مقالات

مقال صحفي مُثير حولَ السياسةِ الدنمركية / الكاتب: كارستن ينسِن

مقال صحفي مُثير حولَ السياسةِ الدنمركية

ورَدَ هذا المقال في الصحيفة اليومية الدنمركية بوليتِكن في عددِها الصادر بتاريخ
16/9/2013.
الكاتب: كارستن ينسِن
عصرُ الديمقراطيين الإشتراكيين ينتهي مع هيلي ثورنِغ شميت
هيلي ثورنغ شميت استخدمت مِطرقة الحدّاد لتصفية الديمقراطية الإشتراكية

فترة سنتينِ من حُكم الديمقراطيين الإشتراكيين للحكومة، آكّدت لنا شيئاً واحداً:
عصرُالديمقراطية الإشتراكية قد انتهى.
لن تدخل هيلي ثورنغ شميت التاريخ كأول امرأةٍ تشغلُ منصبَ رئيس الوزراء في الدانمرك، و لكن كآخِر الديمقراطيين الإشتراكيين. عصرٌ استمرَّ حوالي 120 سنة ينتهي معها.
منذُ سنتين، عندما استلمت الحكومة السُّلطة كان الديمقراطيون الإشتراكيون قد انحدروا ليصبحوا ثاني أكبر حزب. الآن، تعمَّدت هيلي ثورنغ أن تنحدِرَ بالحِزبِ الى المرتبةِ الثالثة. بعدها، لن يستطيعَ الحزبُ مُطلقاً أن يدخل في تحالفاتٍ حُكوميةٍ قادمة بوزنٍ يسمحُ بالمطالبة بمركز رئيس الوزراء.

لن تستطيع هيلي ثورنغ شميت إلقاءَ خطابٍ في الأول من آيّار دون أن يتظاهرَ ناخبوها الرئيسيون دائرين الظهور لها أو مطالبينها بالإنصياعِ لمطالبهم. لكن عند الإنتخابات القادمة، عندما تَتحسس وضعها السّيء يحينُ وقت نزولها عن رئاسة الحزب، ينتظِرها، رغم كل شيئ، مركزٌ دوليٌّ كبير.

كما فعلَ أندرس فوغ راسموسن عندما قضى على الليبرالية بحذاقةِ اللص مُدّعياً حماية دولة الرّفاهيّة، قضت هيلي ثورنغ شميت في المقابل على الديمقراطية الإشترآكية، لكن ليسَ بنعومةٍ. لقد استخدمت مطرقةَ الحدّاد.

لم تكن السياسيّة هيلي ثورنغ شميت تسعى للتسلية أو الإمتاعِ. لكن يرجع السبب الى أنها لم تكن سياسيّةً في الأصل. إنها عابِرةٌ في الدنمرك، و مسألةُ الديمقراطيّةِ المحليةِ هي عبارةٌ عن نادٍ مُؤقتٍ لها. يبدو عليها أنها مُقاولٌ خاص وجدَ لهُ مقاولةً في الدنمرك، فهنا بانتظارها عمليةُ ناضجةٌ للهدمِ، هي بالتحديدِ، دولةُ الرّفاهيّة.
عندما يتمُّ العمل، تنتقلُ للذي يليه، على الأرجح، مركزاً في صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، و اللذان لهما نفس النّظرة المتخلّفة عن دولة الرّفاهية مثلها تماماً. إذا ما حصلَ الغيرُ مُنتظرٍ و تمّ إعادةُ انتخابها كرئيس وزراء، سيكون هذا بالتّأكيد عائقاً في طريقها و في طريق خُططها المستقبلية.

يُعتبرُ خطاب هيلي ثورنغ في ليلة رأس السنة بطريقةٍ ما تاريخيّاً. إنها أول مرةٍ يتخلّى رئيس وزراء عن منصبه، ليس عن الكرسي بلا ظهر و الذي تجلس عليه منذ سنتين، و لكن عن فكرة أن تكون قائدةً لسياسةٍ يُفترضُ أنها فكرةٌ نبيلة، و هي أن يكون الشعبُ سيِّد نفسه. لم يكن هناك محلٌّ في خطابها للتحّدث عن الدانمركيين كمجتمعٍ قائمٍ على المشاركة. رغم أن كلمة الدنمركيين قد وردت 96 مرة على الأرجح، و لكن دائماً في جُملٍ يتّضح فيها آنه ليس علينا القيام بلعبِ دورٍ آخر بديلاً عن مواءمة أنفسنا مع التغيرات، والتي بجُلها تقعُ خارج نطاقِ تأثيرنا.

من الناحية القواعدية الصرفة فإن الشّعب الدنمركي هو الفاعل في جميع جُمل رئيسة الوزراء، لكن في الحقيقة، نحن على العكس، المفعول به عبر التاريخ، ليس الفاعل. نحنُ مفعول بهم في عملية تطور تُملي علينا شروط حياتنا.
نحن نسير مع التيّار، سواءً علينا غرقنا أم طُفنا على السطح فإن ذلك يعتمد على مهارتنا في السباحة.لذلك وردت عبارةُ التعليم كمفتاحٍ لشيفرة الخطاب.
ترغبُ رئيسة الوزراء في إنشاء( آفضل جيل دنمركي متعلم عبر التاريخ) .لكن فهمها للتعليم يعني القدرة على سباحة الصدر، مهارة فنيّة يُفترض أن تُساعدَنا على تجنّب الغرق في إعصارات المجتمعات المتنافسة في العولمة، ليس كمدرسةٍ لمدى الحياة و لكن كمدرسةٍ لسوق عملٍ لا يرحم. هذا التعليم ليس للتربية ولكن ليكون كُتيّباً في صراع البقاء.
تتّخذُ هيلي ثورنغ شميت في خِطبها في رأس السنة نظرةً راديكاليةً لتاريخ الدنمرك في القرن العشرين. لم يعد هو الحركات العمالية و التي تُشكّل واحدةً من المجتمعات الآكثر عدلاً و مساواة في العالم و التي تتتوّج بدولة الرفاهية.
إنه تاريخ شعبٍ له مهارة المواءمة و الذي يفهم بانتهازيةٍ كيف يستغل الظروف و المعطيات. الإنتهازية هي السّمةُ الوطنيةُ الرّئيسية، الفضيلة السريّة و التي لم يُصرح عنها من قبل.-ـ و هي الشرطُ لبقاءنا.

لأسبابٍ تكتيكيةٍ قويةٍ لا تستخدم هيلي ثورنغ شميت الكلمة، و لكنها تقتربُ منها على قدر المستطاع.0(جاهزون للتغييرات) هي إجابتها على التحديّات التي تواجهها الدنمرك، و من الأقدرُ على مواجهة التغيرات من الإنتهازي؟
في السياسة الخارجية فإن التغييرلتصبح الدولة كالحرباء قد تمَّ. ما كان آندرس فوغ راسموسن يريده هومكالمةٌ هاتفيةٌ واحدةٌ من واشنطن ليعلن آن الدنمرك أصبحت في حالة حرب. سرعان ما أتى الجزاء، عندما تمَّ تصوير فوغ في عملية ضمٍّ حميمةٍ مع نظيره الروحي بوش.
لم تحصل هيلي ثورنغ حتى على مكالمةٍ واحدةٍ من الرئيس أوباما.كان عليها أن تكتفي بالبقاء على اتصالٍ إيحائيٍ بشاشة التلفاز، عندما يقوم وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بالتصريح بأحد المؤتمرات، تعرف هي آيضاً و كأن ذلك وحي أن الدنمرك أصبحت في حالة حربٍ أم لا.
ظلُّ وزير الخارجية في الدنمرك، فيلي سووندال، قد انحدر ليصبح فلّاحاً أخرقَ، بعينيه المتحركتين بسرعة يتحدث آمام الجمهور لأنه يعلم أن ذلك الحديث المبدئي و الذي آتى به الساعة الثانية بعد الظهرِ سوف يتم الإقلالُ من شأنه الساعة الرابعة عصراً.
إهاناتٌ من العامّة و عنوانٌ سريّ كانتا صبغتا الروتين اليومي للرجل الذ كان يفترض منه أن يُجّدد جناح اليسار الدنمركي. حزبه الخاص، حزب الشعب الإشتراكي، معلّقٌ بالحكومةِ مثل قشرةٍ جافة لطُفيليةٍ و التي بطريق الخطأ اختارت الحيوان الخطأ و بدلاً من أن تتغذّى صارت تتجرّع السُّم.
النقاش المؤلم حول التدخل العسكري في سوريّا و الذي أولاً دارَ في مجلس العموم البريطاني ثم في الكونجرس الأمريكي بادرةٌ ايجابية لدعم الديمقراطية. كلاً من الدولتين قد اتخذت القرار الصعب بالثورة على الأكاذيب التي قادت الى الحرب في العراق. في مجلس الشعب الدنمركي هذا الموضوع غير قابل للنقاش.
لم نقم بأيةِ ثورةٍ. ثُّلّةٌ قليلةٌ فقط من المُنتخَبين شعبياً لديها معلوماتٌ عن الحربين واللتان رمينا أنفسنا بها مسبّبين نتائجَ كارثيّة. آن يكونوا على مستوى المسؤولية و يستمعوا ال أصوات ضمائرهم و يصوتوا بغض النظر عن الاإختلافات الحزبية مثلما فعل السياسيون البريطانيون مثلاً، هو ببساطة قانون الطبيعة الذي يصحّ تطبيقه في السياسة الدنمركية.
عشرُ سنواتٍ من الكذِب و الصمت تنحَدِرُ بأية ديمقراطية، و الآن ندفع نحن الثمن بشكلِ تبعيّةٍ مَرَضِيّة.

في السنة الجارية، ظهرَ كتابٌ لعبَ دوراً غير متوقّعٍ في السياسة الدنمركية. ٍرأه أحدُ أعضاء الحكومة و أُصيبَ بالفزعِ. قرأه عضوٌ حكوميٌّ آخر أيضاً فتحمّس. الكتاب هو (دولة المنافَسَة)، كتبه البروفيسور في السياسة الإقتصاديّة آوفي . ك. بيدرسِن. يصفُ الكاتب صراع دولة الرّفاهية الطويل و المرير من أجل البقاء. و يدلّل على كيف أن على آثارها سوف يبرزُ نموذجٌ جديدٌ من الإنسان و الذي أصابَ بدعوته (الإنسان الإنتهازي).
بالنسبة للحكومي المناصر للإنسانية، ماريانا يلفِد و التابعة لحزب الفنسترا الراديكالي آثار تشخيص الكتاب لديها الفزعَ. هي لا ترغبُ في مجتمعٍ تكون المنافسةُ فيه هدفاً في حدّ ذاته. لكنها وزيرة الثقافة و بالتالي هي في موضعٍ لا يسمح لها بالتأثير.و على العكس، جاءت ردّة الفعل من المُصارع في الحكومة، وزير المالية، بيارني كوريدون.
في عنوان الكتاب، وجدَ أخيراً وصفاً لمحاولاته الدّؤوبة. إنه يُريد إنشاءَ دولة المنافسة.
لوزير المالية نفس العلاقة مع البنك المركزي الأوروبي، مثلما رئيس الوزراء مع جون كيري. إنه يتلقّى الوحي، و الوحي كما نعرف نحن من الإنجيل، ليس قابِلاً للنّقاش.
ترجع أزمتنا الإقتصاديّة الحالية طبقاً لوحي بيارني للاستهلاك العام الزائد، ولذلك فإن العلاج الوحيد يكمن في التخفيض الكبير في ميزانية الدّولة.
يصعب تسويق هذه الرسالةعند الناخبين الرئيسيين في حزب الديمقراطية الإشتراكية و هذا ما لم يحاول بيارني كوريدون فعله. في المقابل سوّق سيرته الذاتية، قصة ذلك الولد الحسّاس الذي عانى الذّل جرّاء انتماءه لأُمٍ عاطلةٍ عن العمل، و عائلةٍ تعيشُ على المساعدات الإجتماعيّة.
لدى كوريدون إقتراحٌ رهيب، يُفترض أن يُخلّص العاطلين عن العمل من العار. إلغوا المساعدات الإجتماعيّة. آو على الأقل، خفّضوا كثيراً من فترة المساعدة بحيث لا يستطيع المتطفلون المستغلون من آن يُشكلوا أزمةً مدى الحياة.
إنها هديةُ دولة المنافسة الى الشعب. جُزءٌ منّا سوف يلزم القاع بدون أي دعم كبير من الدولة يعينه على البقاء من أجل أن يتخلص من عبء الضمير لكونه متطفلاً مستغلّاً.
الديمقراطية الإشتراكية تُغرّب نفسها بطريقة ممنهجة عن جميع الطبقات و مجموعات الناخبين.
الطبقة المالية العليا يُفترض انها تقف الأقرب ال قلب الحزب، لكن الطبقة العليا خادعةٌ و مراوغة، لا تجزي أتباعها، لكنها في المقابل تنظر اليهم من علٍ. لقد تخلّت الديمقراطية الإشتراكية عن الطبقة الوسطى لصالح الليبراليين الجُدد، بينما رمت الطبقة السُّفلى في فجوة الشعبويين الكارهين للأجانب.
لماذا يُفضلُ متلقّوا الرواتب التصويت لصلح حب الفنسترا الليبرالي بدلاً من الديمقراطية الإشتراكية؟ لأن الديمقراطية الإشتراكية لا تقدّم لنا نظرية أُخرى سوى أن نطأطئ الرأس تحت وطئ قانون الضرورة الإقتصادي. على الأقل يسعى الفسترا لأن يصوّر لنا، أنه تحت نفس قانون الضرورة أنه يمكن لأي فرد أن يصيغَ مستقبله بيده.
في النظرة الإنسانية المُحطِّمة التي تتبعها الديمقراطية الإشتراكية لا يوجد مكان لقوة تشغيل آُخرى سوى إرادة المواءمة الإنتهازية، لكن أغلب الناس تفضل بإرادةٍ طيّبة أن ترى نفسها كشعب يصنع مستقبله بنفسه بدلاٍ من أن يكونوا كالحرباء المتآمرة فوق رُقعةٍ من الشطرنج.

كلّاً من الحكومة و المعارضة يقدمان لنا نفس النظرية المستقبلية المملّة، سباق السباحة في إعصارات العولمة. لكن الفنسترا يعرض صورةً إنسانيةً جذّابة بدلاً من نظرية الديمقراطيين الإشتراكيين الآيلة للغرق.

الأُحجيةُ الأكبر في السياسة الدنمركية هي الرجُل . و الذي عليه أن يُجسّد فضائل الليبراليين الجُدُد، المبادرة، الشجاعة و الرغبة في العمل. هو زعيم الفنسترا و رئيس الوزراء القادم، ذلك الذي يبدو أنه مصابٌ بغيبوبةٍ اندرس لوكي راسموسن. كرئيس للوزراء كان لوكي مثلَ مسافر بلا تذكرة ظهر من بين البضائع المشحونة و في لحظة غفلةٍ جلسَ وراء المقود.
المسافر بلا تذكرة آصبح قبطاناً. و لكن على طريقه، و الذي يفترض أن يؤدي الى عودةٍ ظافرة، يُعتقد سلفاً آنه ليس نفس الشخص المشبع بالطاقة. إنه يبدو أنه على وشك لفظ النفس الأخير، و لذلك فنحن بعد سنتين سوف نصوّت لفراغٍ للسلطة يحلُّ مكان فراغٍ آخر.
يبدو ذلك حُكماً عادلاً على هذه السنوات من السياسة الدنمركية.

ترجم هذا المقال عن اللغة الدنمركية: سليم محمد غضبان.

مقالات ذات صلة

إغلاق