مقالات

يوم واحد في حياة معلّم… بين فنلندا ولبنان وكينيا

د. سارا ضاهر

الساعة السابعة صباحًا في هلسنكي، والثلج يغطّي الشوارع وكأن المدينة اشترت ديكور فيلم أوروبي كلاسيكي. “يوهاني” المعلم الفنلندي يخرج من بيته حاملاً كوب قهوة يشربه وكأنه في إعلان تلفزيوني، والجو هادئ لدرجة أن بإمكانك سماع أفكارك وهي تتثاءب. طريقه إلى المدرسة لا يحتاج منبّه… ولا فرامل.

في بيروت، نفس الساعة تقريبًا، لكن هنا الصباح يبدأ بكورس مجاني من أبواق السيارات، وصوت بائع الخضار الذي يعتقد أن كل الحي بحاجة لمعرفة سعر البندورة. “ريما” المعلمة اللبنانية تعبر الشارع بحقيبة مليئة بالكتب، وحقيبة أخرى مليئة بخطط الطوارئ: انقطاع كهرباء، ضعف إنترنت، وربما حتى سقوط السقف—كلها احتمالات مدروسة. تأخذ قهوتها على عجل وتستعد لمهمتها الأصعب: إقناع الصف أن درس اليوم أهم من آخر فيديو رقص على تيك توك.

أما “صامويل” في كينيا، فهو يمشي نصف ساعة على طريق ترابي، ومعه سبورة صغيرة وبعض الطباشير. الكهرباء هنا مثل زيارة العم البعيد… تأتي فجأة وتغادر فجأة. لكنه يعرف أن طلابه سيستقبلونه بابتسامات أكبر من حجم السبورة نفسها.

في الصفوف:
• فنلندا: أجهزة لوحية، مشروع جماعي عن البيئة، وهدوء يجعل حتى الهمس يبدو جريمة.
• لبنان: صف مزدحم، مروحة سقف تصدر أنينًا دراميًا، ونقاشات طلابية تصلح برنامج حواري مباشر.
• كينيا: مقاعد خشبية، دفتر واحد مشترك بين أخوين، لكن الحماس في الإجابات كأنه بطولة عالمية.

الاستراحة تكشف الفوارق بوضوح أكبر:
• يوهاني يشرب شاي الأعشاب ويتناقش مع زملائه عن آخر تطبيقات التعليم الرقمي.
• ريما تحاول تصحيح عشرين دفترًا بينما تمسك هاتفها لتتأكد إن الطابعة اشتغلت أخيرًا.
• صامويل يلعب كرة القدم مع طلابه، والحكم دائمًا يضحك لأن لا أحد يحفظ القوانين أصلًا.

مع نهاية اليوم، يختلف الطريق إلى البيت، لكن الشعور واحد: مزيج من التعب، والفخر، ورغبة غامضة في أخذ قيلولة.
يوهاني يعود لمنزل دافئ ينتظره فيه العشاء الجاهز، ريما تمرّ بمكتبة صغيرة لتشتري كتابًا جديدًا، وصامويل يعبر الحقول وهو يفكر في درس الغد… الذي قد يبدأ على وقت أفريقيا أو على وقت قلبه.

قد يختلف الطريق إلى المدرسة، لكن رسالة التعليم لا تحتاج مترجمًا: أن تجعل طالبًا واحدًا يبتسم وهو يفهم شيئًا جديدًا… هذه وحدها إنجاز عالمي.

إغلاق