاب واشنطن من معاهدة الحد من الأنظمة المضادة للصواريخ في 13 ديسمبر/كانون الأول عام 2001، شكل مدخلا لتدشين مشروع الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ، إذ أن هذه المعاهدة الموقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي عام 1972، أريد منها الحفاظ على التوازن العسكري آنذاك عن طريق حظر إقامة دروع مضادة للصواريخ.

مبادرة الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة الحد من الأنظمة المضادة للصواريخ، جاءت في وقت تغيرت فيه موازين القوى بعد تفتت الاتحاد السوفيتي، الظرف الذي استغلته واشنطن للتنصل من قيود هذه المعاهدة بحجة ظهور ما يسمى خطر صواريخ “الدول المارقة”.

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية الترويج للدرع الصاروخية في شرق أوروبا، أو ما يعرف بالمنطقة الدفاعية الثالثة عام 2007، وتركز مشروعها آنذاك على نصب منظومة رادارية في تشيكيا بحلول عام 2011، ونصب عشرة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية على الأراضي البولندية بحلول عام 2013 .

روسيا على الفور اتخذت موقفا معارضا لنصب هذه المنظومة المضادة للصواريخ بمحاذاة حدودها، وأكدت موسكو أن هذه الدرع التي زعمت إدارة الرئيس الأمريكي بوش إنها موجهة ضد الصواريخ الايرانية، تخل بتوازن القوى في المنطقة وتهدد دفاعاتها، وتعرض أمنها القومي للخطر.

مشروع الرئيس أوباما البديل للدفاع الصاروخي يعتمد على الصواريخ الاعتراضية من طراز “إس إم” التي تحملها سفن البحرية الأمريكية، وهي مخصصة لاعتراض الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، بالإضافة إلى منظومة إيجيس “Aegis Weapon System” الرادارية البحرية المتكاملة لتتبع الأهداف الجوية المعادية وتوجيه الأسلحة لتدميرها.

صواريخ “إس إم 3” لفتت الانتباه إليها عام 2008 بعد أن نجح صاروخ من هذا النوع، أطلق من سطح سفينة حربية في المحيط الهادئ، في تدمير قمر اصطناعي كان خرج عن مداره على ارتفاع 247 كيلومترا.

واشنطن ستُحمل في المرحلة الأولى سفنها الحربية العاملة في شرق البحر المتوسط عام 2011 بصواريخ “إس إم 3″، وفي المرحلة الثانية من المشروع الدفاعي الأمريكي الجديد، سيتم نشر صواريخ “إس إم 3″، والمرحلة الثالثة ستبدأ عام 2018، وسيتم بمقتضاها نشر صواريخ “إم إس 3” التي يجري تصميمها وتطويرها في الوقت الراهن وهي ستوفر لأوروبا والولايات المتحدة مظلة حماية ضد الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى.

أما المرحلة الرابعة والأخيرة فسيشرع في تنفيذها عام 2020 بنشر صواريخ “إم إس 3” أكثر تطورا مخصصة لاعتراض جميع أنواع الصواريخ بما في ذلك الباليستية.

وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبيرت غيتس واجه اتهامات صدرت من بعض دول شرق أوروبا بالتخلي عن المنطقة، عندما أكد ، في مقالة نشرها في صحيفة نيويورك تايمز في 19 – 09 – 2009، على أن بلاده بمنظومتها الجديدة لا تلغي بل تعزز الدفاع الصاروخي في أوروبا.

غيتس دافع حينها عن المشروع الجديد المضاد للصواريخ بالقول إنه طبقا للخطط الجديدة سيتم نشر عشرات الصواريخ “إم إس 3” في المراحل المختلفة بحرا وبرا، بدلا من نصب عشرة صواريخ فقط في بولندا، كما كان مخططا في المشروع القديم، ما يعني منحها فعالية ومرونة أكبر.

أما بالنسبة للرادار الذي كان سينصب سابقا في تشيكيا فغيتس أوضح أن المشروع الجديد سيعتمد على وسائط حديثة، ستحملها الطائرات والأقمار الاصطناعية، وسينشر بعضها على الأرض، وتتميز بدقة اكتشاف أكبر وبتأمينها قدرات أشمل للمتابعة وللإنذار المبكر، بالاضافة إلى أنها تندمج وتعمل بسهولة داخل المنظومة، ويمكن للرادارات العاملة حاليا العمل في الشبكة الجديدة بفعالية.

استبدلت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مشروعا في مراحله الأولى يتمركز في شرق أوروبا، مزود بعشرة صواريخ لمهام الاعتراض فشلت جميع التجارب الاعتراضية التي أجريت على وسائطه، بمشروع أوسع، أكثر حركة ومرونة، ويستخدم مئات الصواريخ المجربة المتمركزة في البحر وفي البر.

وعلى الرغم من أن المشروع الجديد سيكون أكثر كلفة من سابقه بعد اكتمال مراحله، إلا أن الانفاق التدريجي في بنائه سيقلل من ثقل كلفته على ميزانية الدولة.

الجانب الإيجابي الذي رأي البعض آنذاك أنه يسبغ أهمية على الخطوة الأمريكية يتمثل في أن المنظومة الدفاعية الجديدة مخصصة حتى عام 2020 لاعتراض الصواريخ القصيرة ومتوسطة المدى، وبالتالي فلن تشكل خطرا آنيا على القدرات الدفاعية الصاروخية الروسية.

إلا أن هذه الحجة تفقد مبرراتها باكتمال مراحل المنظومة في فترة ليست طويلة، إذ سيتحول المشروع الدفاعي الجديد في غضون عشر سنوات إلى سد متحرك يطوق روسيا من بحر الشمال إلى البحر المتوسط، بالاضافة إلى شرق أوروبا وجنوبها، ما يعني تهديد أمن روسيا القومي من خلال محاولة تحييد وسائطها الصاروخية.

هذه المعطيات تفضي بنا إلى نتيجة مفادها أن أوباما استخدم تلك الخطوة “الملتوية” التي بدت كما لو أنها “تصحيحية” في تلميع صورة الولايات المتحدة في العالم بعد سياسات القوة المنفردة التي اتبعتها إدارة الرئيس السابق بوش وأدت إلى إشعال حربين واحتلال بلدين، لا يزالان مشتعلين بالعنف، وقد نجح الرئيس أوباما أيما نجاح خلال إدارته التي تقترب من نهايتها في إعطاء انطباع متفائل للجميع، وربما هذا كل ما سيتركه خلفه بعد رحيله.

محمد الطاهر

مقالات ذات صلة

إغلاق